القاهرة 11 اغسطس 2014 الساعة 12:33 م
إنني حريص على زيارة مصر كل شهرين أو ثلاثة على أكثر تقدير وفي كل زيارة أعود إلى أرض الوطن وإلى الجذور في قرى الصعيد وقد لمست تغيرا جوهريا في الشهور الثلاث الماضية حيث بدأ الوعي الديني الصحيح في التبلور وإن كان مازال لم ينطلق الوعي الصحيح الفعال لسيطرة التخلف الديني وضعف دور الدعاة ورجال الدين المتنورين في القرى، كذلك ضعف دور المثقفين من الشباب ممن حظوا بتعليم حديث في تفاعلهم مع التراث التقليدي والقبلي لتطويره وفي تفاعلهم مع أبناء الأحياء الشعبية في مصر، حيث زرت مساجد آل البيت النبوي الكرام وفي مقدمتها سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة رضي الله عنهم جميعا، ووجدت ظاهرة حديثة، وهي تراجع الاهتمام بهذه المساجد من حيث النظافة والصيانة، وكانت في الماضي نموذجا لذلك وهذا ما يستدعي من أجهزة الحكم المحلي الإدارية والدينية رعاية خاصة.
إن التقدم يقوده الحكم المحلي وكذلك التخلف يسببه هذا الحكم المحلي، ويجب ألا يكون الحكم المحلي حكرا على قيادات معينة كمكافأة نهاية الخدمة، كما في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك أو على المسيسين دينيا، كما تجلى في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي. إن الحكم المحلي ليس مؤسسة دينية أو عسكرية أو خلافه وإنما هو مؤسسة إدارية، وهذا لا يعني استبعاد أي فريق من المواطنين إذا كانت تتوافر لديه الكفاءة والنزاهة والخبرة، ولكن في جميع الأحوال يجب ان يتم تدريب قيادات الحكم المحلي، وتحديد وتوصيف معنى الوظيفة الإدارية المحلية وأسوق نموذجا من الصين حيث يتم تدريب الوزراء ووكلاء الوزارات ومديري الإدارات في الحكومة المركزية وفي الإدارات المحلية والخدمية. وقد أثلج صدري ما ذكره احد الأقارب من كبار مهندسي ومسئولي الطرق عندما ابلغني ان هناك عدة جولات لمسئولين مختلفين للتفتيش على أي انجاز لهم، وهذا الشيء بالغ الأهمية لأن الرقابة الدقيقة الأمينة هي إحدى مظاهر التقدم وتحقيق الجودة.
ولقد هالني النبأ التالي وهو إغلاق المطار الجديد بأسيوط بعد فترة وجيزة من افتتاحه وذلك لإعادة إصلاح ممرات الهبوط، وإن الإصلاح سوف يستغرق عاما كاملاً كما لو كان الأمر هو اختراع للذرة، وكيف يكون المطار بهذا السوء بعد أقل من عامين من افتتاحه، وإن الإصلاح يستغرق عاما كاملا هل هناك فساد وإهمال أكبر من ذلك، أنه ينبغي أن يحيل الرئيس عبدالفتاح السيسي هذا الأمر للنيابة العامة للتحقيق مع المسئولين الذين نفذوا مشروع المطار وممراته، والتحقيق مع الذين قاموا بالاستلام وما هي تقاريرهم، وكيف حدث مثل هذا العمل البالغ السوء والإهمال.
إن أكثر ما أزعجني هو ما نشرته جريدة الوطن المصرية يوم 29 يوليو 2014 حول حادث يوم العيد في محافظة الدقهلية ورد الفعل الانفعالي لسعادة المحافظ على أحد المواطنين من كبار السن الذي قدم له الحلوى بمناسبة العيد ثم طلب منه إصلاح بعض الجوانب الإدارية، فثار المحافظ وألقى بالحلوى في وجه المواطن العجوز. إن الإدارة فن وأدب وعلم وخبرة، وليست استعلاء إن الإدارة كما هو معروف هي مهنة قائمة بذاتها وإذا رؤى لاعتبارات إستراتيجية وضع أي شخص في منصب إداري فلابد أن يتم تدريبه كما يحدث في الصين وهو ما حقق لها التقدم.
لقد لمست تحسنا في الطرق وتحسنا في الانضباط الأمني، ولكن مطار القاهرة القديم والجديد في حاجة لبعض الانضباط والنظام للحصول على حقائب المسافرين، وكذلك للحصول على تاكسي بدلا من العشوائية بين العاملين في هذين المجالين، وتسابق سائقي التاكسي لاستقطاب المسافر ثم إساءة معاملته بعد ركوبه التاكسي، وإزعاجه بالشكاوي من الحياة وغلوها أو مشاكل أسرته وكذلك عدم احترام الراكب بالنسبة لتشغيل المكيف في عز الحر والإدعاء بأنها سيارات فاخرة أو مطالبته بأجرة أكثر مما هو مقرر.
إن أمام الرئيس السيسي مهمة كبيرة هي الحصول على قوائم من ذوي الخبرة في كل مجال وظيفي وفي كل منصب إداري، ليكون أمامه مجال للاختيار، وليس اللجوء فقط لبعض المقربين أو من يثق فيهم فالثقة وحسن النية هي أقرب طريق للجحيم، وليس للانجاز، وإذا جاز أن أشير لجهة محددة أقول إن اختيار الوزراء، والسفراء والمحافظين وغيرهم من كبار المسئولين في مصر بوجه عام لم يكن في معظم التاريخ الحديث موفقا بالقدر الكافي، وينبغي أن يستعان بالأجهزة الرقابية والاستخبارات في تقييم الأفراد المرشحين للمناصب الوزارية أو الإدارية العليا أو السفراء أو المحافظين وأمثالهم، مثل رجال الإعلام وخاصة الصحف القومية التي مازال رجال العهد السابق يعيشون فيها. لاشك أن مصر تقدمت خلال الشهور الثلاثة الماضية بل خلال العام الماضي، ولكنها في حاجة لثورة إدارية حقيقية وثورة معرفية، وثورة في منهج اتخاذ القرار. إن هذا هو أساس التقدم. إن علوم الإدارة هي من أهم العلوم والخبرة الإدارية ضرورية لمن يتولى أي منصب إداري رفيع المستوى. إن أحسن قرار سياسي اتخذه الرئيس السيسي هو الاستمرار في الاهتمام بمصالح مصر كوطن مع ربط ذلك بالانتماء العربي والإسلامي، ولكن دون الاستجابة للشعارات الغوغائية حول أحداث غزة أو غيرها التي طالب بها بعض المثقفين وبعض رجال الأحزاب الذين لا يفهمون معنى الأمن الوطني، ولا معنى الوطن، ومسؤولية صاحب القرار، وأنا أشيد بالرئيس السيسي لعدم اهتمامه بذلك والاستمرار في منهج أمن مصر الحقيقي بعيدا عن أية أعمال هامشية تعوق تحقيق الهدف الأسمي ، فلا يمكن الانسياق في مطالب لا يفهم أصحابها معنى الأمن الوطني ومعنى مسئولية اتخاذ القرار وتداعياته.