القاهرة 25 فبراير 2015 الساعة 03:16 م
تخرج علينا هوليوود بالكثير من المتغيرات، فما بين أفلام عن وحوش وهمية لأفلام عن كائنات ملعونة مثل مصاصى الدماء ، و المستذئبين. إلى أفلام عن وحوش مثل سلسلة أفلام الفك المفترس ،و الحوت القاتل " موبى ديك " و غيرها. و على الرغم من سلبيات تلك الأفلام ،فهى أفلام ترسخ لثقافة العنف فى المجتمع، و بين صغار السن .و كذلك نوعية أفلام القتلة المتسلسلين، و كل تلك الأفلام تندرج تحت نوعية أفلام الرعب .
و لكن هناك أفلام أمريكية أيضا تخدم استراتيجيات معينة، تصدرها السينما الأمريكية للعالم الذى كان فى ما مضى، يثق كثيرا فى السينما الأمريكية و يصدق ما تبثه من أفكار، حتى فى أفلام الأكشن نجد الجمهورعلى أتم استعداد لكى يصدق ما يقوم به أبطال تلك الأفلام، من لقطات تجافى المنطق. فمثلا نرى البطل يتبادل إطلاق الرصاص مع عشرة من الأشخاص، و يستطيع أن يصيبهم جميعا بينما هو لا يصاب بخدش واحد، كما فى أفلام " جيمس بوند مثلا ". و يصدق الجمهور تلك المبالغات فى قوة البطل بل، و تلاقى تلك الأفلام شعبية كبيرة بين جمهور السينما، و كذلك مجموعة أفلام مثل الفك المفترس، والتى تروج فكرة فى منتهى الخطورة عن سمكة القرش، و خاصة القرش الأبيض العظيم، و هو حيوان رائع نادر المثال و لكنه لا يتسلى بالتهام البشر ،مثلما أظهرته السينما الأمريكية فى سلسلة من الأفلام صدرت فكرة مغلوطة عن سمك القرش، فى أنه قاتل بلا رحمة و هو على العكس من ذلك حيوان خجول، لا يهاجم البشر إلا فيما ندر.
و لكن تلك الأفلام ربما تكون من مقتضيات السينما التجارية، مع أن ذلك لا يبرر تصدير الأفكار المغلوطة .و فى سلسلة أفلام " wrong turn " و"The hill have eyes" ،و التى فى جميع أجزائها تروى قصص مجموعة من الشباب يخرجون للنزهة فى الغابات أو الجبال، فيسقطون فريسة لسكان تلك المناطق النائية و التى يعيشون فيها حياة منعزلة عن المجتمع، بسبب التجارب النووية التى تجرى فى تلك المناطق فتشوههم ،و تحولهم إلى مسوخ من أكلى لحوم البشر . و فى الحقيقة فأننى قد سألت ذات مرة صديق مصرى، يعيش فى الولايات المتحدة منذ أكثر من عشر سنوات عن صحة ما تروج له هذه الأفلام، و عن حقيقة وجود هؤلاء المسوخ الذين يقطنون مناطق الطبيعة النائية ،فأجابنى أنه لا وجود لمثل هؤلاء و أنها مجرد أفلام تجارية و لكنها لا تمت للحقيقة بصلة .و فى الحقيقة فان تلك الضلالات ،لا تعتبر الضلالات الوحيدة التى تروج لها السينما الأمريكية ،و انما هناك أفكار مضللة تصدرها الولايات المتحدة الى العالم ،فى صورة أفلام سينمائية لتبرير و إعداد العالم الثالث لفكرة " شرطى العالم " ، التى قامت الولايات المتحدة بتصديرها لنا على مدى عقود ،و قد قمنا بتصديقها بالفعل سواء كان ذلك على مستوى المثقفين، أو الجهلة. فلقد صدق معظمنا فكرة شرطى العالم ،و خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، و تحول العالم إلى فكرة القطب الواحد .
