القاهرة 03 اغسطس 2014 الساعة 01:33 م
مكثت فترة طويلة أشعر بالحنين إلى زيارة بستانيالمفضل ،وفجأة قررت الذهاب إليه ؛لأنعم بيوم جميل وحولي الأزهار اليانعة التي يتراءىلي حسنها وشدة بريقها ،وأنا أتلمس عبيرهن لمست زهرة حمراء متوهجة ،وجدتني وقفت أتأمل جمالها ،ولي رغبة شديدة أن أسمعحكايتها،وعرفت أن انبهاري بها من أول وهلة ينم عن إعجابها بذاتها وإحساسهابمكانتها العالية ولم لا وهي تحمل اسم أميرة من أميرات الأندلس التي اشتهرت بأنهاملهمة ابن زيدون فعرفت أنها الشاعرة الرقيقة ولادة بنت المستكفي ت: 480هـ، فهي أميرة أندلسية، أديبة وصاحبة مجلس أدبي. وهي بنت الخليفةالمستكفي بالله،
اشتهرت بثقافتها واتصالها بذوي الأدب، ومعظم ما يذكرهالمؤرخون عنها يتصل بمجلسها الأدبي الذي كان يحضره الكثيرون من أهل الأدبووجهاء القوم بقرطبة يجتمع فيه أشهر المثقفين والشعراءوالأدباء؛ ليتحدثوا في شؤون الشعر والأدب بعد زوالالخلافة الأموية في الأندلس.
وكان ابن زيدون من أولئكالأدباء الذين ارتادوا مجالسها الأدبية وكان آنذاك في مَيْعة الشباب ورونقه.
ارتبطت سيرة ولادة بالشاعر الأندلسي ابن زيدون، في قصة منأشهر قصص الحب والمعاناة والهجر في الأدب العربي. وقد حكت أشعار ابن زيدونمأساته مع ولادة. ومن أشهر قصائده فيها نونيته التي مطلعها:
أضحى التنائي بديلا من تدانينا | | وناب عن طيب لقيانا تجافينا
|
إنّ قصّةحب ولادة وابن زيدون واحدة من أجمل قصص الحب في تاريخ الأندلس وفي تاريخ الأدبالعربي بصفة عامة، ولولا هذا الحب ما وصل إلينا هذا الشعر الجميل لابن زيدون.
ولادة مبدأ حياة ابن زيدون،هام بِها، وقال فيها قصائده الجميلة وأعذب أشعاره وأرقها التي تعبر عن حبه لها.وكانت ولادة ليست كأي واحدة من النساء فكانت تتمتع بالجمال، وبالإضافة لجمالهاكانت تتمتع بثقافة عالية.
فنجد أن أحسن وضع للمرأة عند العرب في العصور الوسطى كانت تحظى بهالمرأة العربية في الأندلس، حيث تمتعت المرأة بمكانة عالية في المجتمع. فكانتانطلاقتها في المجتمع الأندلسي أوسع مما كانت عليه في البلدان العربية والإسلاميةالأخرى. وإننا نلاحظ من خلال المصادر الأدبية والتاريخية المتعلقة بالأندلس أنّالمرأة في الأندلس احتلت مكانة عظيمة في المجتمع. ولقد قدّر الرجل الأندلسي المرأةالأندلسية، وبالغ في تبجيلها. ومن القصائد والمقطوعات التي قالها الأندلسيون فيالمرأة تظهر هذه المكانة العظيمة في قلوبِهم.
ولقدتميزت المرأة العربية في الأندلس بحكم طبيعة المجتمع بنشاطها الذي ساعد فيهبراعتها في شتى النواحي العامة في الحياة ، ولو تأملنا واقعهن في الحياة للمسناالعناية الواضحة التي كان يوليها المجتمع للمرأة من حيث توفير فرصة التعليم لها،فضلا عن الرعاية التي خصصها الأمراء والخلفاء لهن، وتشجيعهن من خلال إغداق الأموالعليهن، وتحفيز العلماء لتعليمهن ، فكانت المرأة الأندلسية أكثر قدرة على الحركةتتعلم وتتفقه في الدين وتدرس الأدب وتنظم الشعر وتشارك في الحياة العامة ،وتبوأتمكانة في مجالات الحياة المختلفة وتمتعت بحرية واسعة فأصبح لها شخصيتها المستقلة.
ولا بد لمنيتحدث عن الحبّ في الأدب الأندلسي من التوقف عند الشاعر العظيم ابن زيدون وحبّهللأميرة ولادة بنت المستكفي بالله، آخر الخلفاء الأمويين في القرن الحادي عشرالميلادي.
