القاهرة 23 يوليو 2014 الساعة 03:57 م
المثقفون دائما هم الأصل في كل ثورة..هم وقودها الحقيقى،فهم من يتمرد على الاوضاع و يسعى للتغيير ويجدد ملامحه،وهذا ما حدث مع ثورة يوليو..حلم المثقفون قبل قيامها بجميع الافكار التى اعلنتها واكدت عليها مثل مجانية التعليم والاصلاح الزراعى وبناء السد العالى ومقاومة الثالوث الرهيب:الجهل.الفقر.المرض
وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية فهل حققت الثورة احلام المثقفين ام انها حطمت احلامهم وخيبت امالهم ...بعد62عاما من الثورة يتحدث المثقفون بمنتهى الحرية ونحن بدورنا نعرض لها دون تدخل علنا نصل الى الحقيقة وهى نسبية الى حد كبير
الدكتور الطاهر مكى:فى البدء كانت هناك فجوة واسعة بين الثورة والمثقفين فرحب بها المثقفون على انها ضرورة للتخلص من مساوىء كثيرة على رأسها النظام الملكى والاقطاع والفساد الاقتصادى ولكن تيقنوا بعد قليل ان العسكر سوف يطمحون إلى الحكم ولن يعودوا الى ثكناتهم , بعض المثقفون تراجع عن تأييد الثورة وبعضهم فضل الحياد طلبا للسلامة والامان , والبعض الثالث رأى فى تأييدها مجالا للرزق الواسع فأيدها وبعد ان كتب صلاح عبدالصبور قصيدته الشهيرة فى هجاء هتلر و كان يقصد عبد الناصر ،ظهر دعاة الثورة يحاولون الدفاع عنها و تبرير اخطائها لكى تفتح لهم الابواب و فعلا حصلوا من الثورة ما لم يحصلوا عليه فى العصر الملكى و اختار المثقفون الحقيقيون العزلة الاختيارية طلبا للامان.
و كانت فائدة الثورة من المثقفين فى البداية محدودة لانها كانت تبحث عن من يقنن قراراتها ويدعمها و يؤيد فكرتها،لا من يقدم لها الرأى العلمى السديد،ورويدا سيطرالعسكر على كل مناحى الحياة فى مصر فهاجر المثقفون فى فترة من الفترات عندما أصبحت جميع جميع المؤسسات تقريبا محكومة بالعسكر , و استمرت هذه الظاهرة حتى الان و هى الان تعوق مصر عن التقدم و النهوض لانك اذا وضعت مسئولا فى غير تخصصه لن تحصد منه شيئا وتحدث غصة فى قلب الذى يحسن هذا العمل
والخلاصة أن ما صنعته الثورة أدى الى هجرة المثقفين إما إلى الدول الأوربية لاستثمار مواهبهم وتنميتها , والحقيقة أنهم حققوا نجاحات كبيرة , أو للدول العربية التى لم يحققوا فيها شيئا , بل على العكس تجمدت عقولهم لأن هذة الدول كانت غير مؤهلة لتلقى مواهبهم والفائدة الوحيدة هى الفائدة المادية
وليس هناك سبيل لكى نسترد مجدنا ونتخلص من مشكلاتنا إلا الديمقراطية بلا قيد ولا شرط , بدون ذلك سنظل نرواح مكاننا ونبكى على اللبن السكوب , والشعب المصرى ذكى بطبيعته وفطرته , ويستخدم سلاح المقاومة السلبية عند العجز
الدكتور عاصم الدسوقى يرى أن الثورة نجحت فى حفر تيار الواقعية فى الكتابة , فألاطر الفنية التى كانت تحكم الكتابة كانت على غرار ( الفن للفن ) دراسة النصوص فى إطار الإبداع وليست فى إطار الظروف الإجتماعية التى نشأ فيها النص , وبعد الثورة إنقلبت الموازين وتقدمت الطبقة الوسطى للوصول للحكم , وهى الطبقة التى تشمل العمال والفلاحين , فظهرت الكتابات عن هذة الطبقات ولم تكن متاحة من قبل , فمثلا قبل ثورة 1925 لم مسموحا لأى باحث فى التاريخ أو الإجتماع أن يبحث فى اوضاع العمال أو الفلاحين أو النظام الرأسمالى الإقطاعى لأن الطبقة الحاكمة والمناخ العام الا يسمح بذلك , وبعد الثورة انطلقت مثل هذة الدراسات وأعطيت حرية للمفكرين الماركسيين للتعبير عن أنفسهم رغم اختلافهم الجذرى مع الثورة , فمثلا فى عامى 1956, 1957 ظهرت كتب مهمة لشهدى عطية الشافعى ( الحركة الوطنتية المصرية ) وإبراهيم عامر ( قوة مصر القومية ) وفوزى جرجس ( دراسات فى تاريخ مصر المملوكى ) ويحسب أيضا للثورة أنها احتضنت أصواتا غنائية جديدة
