القاهرة 27 يوليو 2014 الساعة 04:11 م
تأخذ النذور التي يعد بها الناس أولياء الله صوراً عدة فهي أحياناً نذور عينية مثل الذبائح والمأكولات والشموع والسجاجيد والحصر وأدوات النظافة وهي ـ أحيانا أخري ـ نقدية ـ وهي أحياناً ثالثة ـ طقوسية. مثل نذر صوم أو صلاة لله وغيرها وثمة أناس يوزعون ـ بصفة دورية ـ نذوراً تحتوي علي شقق الفول النابت والعيش وثمة من تنذر للسيدة زينب. أنه إذا نجح ابنها تعمل له خاتمة. وتوزع في مسجدها فول نابت وعيش علي الفقراء والمساكين كما ينذر البعض دستة شمع للسلطان الحنفي لو جبر بخاطره. ونجح في الكشف الطبي ويطالعنا الراوي بشاب جاوز العشرين. أحضرته أمه لختانه. وكانت الأم قد نكبت بوفاة أطفالها في العام الثاني من ولادتهم. ومن ثم فقد نذرت ألا تختن وليدها القادم هذا الرجل! إلا بعد أن تعلو قامته علي قامة الرجال. ويقول توفيق الحكيم: "أذكر أن جدتي قالت لي يوماً ونحن في الإسكندرية ذات صيف: سأخذك لزيارة مقام سيدي الطرطوشي!.. وهو مشهور بشفائه للأمراض. وخاصة للحمي التي كانت تلازمني ملازمة الرفيق السوء. كان هناك شرط لابد منه: أن أفي بنذره المعروف. وهو الامتناع التام عن أكل الجبن الرومي وكان يقال إنه يمقت الجبن الرومي وكنت ـ بالطبع ـ أصغر سناً من أن أناقش هذا القول وأسأل: هل سيدي الطرطوشي ـ وهو من أولياء الله الغابرين ـ كان معاصراً لظهور الجبن الرومي؟!.. نذرت ذلك النذر بكل إخلاص الطفل المؤمن الساذج ونفذته بكل أمانة ودقة أذكر أني لبثت مدة طويلة لا أقرب هذا الجبن ولا أمسه بشفتي. مع حبي الشديد له وشفيت فعلاً.
الأولياء في يقين غالبية المصريين ـ بصرف النظر عن حظهم من المعرفة ـ هم آخر خيط من الرجاء للكثير من المرضي الذين تعز عليهم الصحة بالتردد علي الأطباء. أما سيدي المظفر ـ ينطقها العامة "المدفر" ـ فهو ولي صالح. قانع. لا يطلب من مريديه وزواره نقوداً وإنما كل ما يطلبه من الذين ينذرون له. شمعة تضاء بعد صلاة المغرب. أو بعد صلاة العشاء. خلف شباك مقامه النحاسي. وحين يقصده البعض في شكاية أو مطلب بنذر. فإنه يوجه حديثه لصاحب الضريح علي سبيل المثال: "يا سيدي يا مدفر.. بحق جاه النبي تكبسها وترقدها إلهي وأنت جاهي ترقد ما تقوم نفيسة بنت حوا وآدم. يا سيدي يا مدفر تعميه عنها. لا يمد لها إيد ولا يمشي لها برجل.. يا سيدي يا مدفر ابعد سليمان بن الحاج محمود عن سكة نفيسة الملعونة بنت حوا وآدم.. ندرن علي يا سيدي يا مدفر دستتين شمع أولعهم لك في ليلة نص شعبان". ومع أن السيدة الريفية لم تكن تملك سوي جنيه واحد. فإنها احتفظت لنفسها خمسة قروش فقط قيمة تذكرة العودة إلي قريتها. ووضعت بقية المبلغ في صندوق النذور بجامع السيد البدوي.
والكثير من أبناء الريف يخصصون لأولياء الله نصيبا في المحصول الزراعي. سواء كان قطناً أو غير ذلك. ويباع نصيب الولي الموسمي. ويودع ثمنه في صندوق النذور. أو يودع جزء منه في الصندوق ويشتري بالجزء الثاني أشياء عينية أخري. مثل الشموع والذبائح. أو ينفق في الاحتفال بمولد الولي.
أما إذا لم يتحقق نذر أو شفاعة. فإن العيب ـ بالقطع ـ في صاحب الشفاعة أو النذر وعلي سبيل المثال. فإنه إن لم يحقق زيت قنديل أم هاشم تحسناً واضحاً. فليس ذلك لهوان الزيت. وإنما لأن المريض يعاني قلة الإيمان. يعاني فقد البصيرة. ومن ثم فهو يظل يثابر علي العلاج حتي تشمله أم العواجز برضاها. فيبدأ المريض في التحسن. عندما أصيبت عين عوضين الفلاح بمرض. ذهب إلي الدير. وأخذ تراباً من كنسية "العدرة" وضعه في عينه لتشفي.