فيحدائق مدينة قرطبة الأندلسية بدأ اللقاء الأول بين ابن زيدون وولادة. وفي أجواءمشبعة بالأريج والشذى، تتألب قوى الحسد، والحقد على القلبين النشيدين، حيث نافس الوزيرُ ابنُ عبدوس ابنَ زيدون على قلب ولادة، فهجاهابن زيدون برسالة ساخرة عرفت في تاريخ الرسائل الأدبية باسمالرسالة الهزلية.
وتتعاون الاضطرابات السياسية، التي كانت سائدة في ذلك العصر،وما نتج عنها من مؤامرات ووسائل لم ينج منها أي شيء حتى الحب الصادق
وينجح ابن عبدوس وأعوانه فيتدبير مؤامرة ضد ابن زيدون ؛ لإبعاده عن طريق ولادة. وبعد مدة قُدِم إلى المحاكمةوحُكم عليه بالسجن. ومن سجنه راح ابن زيدون يئن ويتعذّب، ويكتب الكثير من القصائدالخالدة عن حبه .
وينسب إليها من الشعر ـ في معاتبة ابن زيدون حين أبدىإعجابًا بصوت غنته جاريتها ـ قولها
لو كنتتنصف في الهوى ما بيننا لم تهو جاريتي ولم تتخيّر
وتركتغصناً مثمراً بجماله وصخت للغصن الذي لم يثمر
ولقد علمتبأني بدر السما لكنولعت لشقوتي بالمشتري
وتقولأيضا:
إنّ اِبن زيدون على فضلهِ يغتابني ظلماً ولا ذنب لي
يلحظُني شزراً إذا جئته كأنّني جئت لأخصي علي
ثمترجع تجتاحها الأشواق فتقول شعرًا ينم عن حبها وشوقها لابن زيدون:
لحاظكم تجرحنا في الحشا ولحظنا يجرحكم في الخدود
جرح بجرحفاجعلوا ذا بذا فما الذيأوجب جرح الصدود
وتقول بحنين مفرط إلى لياليها السالفة مع ابن زيدون:
ودّع الصبرَ محبّ ودّعك ذائع مِن سرّه مااِستودَعك
يقرع السن على أن لم يكن زاد في تلك الخطى إذ شيّعك
يا أخا البدر سناء وسنى حفظ الله زمانا أطلعك
إن يطل بعدك ليلي فلكم بت أشكو قصر الليل معك
وتقول عنالفراق ولوعة المشتاق:
أَلا هَللنا من بعد هذا التفرّق سبيلٌ فيشكوكلّ صبّ بما لقي
وَقد كنتأوقات التزاورِ في الشتا أبيتُ علىجمرٍ من الشوق محرقِ
فَكيفَ وقدأمسيت في حال قطعة لَقد عجّل المقدورما كنت أتّقي
تمرُّالليالي لا أرى البين ينقضي وَلاالصبر من رقّ التشوّق معتقي
سَقى اللَهأرضاً قد غدت لك منزلاً بكلّ سكوبهاطل الوبل مغدقِ
وعن نظرةالمستشرقين ترى د.غارولو عند حديثها عن ارتباط ولادة في شهرتها بابن زيدون ،وماحظيت به بسبب شعره من مكانة "أن قليلمن الشاعرات العربيات من أولئك اللاتي يذكر شعرهنّ في مصادر العصور الوسطى،وهنكثيرات حظين بما تحظى به ولادة من شهرة، ولم تنل واحدة منهن من الاهتمام ما نالتهالشاعرة الأندلسية ،والأميرة القرطبية،التي كانت مصدر إلهام لأفضل شعر كتب فيالعشق في الأندلس،وما نرى من قصائد ابن زيدون التي خلدتها بالرغم أنها كانت سببافي تعاسته،وألمه.
وترىأيضا"أن شهرة ولادة عبرت حدود الثقافة العربية؛لأن المرأة العربية عادة تتسمبالشح في إعطاء بيانات عنها ، وذكر معلومات عن حياتها،لأن ذلك لا يتفق مع حرمةالمرأة ،وقدسية أسرارها،أما ولادة فقد عبرت حدود الثقافة العربية، ويدل على ذلكحضورها في المختارات الشعرية الخاصة بإبداع النساء،وقد تحولت في الغرب إلى نموذجللنساء تظهر من خلاله حياة بنات حواء في الأندلس.
وقد عاشت ولادة حتى بلغت الثمانين من العمر وتوفيت في قرطبة.
فما أجملالحب الذي يجعل الإنسان نبضًا يشعر ويحس ويتألم ويضحك ويبكي ،فتكون للحياةمعنى،فهيا نحيا بالحب ونلقنه دروسًا للأجيال القادمة ونزود عنهم البغضاءوالكراهية،فالحب حياة الشعوب ،وميسم شفائها.