القاهرة 08 يونيو 2015 الساعة 03:18 م
الوحوش أو خوارق ما وراء الطبيعة، فكرة تشغل البشر منذ بداية التاريخ الإنسانى. فالإنسان الذى تقابل مع الحيوانات المتوحشة وصارعها، من أجل الدفاع عن حياته و قنص بعضها من أجل غذاؤه، ظل دائما يرى فى الطبيعة منافسا بل و أحيانا قاتلا له ، و مثل هذه الطبيعة فى الوحوش الإسطورية ،التى تتمتع بقوى خارقة تستطيع بها قتل البشر بسهولة شديدة. لقد جسد الإنسان خوفه من قوة الطبيعة و بطشها، فى أساطير الوحوش التى حفل بها التراث الثقافى لمختلف شعوب العالم، ففى مصر كانت" الهولة" و التى وردت فى أسطورة أوديب ،و فى بلاد ما بين النهرين و الحضارة الأشورية كانت الأسود المجنحة، و فى أوروبا كان "الرجل الذئب" و "مصاص الدماء "، و فى الشرق الأقصى كان "التنين" بأشكاله المختلفة .
عندما ارتقت الحضارة و تقدم علم البصريات، و ظهرت السينما كثمرة لهذا التقدم، لم يستطع الإنسان التخلص من خوفه الغريزى من الطبيعة فمثله على شاشة السينما، فظهرت الوحوش فى السينما منذ بداياتها المبكرة ففى عام 1933 ظهر أشهر وحوش السينما العالمية " كينج كونج " .و هو غوريلا عملاقة من صنع خيال " المخرج و المنتج " ميريان كوبر " و الذى كان مولعا بالقرود و حيوانات الغوريلا منذ صغره ، و من فكرة للكاتب و الصحفى الأمريكى " ادجار والاس " ظهر كينج كونج القرد العملاق ليهز زئيره الشاشة الفضية .
كان من الممكن أن تكون الفكرة هى مجرد الصراع السطحى بين الإنسان و الوحش ،و لكن وجود المرأة أضفى عليها طابعا رومانسيا فلسفيا . فهو يروى قصة الوحش الذى كان يعيش منعزلا فى جزيرة بعيدة فى المحيط الهادى، و الذى كان يُعبد كإله من سكان الجزيرة البدائيين، الذين كانوا يقدمون له أضحية بشرية من بينهم لينالوا رضاه و يتقوا أذاه ،و يلتقى الوحش بالجميلة من خلال بعثة سينمائية ، أتت لتصوير فيلم سينمائى فى الجزيرة .و يختطف المتوحشون الفتاة و يقدمونها للوحش كأضحية بشرية كما اعتادوا ،و لكن الوحش لا يقتل الفتاة بل يقع فى غرامها ،و ينقذها من وحوش الجزيرة، اللذين يصارعهم بقوة و ضراوة ليحمى محبوبته .
و يتتبع باقى أفراد البعثة أثار الوحش فى محاولة منهم لانقاذ الفتاة، و بالفعل ينجحون فى إنقاذ الفتاة و أُُسر الوحش، و يعودون به إلى نيويورك فى الولايات المتحدة ليعرضونه على الجماهير، فى مسارح برودواى الشهيرة فى أغلال و قيود، و لكن الوحش يستطيع الفكاك من قيوده و الهرب من آسريه ، و يشيع الفوضى فى المدينة ،و تذهب إليه الفتاة فى محاولة لتهدئته و منع البوليس من قتله، و لكنه يبعدها عن مرمى النيران خشية على حياتها ،بينما يتلقى رصاصات البوليس و يموت فى النهاية .
لعبت بطولة الفيلم الممثلة الكندية " فاى راى " ،و هى من الممثلات اللاتى أشتهرية بتأدية أدوار الرعب فى بدايات القرن العشرين، و لكنها تميزت بأدائها لشخصية " آن دارو " فى فيلم كينج كونج ،و شاركها البطولة الممثل الأمريكى " بروس كابوت " ،و الذى اشتهر أيضا بأدائه لدور " جاك دريسكول " فى الفيلم ،و شخصية جاك دريسكول هو كاتب السيناريو فى الفيلم ،و الذى يصاحب البعثة إلى مكان التصوير، و أيضا يقع فى حب البطلة .و هو أيضا الذى يخاطر بحياته لانقاذها من القرد . أما شخصية الشرير فى الفيلم أو الشخصية الانتهازية التى تسعى وراء المال، فيجسدها " كارل دنهام " المصور السينمائى و رئيس البعثة و يقوم بها الممثل " روبرت أرمسترونج " و الفيلم من إخراج " مريان كوبر " .
