القاهرة 15 مارس 2015 الساعة 11:59 ص
منذ منتصف السبعينيات بعد أن صارت 99% من أوراق اللعب فى يد " أمريكا " "و اللى مش شايف كده يخبط دماغه فى الحيط" ،و هى تلك الجملة التى قالها الراحل العظيم أحمد زكى فى فيلم "أيام السادات" ،و رغم أن الحرب الباردة لم تكن قد انتهت بعد، و كان الاتحاد السوفيتى ما يزال متمسكا بوحدته و كيانه ،الا أن تلك الفكرة و تلك السياسة، أدت الى تراجع الثقافة الروسية فى مصر و منها السينما بالطبع، و هى من أهم أعمدة الثقافة ،بل هى التى تنشر الفكرة العامة عن دولة ما و عن مقوماتها الثقافية و الحضارية، لذا ظلت الثقافة الروسية تتأكل فى مصر، و خاصة خلال العهد الثلاثينى المظلم، حيث تأكلت الثقافة بصفة عامة. فعدنا لا نذكر شئ عن روسيا سوى انها بلاد باردة ،و لا نرى فيها سوى الثلج.
و فى الحقيقة فان السينما الأمريكية فى تلك الفترة، قد طغت على كل ما عاداها بأفلام العنف ،و الخيال العلمى، و الحركة ،و التى ساهمت فى خلق مناخ مقصود من العنف ،ساد المجتمع المصرى ،و غلفه بغلاف أمريكى ،ووضع بينه و بين باقى ثقافات العالم الأوروبية و الأسيوية، حاجزا جعله
الثقافة الوحيدة التى يعرفها الشعب المصرى ،و التى لم يأخذ منها سوى عيوبها من العنف و الجنس و ما الى ذلك. و فى الحقيقة فاننا لم نجد فيلما واحدا جادا ، يعرض فى دور العرض يدور حول موضوع حقوق الانسان، التى ما تزال الولايات المتحدة تتشدق بها بمناسبة و بدون مناسبة ،لخدمة أغراضها الخاصة .و بما اننا بصدد فتح الباب، للتعاون المصرى الروسى فى كافة المجالات، و منها السينما الروسية .و التى هى معرض الثقافة الروسية المفتوح ،فالسينما مرآة لثقافة المجتمع الذى تمثله. لذا دعونا نلقى على السينما الروسية نظرة قريبة، و نتعرف عليها و على تاريخها و مقوماتها .
عرف الاتحاد السوفيتى السينما، مثلما عرفتها كل بلد أخرى فى العالم على يد الأخوين لوميير، فى أواخرعهد عائلة "رومانوف " التى كانت أخر سلالة القياصرة الذين حكموا روسيا من عام 1721حتى 1917 .حتى قيام الثورة البلشفية التى استبدلت الحكم الامبراطورى بحكم جمهورى . و قد عرض الأخوان لوميير أفلامهما فى العاصمة موسكو و سان بطرسبرج عام 1896 ،و فى ذلك الوقت كانت السينما تخطو خطواتها الأولى ،كفن وليد مجهول المستقبل محدود الامكانيات بصورة كبيرة، فلم تكن هناك تقنية للصوت غير عزف بيانو مصاحب لأحداث الفيلم كما كانت تقنية الألوان مجهولة تماما فى ذلك الوقت حتى فى الصور الفوتوغرافية .
وتم تصوير أول فيلم على الأراضى الروسية، فى نفس العام الذى عرض فيه الأخوين لوميير فيلمهما " وصول القطار " . وهو الفيلم الذى صور حفل تتويج " نيكولاس الثانى " أخر قياصرة روسيا ،وتم انتاجه أيضا عن طريق الأخوين لوميير فقد قام مصور تابع لهما ،بتسجيل لقطات التتويج التاريخى الذى جرت أحداثه فى الكرملين .
