القاهرة 13 اكتوبر 2014 الساعة 02:00 م
"الإسلام وحركة التحرر العربي" عنوان كتاب للمفكر منح الصلح صدر حديثاً عن «دار نلسن للنشر»، وهي تعيد نشره تكريماً وتقديراً للمفكر من جهة ولأهمية ما ورد فيه حول الطروحات المناهضة للاستعمار الثقافي في المنطقة وفي العالم الثالث، وكذلك لتحليله الدور المميز للإسلام أو علاقته بحركة التحرر العربي ورأيه الثاقب حول العلمانية العربية .
وتكريما لكاتب ومفكر أثرى الوطن العربى بفكره وأعماله نعرض مقتطفات من كتابه "الإسلام وحركة التحرر العربى" ورؤية الكاتب اللبنانى يقظان التقى له.
مقتطفات من الكتاب
كلما ظهر شيء من التماسك في الوضع العربي، وبرزت إمكانية لسياسة توجه صادق نحو فلسطين، انفتحت جبهة على الأمة العربية الطرف الآخر فيها دولة إسلامية.
وفي فترة من الفترات كانت تركيا هي تلك الدولة.. أما اليوم، ومنذ فترة غير قصيرة، فهي إيران.
وتفوق الجهة المفتوحة، الآن من إيران، على الخليج والعراق كل جبهة مماثلة جرت إليها أمتنا في الماضي.
هنا مقتطف من مقدمة الكتاب:
أمة عربية مدافعة وجبهات «إسلامية» مفتعلة
كلما ظهر شيء من التماسك في الوضع العربي، وبرزت إمكانية لسياسة توجه صادق نحو فلسطين، انفتحت جبهة على الأمة العربية الطرف الآخر فيها دولة إسلامية.
في فترة من الفترات، كانت تركيا هي تلك الدول أما اليوم، ومنذ فترة غير قصيرة، فهي إيران. وتفوق الجبهة المفتوحة الآن، من إيران على الخليج والعراق كل جبهة مماثلة جرت إليها أمتنا في الماضي.
فالتحرك الإيراني الحالي، سواء إتخذ موضوعاً له شمال العراق أم شط العرب أم الخليج، أكثر صراحة في التعبير عن العداء للأمة العربية من جميع الأحلاف المتعاقبة التي لعب فيها الحكم البهلوي دوراً هاماً، وأوضح مطامع.
ومع ذلك يبقى مجال لكلام عربي هادئ، قادر على اختراق ضباب التضليل الذي يمكن أن تكون الشوفينية قد نشرته أمام عيون بعض الايرانيين، أو تكون «الإسلامية» قد لبدت به رؤية بعض العرب.
تحليل التقى لهذا الجزء فى نقطتين
النقطة الأولى تتعلق بدفاعية الموقف العربي بشكل عام.
والنقطة الثانية تتعلق بنظرة الحاكمين العرب الى العلاقات بالدول الإسلامية.
الأمة العربية والوجود الإسرائيلى
وننتقل إلى نقطة أخرى من نقاط الكاتب كما تناولها الكاتب الراحل منح الصلح وهى:
إن الأمة العربية أمة مدافعة، مشغولة بهدف واحد هو الوجود الإسرائيلي العدواني والامبريالية العالمية التي يشكل هذا الوجود قلعتها الرئيسية في الوطن العربي.
لكن القوى المعادية التي أنزلت بالأمة العربية واحداً من أعظم ما عرف التاريخ من ألوان الظلم تحاول تصوير هذه الأمة بمظهر هجومي، يناقض حقيقتها الإنسانية الرائعة.
فالعرب في إدعاء هؤلاء مهاجمون دائماً، مهاجمون في إسرائيل ومهاجمون في كردستان، ومهاجمون في جنوب السودان، ومهاجمون في ارتيريا، وأخيراً مهاجمون في الخليج.
وعلى التحديد، وبنوع خاص، هم أكثر ما يكونون عرضة للاتهام في المواطن التي يخوضون فيها نضال دفاع صريح عن الذات والوجود.
ولعل أبرز افتراء في العصر الحديث هو هذا الافتراء بالذات، إتهام الأمة الأكثر تعرضاً للقمع الامبريالي بنيات العدوان والتسلط.
صباح العدوان الثلاثي، وجيوش ثلاث دول هي انكلترا وفرنسا وإسرائيل تهاجم مصر، كانت جرائد العالم تفسح المجال في أبرز صفحاتها لحادثة اعتداء «مصري» على راهبة أجنبية في الإسكندرية.
ويوم 5 حزيران، كانت الصحف والإذاعات تذيع أخبار الحرب العدوانية التي شنها العرب على إسرائيل المسالمة، بينما كانت الهزيمة العربية قد تمت.
وعملية ميونيخ صورت على أنها هجوم عربي على شعوب الدنيا بأسرها، في حين أنها لم تكن إلا تحركاً بسيطاً يحاول به شعب ان يذكر بوجوده!
