القاهرة 27 نوفمبر 2014 الساعة 11:58 ص
¼ مَن يتابع الصحف والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي علي مدي الأيام الماضية. يتصور أن غداً الجمعة 28 نوفمبر سيكون يوم القيامة في مصر.
فمنذ إعلان الجماعة الإرهابية عن مظاهرات "حملة المصاحف" في هذا التاريخ. وكثير من هذه الصحف والفضائيات والمواقع قد تحولت بقصد أو بجهل إلي أبواق لنشر هذه الدعوة والترويج لها. بما يوحي أن ملايين المصريين سينزلون الشوارع والميادين في هذا اليوم. حاملين المصاحف. في ثورة علي النظام الحاكم. ولفرض تطبيق الشريعة الإسلامية.
ولا يكاد يبدو هناك فرق كبير في هذا الضجيج الإعلامي بين صحف قومية وفضائيات حكومية. وبين غيرها من الصحف الخاصة والحزبية. وفضائيات رجال الأعمال.. وهو ما يكشف عن إعلام "فاقد الرُشد" يقدم لهذه الدعوة. بتغطيته الضالة أو المضللة. دعاية مجانية تفوق أضعاف ما يمكن أن يوفرها لها التنظيم الدولي للإخوان بملياراته وأبواقه.
التصريحات الرسمية نفسها حول احتمالات هذا اليوم متضاربة. وتثير الارتباك لدي من يتلقاها. وقد أصابها هي الأخري داء التطرف. مابين قمة التفاؤل في دعوة وزير الداخلية للمواطنين بممارسة حياتهم العادية في ذلك اليوم بالخروج والتنزه. وما بين قمة الترويع بالإعلان علي لسان "مصادر أمنية" بأن القاهرة غداً ستكون في قبضة قوات الصاعقة والمظلات. وهو ما ينقل للمواطن العادي أننا كما لو كنا نستعد لحرب. أو مواجهة غزو أجنبي. فيلزم بيته. حتي وإن كانت الرسالة موجهة في الأساس لمن يستعدون للتظاهر في ذلك اليوم.
وفي هذه الجزئية بالذات. فإن نشر تصريحات من شأنها التأثير السلبي علي حياة المواطنين أو علي مناخ الاستثمار. ونسبتها إلي "مصادر أمنية" أو "مصادر عسكرية" مجهّله. في وجود متحدثين رسميين معلومين لوزارتي الداخلية والدفاع. مسئولين حصرياً عن كل ما يتعلق بالوزارتين من أخبار وخطط ومعلومات. يجب أن يتوقف فوراً. لأنه لا معني له. ولا يؤدي إلي لإثارة البلبلة لدي الرأي العام.
هذه ملاحظة اعتراضية. أنتقل منها إلي سؤال أراه ضرورياً وهو:
* مَن هؤلاء الذين يدعون الناس للنزول غداً حاملين المصاحف. مطالبين بتطبيق الشريعة؟!
الله سبحانه وتعالي يقول في كتابه الكريم: "أتأمرون الناسَ بالبر وتنسون أنفسكم. وأنتم تتلون الكتاب. أفلا تعقلون".. صدق الله العظيم.
لقد وصل التيار الإسلامي بقيادة جماعة الإخوان المسلمين إلي حكم مصر لأول مرة في تاريخهم بعد ثمانين سنة من المحاولات. وقضوا في الحكم سنة كاملة. لم يصدر خلالها رئيسهم الدكتور محمد مرسي قراراً واحداً. أو يتخذ إجراء بتطبيق الشريعة الإسلامية. بل ولم يعلن في أي وقت خلال تلك السنة أن تطبيق الشريعة الإسلامية من أولويات حكمه. أو علي قمة أجندته.
لقد كانوا قبل وصولهم إلي الحكم يرفعون شعار "الإسلام هو الحل".. وما أن وصلوا. حتي نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم. وتفرغوا كجماعة وتيار لقطف الثمار الدنيوية للحكم من سلطة وثروة. ولذلك نبذهم الله وخذلهم لأنهم لم ينصروه.
ولا أدري لماذا استدعت الدعوة للخروج غداً بالمصاحف والمطالبة بتطبيق الشريعة إلي ذاكرتي وقائع أشهر مؤتمر عام. شهده رئيسهم محمد مرسي قبل أن يعزله الشعب في 30 يونيه .2013
كان المؤتمر يحمل اسم "مؤتمر الأمة المصرية" وقد عقد مساء السبت 15 يونيه 2013. بدعوة مما يسمي ب"الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح". وهي أحد فصائل التيار الإسلامي.
ولابد أن كثيرين يذكرون هذا المؤتمر. فقد كان هدفه إعلان الجهاد الشرعي ضد نظام بشار الأسد في سوريا. ودعوة المصريين للسفر إلي سوريا. والقتال في صفوف المعارضة هناك.