و المتابع لتاريخ السينما الأمريكية ،يجد أنه فى عام 2003 مباشرة قبل غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق ،تخرج علينا السينما الأمريكية بفيلم " tears of the sun " .و العنوان فى حد ذاته معبر عن فكرة الفيلم ،الذى تدور أحداثه فى إفريقيا و بالتحديد فى "نيجيريا" ،تحت شمس افريقيا الحارقة التى تبكى مقتل أبناء القارة السمراء ،بأيدى بعضهم البعض فى الحرب الأهلية النيجيرية .الفيلم بطولة الممثل الأمريكى " بروس ويليز
" صاحب مجموعة الأفلام الشهيرة " Die hard" و
" Sin city " ،" The whole 9 yards" و الممثلة الايطالية " مونيكا بيلوتشى " و من اخراج المخرج الأمريكى " أنطوان فوكوا ". و الفيلم يبدأ بقصة أمريكية عادية من قصص انقاذ الرهائن ،و التى تتماثل مع افلام الممثل الأمريكى " سيلفستر ستالون " من المجموعة الشهيرة " رامبو " ،و لكن فى الحقيقة فان الفيلم يأخذ بعدا أخر تماما يختلف عن أفلام رامبو،و التى هى مجرد افلام حركة. ففيلم دموع الشمس يروج لفكرة الفوضى ،التى تدور فى العالم الثالث الذى يتميز بالجهل و التخلف ،و من ثم تمزقه الصراعات العرقية و الطائفية، و كما أسلفنا تدور أحداثه أثناء الحرب الأهلية النيجيرية ،و حيث توجد مغالطة تاريخية كبيرة فالحرب الأهلية النيجيرية ،دارت رحاها فى ستينيات القرن الماضى، بينما احداث الفيلم تدور فى الزمن الحالى،و يدل على ذلك المعدات الحديثة التى تظهر بالفيلم .
و فى الحقيقة فان الفيلم رغم ما يظهره ،من محاولة عدم التدخل الأمريكى فى المنطقة، الا أنه يبطن فكرة أخرى. و هى اظهار افريقيا ودول العالم الثالث بمظهر الدول التى تعمها الفوضى، و يسودها القتل، و تنتهك فيها حقوق الانسان على أوسع نطاق .و هو الشئ الذى يبدو واضحا فى لقطات عديدة من الفيلم ،حين يهاجم المتمردون قرى كاملة للمعسكر المنافس، فيقتلون كل من فيها و يبقرون بطون الحوامل ،فى تصوير بشع للهمجية و الوحشية، التى تسود مناطق النزاعات فى دول العالم الثالث. و هو الأمر الذى يبرر التدخل فى تلك الدول، كما أن الفيلم قد نجح نجاحا كبيرا فى تصدير هذا الوعى الى المتفرج الأمريكى ،الذى لا يدرى شيئا عن ما يحدث فى خارج الولاية التى يعيش بها، سوى ما يصدره له الإعلام الأمريكى.
ومن أقوى وسائل الآعلام هى السينما الأمريكية، التى أحيانا ما تستخدم كوسيلة سياسية لرسم صورة لحدث معين، لكسب تأييد المجتمع الأمريكى لذلك الحدث، و اذا علمنا أن الفيلم قد تم عرضه ،متزامنا مع غزو العراق فى عام 2003 .نجد أن الفيلم لم يكن سوى مجرد وسيلة، لتعبئة الرأى العام الأمريكى و الحصول على تأييده ،لما يرفضه فى الظاهر. و هو التدخل فى شئون الدول الأخرى. و لكن هنا تأتى الفكرة الانسانية التى قام عليها الفيلم ،و التى تم الترويج لها طوال الوقت . و هى مسئولية الولايات المتحدة ،عن حفظ و احترام حقوق الانسان، و هو ما تم الترويج له فى الفيلم ببراع
ة، من خلال الاسلوب الذى كان أبطال المارينز يتعاملون به مع المواطنون الأفارقة ،الذين يتم اجلائهم. و الذى اتسم بالكثير من التعاطف و الانسانية ،بل و التضحية بالذات لكى ينجو هؤلاء الأبرياء المساكين. و اذا كان جميع محبو الفن السابع ،يدركون القوة الناعمة للسينما فى تصدير الأفكار و الاقناع بها، فبالتأكيد فان القائمون على السياسة فى الولايات المتحدة ،يدركون هذا أفضل منا ،و يوظفونه أيضا أفضل منا بعشرات المرات لذلك جاء " Tears of the sun " تجسيدا لهذا الاستخدام للسينما فى السياسة .