وعن سلبيات الثورة يقول الدكتور عاصم الدسوقى : إن السلبيات نسبية من وجهة نظر من يتحدث عنها وأهمها الموقف المضاد للثورة من الشيوعيين المصريين لإختلافها مع معتقداتهم وكذلك رفضهم الوحدة بين مصر وسوريا
الدكتور صلاح الراوى يرى أن الثورة أخذت من المثقفين جميع أحلامهم , لقد كان للمثقفين فى مراحل بناء التنوير احلام مترابطة لا اعتقد ان الثورة قد استوعبتها واخذت احلام المثقفيين فى مشروعها اللهم الا بما يخدم هذا المشروع ويفيد ه والذى ليس مطابقا تماما لرؤية المثقفين واتسمت علاقة المثقفين مع الثورة بأشياءمعقدة تراوحت بين الاستيعاب والاستقطاب و الجدل الدقيق قليلا والخشن فى معظم الاحياء فكثير من المثقفين ذاقوا اهوال السجون وبعضهم لقى الموت, لا يعنى ذلك ان الثورة لم تقدم شيئا للمثقفبن بل هناك عدة مشروعات مثل اكاديمية الفنون وهيئة الكتاب ووزارة الثقافة ولكن ما آلت اليه هذه المنجزات من الفشل الذريع اضيف الى سلبيات الثورة و نتسائل:هل كان العيب بنيويا فى التأسيس وفى طبيعة المشروع لا شك ان هناك عيبا شديدا.
والمثقفون من ناحيتهم لعبوا مع الثورة لعبة معقدة هى الصدام والاستيعاب والتعامل والخدمة حتى انتهى الامر بالاغلبية الكبيرة منهم الى دخول الحظيرة وهى ظاهرة لابد ان تدرس بعمق خاصة فى اطار النخبة التى يمثل المثقف فيها راس الحرية.
الشاعر :عبد المنعم رمضان يرى ان نظرة المدافعين عن ثورة يوليو هى التزييف الحقيقى فهذه النظرة تؤكد ان المثقفين قبل الثورة كانوا يحصلون على مزايا ومنح و لم يتصورا أبدا أن يحققوا تصوراتهم عن العدالة والمساواه حتى جاء العسكر فحققوا هذا الحلم وشعر المثقفون بالعدالة والمساواه
والحقيقة أن ثورة يوليو ظلت تلعب مع المثقفين لعبتها المفضلة فى تارة تأخذ صف اليمين المثقف على حساب اليسار المثقف , وتارة أخرى تساند هذا اليسار على حساب اليمين , وهو إرث يوليو الذى ما زلنا ندفع ثمنه حتى الآن , والخطيئة الأخرى فى ثورة يوليو أنها تننت مبدأ ( أنت معى أو ضدى ) فهى لم تعرف الحياد الثقافى , فإما أن تكون مناصرا لى وخصما لخصومى , أو ضدى على طول الخط , ومع ذلك حينما نذكر ثورة يوليو نذكر الشىء الجميل والرائع ليس لأنها كذلك ولكن لأن ما نعيشه الأن لم يختلف كثيرا
الدكتور عبد الوهاب بكر يؤكد أن الثورة كانت مطلبا لكل الناس بمن فيهم المثقفون بالطبع , ولكن سرعان ما اكتشف الجميع أنها خيبت الآمال ولم تحقق الطموحات وأصبحت تغير نظام بنظام آخر , وأن العسكر لن يقبل بشريك فى الحكم فأصبح الجانب الأكبر من المثقفين يقولب نفسه فى اتجاه النظام الجديد واختفت المواجهة والمصادمة ولم تحدث إلا فى عام 1954 إثر الهجوم على الجامعة وطرد المعارضين فيما عرف بمذبحة المثقفين , وأصبح المثقفون يأخذون حذرهم من السلطة بينما إختار الجانب الآخر الدوران فى فلك النظام رياء ونفاقا ومداهنة , وتوترت العلاقات بين المثقف والسلطة وذلك شأن أى نظام غير ديمقراطى , فالمثقف كان يرحب بالثورة لتحقق له آماله وطموحاته ولكنها لم تحقق ذلك وامتدت آثارها حتى الآن