كان فيلم كينج كونج هو بداية الطريق لنوعية من الأفلام، هى أفلام الوحوش. و تلك النوعية تتطلب إعداد خاصا ،هو نموذج الوحش الذى تدور حوله الأحداث ،و الذى يتطلب تحريكه أثناء التصوير تكنولوجيا ميكانيكية متقدمة . و قد ظهر كونج إلى الوجود على يد المهندس " مارسيل دلجادوا" و قد تم صنع أربعة نماذج من كينج كونج، بمكونات من الألومنيوم و الفوم و المطاط و المواد اللاصقة، و قد كان اثنان من النماذج الأربعة يستخدمان فى تصوير المشاهد، التى تصور فى الأدغال حيث موطن كونج. و استخدم اثنين آخرين من نفس النموذج ،فى تصوير الأحداث التى تدور فى مدينة نيويورك، بعد نقل القرد العملاق فى أحداث الفيلم من موطنه فى الأدغال إلى الولايات المتحدة، ليتم عرضه على الجماهير ، و حيث يحطم قيوده و يثير الفوضى و الذعر فى المدينة بحثا عن آن دارو محبوبته البشرية .
و قد تم تعديل نموذج كينج كونج عن الشكل المعتاد للغوريلا ،و الذى عادة يسير السخرية ببطنه المنتفخة و ظهره المقوس، فظهر كينج كونج أقرب ما يكون إلى إنسان العصر الحجرى ،الذى كان يسير بتقوس خفيف فى ظهره ،و أيضا ساعدت ملامح الوجه التى تم صناعتها من المطاط، بينما صنعت العينان من الزجاج لإضفاء انطباعات إنسانية على وجه القرد مثل الغضب، و الدهشة، و الحزن .و قد تم التحكم فى ملامح الوجه من الجبهة و الشفتان و الفم ،لتعطى تلك الانطباعات عن طريق أسلاك رفيعة مرنة ،تم ربطها بتلك الملامح عن طريق ثقوب فى جمجة النموذج المصنوعة من الألومنيوم . لم تكن مشاكل الحركة و التعبير هى فقط كل المشاكل التى واجهها كونج أثناء التصوير، فقد كانت ملامح الوجه المصنوعة من المطاط تجف سريعا أثناء التصوير ،بفعل الحرارة الناتجة من كشافات الإضاءة المستخدمة فى التصوير، و كان على القائمين على الفيلم إعادة بناء ملامح الوجه بصورة متكررة أثناء التصوير .
بعد عقبات كثيرها تخطاها القائمون على الفيلم، تم أخيرا تصوير أول مشهد من مشاهد الفيلم فى مايو 1932 .و قد تم عرض الفيلم لأول مرة على الجمهور فى أكبر مسارح نيويورك و يسمى " راديو سيتى ميوزيك هول " و يسع 6200 متفرج .و قد سبق عرض الفيلم اسكتش مسرحى سمى " طبول الأدغال " ،و قد كان الإقبال على مشاهدة الفيلم تاريخيا حتى أن سعر التذكر ارتفع من 35 إلى 75 دولار أمريكيا، فى الأيام الأربعة الأولى من العرض ، و فى الستة أيام التالية كانت كل التذاكر قد نفذت حيث حقق الفيلم فى الأربعة أيام الأولى من عرضه، ما يقرب من مائة ألف دولار .
لم ينل الفيلم أى من جوائز الأوسكار .و لكنه صنف ضمن أفضل مائة فيلم فى الولايات المتحدة الأمريكية ،و قد أراد المخرج الأمريكى " ديفيد سيلزنيك " ترشيحه لأوسكار أفضل مؤثرات بصرية ،و لكن اللجنة القائمة على المسابقة رفضت ،ذلك إذ أن ذلك النوع من الجوائز لم يكن معروفا من قبل فى بداية الثلاثينيات من القرن الماضى. و قد أعيد إنتاج الفيلم خمس مرات خلال القرن الماضى عام 1938 ، 1942 ،1946 ، 1952 ، 1956 ثم أعيد إنتاجه بعد ذلك بنصف قرن، فى بداية الألفية الثانية عام 2005 .و بالطبع كانت هناك طفرة تكنولوجية هائلة فى التحريك، و النموذج المستخدم لكنج كونج و المؤثرات البصرية ، و قد لاقى الفيلم نجاحا هائلا بالرغم من ثبات العنصر الدرامى، فالسيناريو لم يتغير و لكن البطل هنا كانت التكنولوجيا ،،التى أعطت للفيلم بعدا رابعا أعاد بعث القرد العملاق و حبيبته البشرية الفاتنة من مخازن هوليوود، لينتهى الفيلم بعد تسعين دقيقة من الإبهار بالعبارة الخالدة " لقد قتل الجمال الوحش " .لم يكن كينج كونج هو الوحش الأشهر فى تاريخ السينما الأمريكية و لكن الخيال الأمريكى أنتج وحوشا مذهلة أبهرت العالم ولكن لهذا حديث لاحق