و يأتى بعد ذلك بسنتين فى عام 2005 الفيلم المثير للجدل " Lord of the war " و فى الحقيقة فان ذلك الفيلم ،يعتبر اعترافا من الولايات المتحدة، بتمويل النزاعات فى القارة السمراء و دول العالم الثالث، بالسلاح الذى يستخدمه مواطنوا تلك الدول فى افناء بعضهم بعضا، و يدور الفيلم حول تجارة السلاح الغير شرعية من خلال تاجر أمريكى من أصل سوفيتى ،يروى قصته مع تجارة السلاح. و الفيلم بطولة " نيكولاس كيدج " النجم الأمريكى صاحب الفيلم الشهير " face off" و الذى شاركه فيه البطولة نجم السينما الاستعراضية فى هوليوود " جون ترافولتا " و الذى حقق فيلميه " حمى ليلة السبت " و " جريس " أعلى الايرادات فى سبعينيات القرن الماضى . و شاركته بطولة الفيلم " بريدجيت موناهان " .
"سيد الحرب " فيلم جدير حقا بالمشاهدة ،فهو يكشف أمام المشاهد عالما خفيا مذهلا ،لا يتصور وجوده من حيث درجة التجرد من الانسانية، التى تحتوى عليها هذه التجارة ،حيث يصور الفيلم " يورى " بطل الفيلم " نيكولاس كيدج " يشاهد عمليات القتل الوحشى و الابادة العرقية، أمامه بدم بارد .و يبيع السلاح لأحد أطراف النزاعات العرقية الأفارقة، و بينما يرى العشرات يقتلون أمامه فى خيامهم يتقاضى هو بدم بارد، ثمن صفقة السلاح فى شكل مجموعة من الماس، و الذى استخدم فى مقايضة السلاح، باعتباره منبع الثروة الوحيد السهل فى التعامل به، فهو لا يأخذ حيزا و قيمته تقدر بالملايين من الدولارات، و هو ما يطلق عليه " blood diamond " أو ماس الدم ،نسبة الى استخدامه فى شراء الأسلحة .
و على جانب أخر يظهر لنا الفيلم ،كيف تنفق أموال صفقات الأسلحة التى تقوم على قتل الألاف من البشر باسلوب التطهير العرقى، من خلال اظهار جانب من حياة " يورى " تاجر السلاح ،الذى يتاجر بالموت ،و لكنه على الرغم من ذلك عاشق ولهان، لا يألوا جهدا فى لفت انظار من يحبها ،و هى عارضة الأزياء السوفيتية أيضا " ايفا فونتين "، فهو ينفق ببذخ شديد عليها لكى يبهرها، فتقتنع بالزواج منه، و هى تعلم أن ثراؤه الفاحش لا يأتى عن طريق شرعى .
و على الجانب الأخر من حياة مروج السلاح يورى، يوجد الشرطى " جاك فالنتين " رجل الانتربول الشريف ،الذى يحاول أن يقبض على تاجر السلاح، و لكن تحت مظلة القانون ،لذلك فهو يرفض قتله عندما تسنح له الفرصة، لأن قتله مخالف للقانون، بينما هو يدرك تماما الكم الهائل من البشر، الذى يموت بسبب تجارة ذلك الرجل فهو يقول له " أن كل دقيقة أعيق فيها تجارتك، تضاف الى عمر أحد الأبرياء " . يظهر ايضا الفيلم حالة الفقر المدقع، التى تعيش فيها بعض الدول الآفريقية ،حتى أن انهم يفككون طائرة يورى، التى تهبط هبوطا اضطراريا فى أحد الحقول فى ساعات معدودات . كما ينوه الفيلم أيضا عن استخدام الأطفال فى الحرب و فى احدى جمل الحوار بين يورى و ديكتاتور مهووس بالقتل و أكل لحوم معارضيه فى احدى الدول الافريقية، عن استخدام الأطفال فى الحرب يجيبه ذلك الديكتاتور ،أن رصاصة يطلقها طفل عمره 14عاما ،تقتل مثل الرصاصة التى يطلقها رجل عمره 40 عاما، و هو منطق سليم لكنه يخلوا من الإنسانية .