فى 1908 قام" الكسندر درانكوف " المصور السينمائى الروسى ،بتأسيس اولى شركات الانتاج السينمائى الروسى، و التى تخصصت فى تغطية الأخبار المصورة و الأفلام القصيرة ،و قد تحولت تلك الشركة فيما بعد الى كيان انتاجى ضخم باسم " الكسندر درانكوف و شركاؤه " .و كان أول فيلم روائى روسى قصير و فترة عرضه 10 دقائق ،من انتاج تلك الشركة و كان اسمه " ستينكا رازين ". و يدور حول حكاية فلكلورية تشبه حكاية " أدهم الشرقاوى " المصرية، و هى أيضا نفس الفلكلور الانجليزى " روبن هود ". و هى عن حياة الثائر الروسى " ستيبان رازين " الذى قاد حركة المقاومة
ضد النبلاء عام 1671 فى روسيا.
فى عام 1912 قام " الكسندر كانزونكوف " بانتاج ثانى فيلم روائى باسم " الدفاع عن سيفاستوبول " ،و هى مدينة روسية تقع على البحر الأسود . و يعد الفيلم من اهم الأفلام التاريخية الروسية .و الفيلم بطولة نجم السينما الصامتة الروسى " ايفان موزخين " ،و هو أيضا يعد من أهم نجوم السينما الفرنسية ،فهو قد هبط باريس عام 1919 ،و سرعان ما وطد مكانته فى اوساط الفن السينمائى بفرنسا.و بعده يأتى كاب السيناريو و المخرج " ياكوف بروتازانوف " ،و هو من أحد اهم أعمدة صناعة السينما الروسية فى فترة ما قبل الثورة البلشفية ، حيث قدم للسينما الروسية فى الفترة ما بين عامى 1911 -1918 ، ما يقرب من ثمانين فيلما . و من أهمها فيلمين يعدان أفضل اعماله على الاطلاق . أولهما " الملكة البستونى " عام 1916 ،و هو مأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب " الكسندر بوشكين " ، و
الذى يعد من أهم الكتاب و الشعراء فى الأدب الروسى ويعد الفيلم واحدا من أهم افلام فترة ما قبل الثورة البلشفية .أما الفيلم الثانى و هو فيلم " الأب سيرجى " و هو مأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتب الروسى الأشهر " ليو تولستوى " ، صاحب رائعتى " الحرب و السلام " و " أنا كارنينا " . و الفيلم من اخراج " الكسندر فولكوف " .و لا ينتهى الكاتب و المخرج من كاتبه المفضل " تولستوى " فيقدم فيلم " رحيل الرجل العجوز العظيم " و الفيلم يستعرض الأيام الأخيرة ،من حياة الروائى الروسى الأشهر نفسه ، و الفيلم يعد أول أفلام الممثلة الأمريكية " اولجا بتروفا ".و هو اسم الشهرة للممثلة الانجليزية المولد " ميريل هاردنج " ،و التى هاجرت الى الولايات المتحدة حيث أصبحت أحد نجمات " الفودفيل " المعروفين مستخدمة الاسم المسرحى " أولجا بتروفا " .
لم تهمل السينما الروسية فن الرسوم المتحركة ففى عام 1912، قام الكاتب و المخرج " لاديسلاف ستارفيتش " بانتاج أول أفلام الرسوم المتحركة الروسية باسم " لوكانيدا الجميلة " . و هو أول من استخدم تقنية " stop motion " و هى تقنية استخدام تتابع الصور الثابتة ،بسرعة معينة توحى للعين بحركة شخصيات الرسوم المتحركة ،و هى تقنية استخدمت لسنوات طويلة فى أفلام الرسوم المتحركة .