وكل يوم، تعمل القوى العالمية المعادية على كسب الشرعية لحرب مقدسة ضد ما تسميه الارهاب العربي، وهي حرب أعلنتها غولدا ماير وتبنتها الولايات المتحدة الأميركية تقضي بأن يكون لإسرائيل الحق في تجاوز سيادة أي دولة وتخطي أي حاجز قانوني لتمارس، ريثما تشاء، وكيفما تشاء، تأديب ذلك الفلسطيني والعربي الذي تعتبر أنه بحاجة إلى تأديب.
تحليل يقظان التقى لرؤية الصلح تجاه الامة العربية
هكذا يعامل الفلسطيني عالمياً، وهو المشرد بعد احتلال ارضه، بأنه مذنب بالهوية وغاية القوى المعادية تشويه الموقف العربي لأخذ «الحق المعنوي» في المضي بالتنكيل بالعرب واذلالهم وتشريدهم ونهب أموالهم بل ونزع الهوية العربية، عن أجزاء متزايدة من وطنهم.
ان دفاعية الموقف العربي، إذا ما برزت على حقيقتها، فهي تفضح القوى المعادية له، خصوصاً في البلدان التي ترتبط شعوبها مع العرب بروابط تاريخية وحضارية.
وقد أضعفت حرب الخامس من حزيران آخر امكانية جدية لإخفاء جوهر العروبة كحركة دفاع عن الحق والانسان أمام الغزو الصهيوني والامبريالي.
ليس في السلطة، في اي قطر عربي، طبقة حاكمة أو مدرسة فكرية لا تقيم وزناً كبيراً للإسلام كدين وحضارة، ولا تؤكد على العلاقة الخاصة بين الإسلام والقومية العربية.
الانظمة العربية والتركيز على الاسلام
ويؤكد التقى انه لا يقصد بهذا الكلام ان الأنظمة العربية ذات الايديولوجية المحافظة التي نعرف جميعاً تركيزها على الإسلام والعلاقات مع الدول الإسلامية ولها في ذلك مآرب، بل نقصد أيضاً، وبصورة خاصة، الأنظمة والحركات ذات الايديولوجية التقدمية والثورية.
البعثية
فالبعثية، مثلاً، التي ينظر إليها أكثر من حكم عربي على أنها فلسفته السياسية والقومية العربية، وترفض أن تكون العلاقة بين الإسلام وهذه القومية مماثلة للعلاقة بين أي دين وأي قومية في اي بلد غربي. وفي فكر ميشال عفلق، تحتل هذه النقطة مكاناً مركزياً. ولهذا كانت مقالته حول ذكرى الرسول العربي ومقالات أخرى حول الدين والقومية بمثابة منطلق لحركة البعث.
الناصرية
وكذلك الناصرية، التي لا تزال الايديولوجية السائدة في بعض الاقطار العربية فهي واضحة في نظرتها الخاصة الى الاسلام. ومنذ مطلع ثورة يوليو، وفي كتاب فلسفة الثورة، يبرز اهتمام عبد الناصر بالإسلام والشعوب الإسلامية. إذ جعل «الدائرة إسلامية» إحدى الدوائر الثلاث التي يجب أن تتحرك ضمنها سياسة مصر. وقد قيد عن الناصرية انها «يسارية المسلم الفقير
الشيوعية
وحتى الشيوعية ـ ونذكرها هنا رغم انها ليست فلسفة حاكمة في البلاد العربية، وان تكون هي شريكة في الحكم في بعض الأنظمة ـ فمن الضرورة بمكان ان نؤكد على إدراكها لأهمية الإسلام في دول الشرق وضرورة الموقف الإيجابي منه. وللينين رسالة إلى الأمير شكيب ارسلان تؤكد موقف الشيوعية هذا. لا بل انه قد أخذ على الشيوعيين، في البلاد العربية بالذات، فرط اهتمامهم بأصحاب العمائم، ولو من غير رجال الدين، من عمة جعفر ابي التمن في العراق الذي رفعه الشيوعيون إلى مقام الاب للحركة الوطنية العراقية إلى عمة الشيخ الأشمر، في سوريا، الذي كان أول عربي نال جائزة لينين للسلام.
تلخيصا لرؤية يقظان التقى "للاسلام وحركة التحرر العربى"
نخلص من ذلك كله إلى القول أنه ليس بين الحاكمين في البلاد العربية وليس بين أصحاب التيارات السياسية الأساسية فيه ـ من مشرق الوطن الكبير إلى مغربه ـ من لا ينطلق في نظرته إلى الإسلام من منطلق إيجابي، وأنه ليس بينهم إلا من يعطي قيمة كبيرة للعلاقات التاريخية والحضارية مع الشعوب الإسلامية، ويرغب في ان تتقوى هذه العلاقات وتتطور باستمرار.
وربما كان من المفيد أن نسجل أن في طليعة الأسباب التي عززت هذه الإيجابية من الإسلام داخل الحركات التقدمية والثورية دراسة اصحاب هذه الحركات لبعض التجارب القومية المغالية التي نشأت في بعض البلدان الإسلامية ـ الكمالية في تركيا بنوع خاص ـ وتوصلهم إلى الاقتناع بأن اي سلبية في التراث الإسلامي من شأنها أن تخلق الغربة عن الجماهير وبالتالي العجز عن القيام بالثورة الوطنية والاجتماعية.