و بينما تسود الفيلم حالة من تجسيد لوحشية ذلك الديكتاتور الأفريقى أكل لحم معارضيه، يرويها "يورى" بطل الفيلم. تأتى اللقطة المحورية و التى يمكن أن نطلق عليها " Master seen " ،حينما يقع تاجر سلاح منافس ليورى فى قبضة ذلك الديكتاتور ،و فى لمسة صداقة و تقدير من ذلك الديكتاتور ليورى، يحمل ذلك المنافس الى يورى مقيدا ،و يطلب منه قتله. و لكن يورى يرفض ذلك. و فى لقطة تلخص فكرة الفيلم ،يمسك الديكتاتور بيد يورى و يضعها على زناد المسدس و يضغط عليها ،فتنطلق الرصاصة التى تقتل المنافس ،و يجسد ذلك جملة حوار رائعة يقولها له الديكتاتور القاتل الافريقى ".. انك تريده ميتا و لكنك لا تريد أن تفعل ذلك بنفسك " .
فى نهاية الفيلم ينجح رجل الانتربول فى القبض على يورى بطريقة قانونية، و لكن جملة النهاية تكون صادمة لرجل الانتربول، الذى يظن انه حقق نصرا للقانون و المجتمع و البشرية جميعا، بايقاف نشاط تاجر الموت، الذى يقول له أنه لن يقضى لحظة واحدة فى السجن ،لانهما هما الاثنان يعملان لحساب نفس الشخص، و بينما أحدهما يقوم بالعمل القذر، الذى لا تريد الجهات الرسمية التورط به مباشرة، يكون الأخر هو ضابط البوليس الذى يحاول القبض عليه .و فى نهاية الفيلم يقول يورى " أن تجار السلاح هم من سيرثون الأرض، لأن الباقيين مشغولين بقتل بعضهم بعضا و فى النهاية يقول اياك أن تحارب نفسك .
الفيلم هو نوع من التطبيق الغير مباشر، لفكرة الفوضى الخلاقة و تقسيم الشرق الأوسط ،عن طريق اذكاء نار الفتن و الصراعات العرقية و الطائفية، و مد أصحابها بالسلاح ، ليدخل الجميع فى حالة اقتتال كما يظهر فى الفيلم، و فى جملة معبرة من جمل الحوار ،يقولها الديكتاتور الافريقى لتاجر السلاح " هذا الحمام من الدماء لا يمكن ايقافه " . هكذا كان هذا الفيلم تكريسا و اعترافا من السينما الأمريكية بفكرة الفوضى الخلاقة ،و تقسيم الشرق الأوسط، و هو منبع ثروات العالم الى دويلات صغيرة يسهل السيطرة عليها و استنزافها. كان " سيد الحرب" اعترافا من السينما الأمريكية ،بازكاء نار الفتن فى العالم الثالث ،و جعل شعوبه وقودا لحروب تصب فى مصلحة الطامعين فى ثرواته . و لا يشهد الفيلم توقف سيد الحرب عن ممارسة نشاطه بل يعود اليه رغم خسارته لأخيه فى احدى العمليات و انفصال زوجته وولديه عنه بسبب افتضاح أمرة و أيضا انكار والديه له بسبب تسببه فى موت أخيه و لكن سيد الحرب لا يعرف الخسارة و لا يتوقف لأن هذا هو ما يجيده " تجارة الموت و حمامات الدم " .