بعد قيام الثورة البلشفية عام 1917 ،انتقلت السينما الروسية الوليدة الى نطاق اخر تدخلت فيه السياسة بشكل كبير. وقد كانت اللغة الروسية هى اللغة السائدة فى معظم الأفلام ،ولكن على الرغم من ذلك، كانت هناك اللغات المحلية للأفلام التى انتجت فى جورجيا و اوكرانيا و أرمينيا ،و غيرها من دول الاتحاد السوفيتى . و لكن الشيوعية الوليدة فى الاتحاد السوفيتى، كانت حريصة على جعل السينما أداة لخدمة أهدافها السياسية ،فكانت الأفلام الا فى ما ندر منها تخضع لرقابة صارمة من قبل الدولة ، و لكن السينما الروسية استمرت فى الصعود ،بالرغم من قبضة الدولة الحديدية .و فى الخمسينيات أثمر ذلك النجاح بشكل ملحوظ ،نتيجة الصراع بين الابداع الحر و السينما الموجهة من قبل الدولة ،و فى ذلك لم تختلف روسيا عن باقى دول الكتلة الشرقية الأخرى، التى كانت السينما فيها تعانى أيضا من محاولات التحكم و الهيمنة من قبل الدولة .
فى العشرينيات بدأت السينما الروسية فى التأريخ الاجتماعى و السياسى للنظام الروسى الجديد و هو الشيوعية .و من أبرز المخرجين الذين ظهروا فى فترة العشرينيات هو المخرج "سيرجى أيزنشتين " ،و قد أثرت أفلامه الصامتة السينما الروسية فى تلك الفترة ،و من أهمها " السفينة الحربية بوتمكين " .و الذى كان من أهم الأفلام فى السينما الروسية فى ذلك الوقت، لتصويره للأحداث السياسية و الاجتماعية التى مهدت لقيام ثورة 1905، ضد النظام الامبراطورى فى روسيا و التى شهدت اضرابات كبيرة للعمال .و من أهم الأفلام التى ظهرت فى تلك الفترة أيضا ، أفلام المخرج و الكاتب الروسى " فيزفولود بودفكين " و الذى يعتبر ندا و منافسا لمعاصره " أيزنشتين " ، و كلاهما صاحب نظريات هامة فى فن المونتاج .و قد جاءت أفلام بودفكين على النقيض من افلام أيزنشتين، و من أهمها فيلم " الأم " عام 1926 ، هو يروى قصة الأم التى تموت و هى تحاول تحرير ولدها من سجنه اثناء ثورة العمال فى 1905 . و كذلك شهدت تلك الفترة من عشرينيات القرن الماضى مخرجين سوفيت على قدر كبير من الأهمية، مثل " دزيجا بيرتوف " و الذى اشتهر بريادته للسينما التسجيلية الروسية ،و الذى قام بانتاج ما يشبه " جريدة مصر السينمائية " التى كانت تعرض فى دور العرض قبل بداية الفيلم حتى بداية الثمانينيات ،و التى كانت تحتوى تسجيلا لأهم الأحداث الراهنة على الساحة السياسية و الاجتماعية .و فى الحقيقة فان تلك النوعية من السينما التسجيلية لعبت ليس فى روسيا وحدها ،بل فى العالم كله دورا هاما فى تسجيل الأحداث التاريخية و الاجتماعية الهامة .
شهدت السينما الروسية اثنان من الأحداث الجسام ،غيرت تكوينها الفكرى مثلما غيرت المجتمع المحيط بها، و هما "الحرب العالمية الأولى" عام 1914- 1918 و "الثورة البلشفية" و نهاية النظام الامبراطورى ،و ابادة عائلة رومانوف أخر العائلات الملكية فى روسيا عام 1917، و ظهور نظام جديد هو النظام الشيوعى الذى أحدث تغييرات جذرية فى المجتمع الروسى، و من ثم فى الأجواء الفكرية التى أحاطت بصناعة السينما الروسية فى ذلك الوقت، و التى كانت لا تزال فى مرحلة التكوين و ارساء القواعد، و بناء النظريات .لذا دعونا نستعرض مراحل تطور السينما الروسية بعد كل تلك الزلازل، التى غيرت التكوين الفكرى و الانسانى للاتحاد السوفيتى ، و لكن لهذا حديث لاحق .