المؤتمر بدأ في المساء. وحضره الدكتور مرسي وسط لفيف من أصحاب اللحي والعمائم من قادة الجماعة والتيار الإسلامي الذين تصدروا المنصة الرئيسية. بينما احتشد أنصارهم في القاعة.
وبدأ المؤتمر وقتها بتلاوة آيات من الذكر الحكيم. مثلما كانت تبدأ كل المؤتمرات الجماهيرية لكل رؤساء مصر السابقين.. ومع ذلك فإن الشيخ "علي السالوس" زعيم الهيئة الداعية للمؤتمر قد حرص علي أن يستهل كلمته في افتتاح المؤتمر بقوله: "أحمد الله أن أمد في عمري حتي حكمني رئيس مسلم".. يقصد الدكتور مرسي بالطبع!!
وجاء موعد صلاة العشاء. وقام قارئ القرآن فأذن للصلاة داخل قاعة المؤتمر. وانتظرت "الأمة المصرية" التي تتابع وقائع المؤتمر المذاعة علي الهواء مباشرة أن يعلن "الرئيس المسلم" رفع الجلسة لعشر دقائق لأداء الصلاة. وأن يقوم وراءه كل أصحاب اللحي والعمائم. فيُرسوا بذلك تقليداً جديداً. يبرهنون به ولو رمزياً علي أن هذا بالفعل "أول" رئيس مسلم... فماذا حدث؟!!
ما أن فرغ المؤذن من الأذان. حتي أعلن مذيع المؤتمر عن بدء خطاب الدكتور مرسي.. هكذا اختار "الرئيس المسلم" أن يكون خطابه في الكفة الأخري الموازية لأداء الصلاة. وأصبح أصحاب اللحي والعمائم أمام اختبار حاسم في مواجهة "الأمة المصرية". التي تتابعهم.. هل سيختارون نداء الرحمن وينصرفون للصلاة.. أم يختارون نداء الدنيا والسلطان. فيستمعون لخطبة رئيسهم.
وسقط الجميع لحظتها في الاختبار. كما سقطوا من عيون وقلوب الأمة المصرية. إذ بقوا في أماكنهم يتابعون الخطبة. لم ينصرف منهم أحد. رغم أنه كما أن وقت أداء صلاة العشاء ممتد. فإن وقت المؤتمر أيضاً ممتد.
هؤلاء هم الذين يدعون إلي حمل المصاحف. والتظاهر بها غداً طلباً لتطبيق الشريعة الإسلامية!!
* لماذا يفعلون ذلك الآن؟!
هذا رد فعل يائس من جانبهم علي ثلاث هزائم مريرة يتعرضون لها.. النجاحات السياسية والاقتصادية التي تحققها مصر علي المستويات المحلية. والعربية والدولية.. والضربات العسكرية والأمنية الساحقة التي توجهها لهم القوات المسلحة والشرطة في سيناء وسائر المحافظات. والقبض علي كثير من رءوس الفتنة والضلال أحياء.. ثم الحصار الخليجي المحكم لملاذهم الآمن ومصدر تمويلهم وتوجيههم في قطر.
إن دعوتهم الآن لرفع المصاحف. بعد أن كانت كل السلطة في أيديهم ولم يقدموا للشريعة الإسلامية شيئاً. هي أشبه بإعلان "فرعون" إيمانه بما آمن به بنو إسرائيل.. فقط حين أشرف علي الغرق.. وبالتأكيد. هم يعرفون رد المولي عز وجل. عليه في هذا الموقف.
* سؤال أخير: هل سيستجيب لدعوتهم أحد؟!
أعود فأتذكر المؤتمر إياه.. فحين أذن المؤذن لصلاة العشاء. وكنت أتابع وقائع المؤتمر من بيتي. أغلقت التلفاز. ونزلت "كعادتي" لأصلي العشاء في المسجد المجاور.. وجدت المسجد كامل العدد.. لم يتخلف من المصلين فيه أحد للاستماع لخطبة مرسي. فأنا أعرفهم واحداً واحداً عبر ثلاثين سنة عشتها ومازلت في هذا المكان وكان هذا بالتأكيد حال كل مساجد مصر.
كانت هذه هي "الأمة المصرية" الحقيقية.. بإيمانها الفطري بالله.. وبدأنا الصلاة.. وقرأ الإمام فاتحة الكتاب.. إياك نعبد وإياك نستعين.. إهدنا الصراط المستقيم.. صراط الذين أنعمت عليهم. غير المغضوب عليهم. ولا الضالين.
وقلنا جميعاً وراءه في نفس واحد: آمين.
ولم يمض بعدها سوي أسبوعين. حتي التقت إرادة الله وإرادة الأمة المصرية علي إسقاط المغضوب عليهم. والضالين.. فلم يستجب بعدها لهم. ولن يستجيب لهم أحد إلا أمثالهم.
** ملحوظة: كتبت رأيي في هذا المؤتمر في حينه. ونشر في هذا المكان يوم الخميس 20 يونيو 2013 بعنوان: ملاحظات علي وقائع مؤتمر