القاهرة 22 يونيو 2014 الساعة 01:51 م
في الستينات من القرن العشرين التقتا قمتان من قمم الفن المصري الرفيع في الغناء والموسيقي هما أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب بعد طول غياب . واعتبر هذا اللقاء هو لقاء السحاب مجازا . ومع التقدير لصاحبي ذلك اللقاء ، فإن لقاء خادم الحرمين الشريفين والرئيس المصري في مطار القاهرة الدولي وفي حضن الطائرة الملكية السعوية يعد لقاء سحاب حقيقي وليس مجازيا، فهو قد ضم قائدي أهم دولتين عربيتين في هذه المرحلة بعد أن تراجعت أدوار دول أخري نتيجة للأخطاء المحلية والارتماء في أحضان قوي دولية وإقليمية ،ونتيجة التآكل في العمل الوطني الداخلي والقومي. وقد تم تبادل الآراء بين الزعيمين العربيين حول القضايا الإقليمية والدولية وحول العلاقات الثنائية بين الدولتين، وهذا ما يمكن أن نتصوره من مثل هذا اللقاء المهم لوضع استراتيجية مشتركة لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية التي تتعرض لها المنطقة العربية ، ونواة هذه الاستراتيجية الفكرين السعودي والمصري في تفاعله مع فكر الإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين وباقي الدول العربية . وإذ شئنا استخدام المصطلح التقليدي في العمل الدولي نقول إنها استراتيجية تبني علي تفاهم المتقاربين والراغبين في العمل العربي المشترك، ومن يجد في نفسه القدرة أو الرغبة فأهلا به وسهلا ، ومن يعزف لدواعي خاصة به فلا تثريب عليه.
إن علي الجميع أن يدركوا أن التحديات جسيمة والأخطار المحدقة عظيمة، يكفي الإشارة إلي أربعة أنواع من التحديات التي تتعرض لها المنطقة العربية في اللحظة الراهنة التحدي الأول : هو تحدي مشروع سايكس بيكو الجديد المسمي الشرق الأوسط الجديد بمنهج واستراتيجية نظرية الفوضي الخلاقة . وقد ظهر هذا المنطق الاستراتيجي بصور وشخصيات متعددة منذ الحرب العراقية الإيرانية وغزو العراق للكويت وتحرير الكويت. التحدي الثاني: يرتبط بالقضية الفلسطينية وهو وثيق الصلة بالأول بل يمكن اعتبار نواته الأولي بمشروع ايجال الون في الستينات ثم شيمون بيريز بعد ذلك في أوائل التسعينات وأخيرا التنفيذ الفعلي لهذه المشروع ضد الشعب الفلسطيني نتيجة جهود بنيامين نتنياهو وللأسف بفضل الانقسام الفلسطيني والتنازع علي السمكة قبل اصطياها.
التحدي الثالث :هو المشروع الفارسي الصفوي الشيفوني الذي يعيش أحلام الماضي . ويرفض التعامل مع العرب كدول مستقلة ويجعل العرب ودولهم وشعوبهم هم خط الدفاع الأمامي عن النظام الفارسي في مواجهة خصومه بل يستخدمهم أوراق ضغط في لعبنته من أجل القوة والسيطرة الإقليمية وتجلي ذلك في السياسة الأمنية والدفاعية والثقافية والطائفية سعيا للسيطرة الفعلية علي سوريا والعراق ،وإلي حد ما علي لبنان والبقية تأتي يوما ما بالتدريج إذا استمر العرب علي تشتتهم وافتراقهم ومن ثم ضعفهم.والتحدي الرابع هو المشروع العثماني لاحياء الوهم المسمي بالخلافة العثمانية ، وهو وهم يسعي لاستعادة السيطرة والاحتلال العثماني علي العالم العربي الذي امتد لعدة قرون باسم الاسلام . وهو استعمار استنزف الثروات العربية عبر سياة الملتزم وجباية الضرائب ونقل الصناع والحرفيين من البلاد العربية وبخاصة مصر واقام حائط من التغييب القومي باسم الدين ولعل اكثرما يظهر حقيقة هذا التحدي التمثيليات التركية حول حريم السلطان ونظريات الخلافة العثمانية التي روج ويروج لها سياسيون ورجال دين باسم الحرية والديموقراطية والشرعية ، وهم الذين قمعوا المتظاهرين السلميين في ميدان جيزي وغيره واهانوا السلطة العسكرية وقدموا قادتها للمحاكمات الوهمية كما اضعفوا وتدخلوا في السلطة القضائية عندما اخذت موقفا مستقلا في بعض الحالات وكذلك الشرطة التي كشفت فساد النخبة الحاكمة وابنائها واجهزةالاعلام التي نشرت بعض الحقائق فضلا عن الانقلاب ضد اقرب الحلفاء امثال رجل الدين الداعية جولن الحليف السابق لهم.
ولمواجهةهذه التحديات االاربعة فان المملكة العربية السعودية وجمورية مصر العربية رغم الصعوبات التي تواجهها كل دولة وبخاصة مصر في هذه المرحلة فان لديهما اربعةعوامل من القوة الحقيقية الاول القوة البشرية المتعلمة والخبيرة في علوم العصر وفي مقدمتها العلوم والتكنولوجيا اذ احسن الاستفادة منها فهي اداة بالغة الاهمية وركيزة التقدم الحقيقي . والثاني القوة العسكرية البشرية والتكنولوجية رغم حاجتها الي صناعة عسكرية عربية مشتركة وحديثة والثالث القوة الاقتصادية المتمثلة في ثروات النفظ والغاز وثروات قناة السويس والقاعدة الصناعية في كل من مصر والسعودية والامارات العربية المتحدة فهم يمثلون اكبر سوق واكبر قاعدة اقتصادية ، فالسعودية هي احدي الدول العشرين في الاقتصاد العالمي والامارات هي القوة الاقتصادية الثانية في العالم العاربي من حيث الناتج المحلي الاجمالي ومصرهي القوة الثالثة في الناتج المحلي الاجمالي وهي الثانية من حيث القوة الاقتصادية الشاملة رغم مشاكلها الكبيرة والعامل الرابع هوقوة الاردة لدي القيادتين المصرية والسعودية وايضا لدي الدول الخليجية الاخري وبخاصة الامارات العربية المتحدة والكويت والبحرين واعتقد أنها أيضا متوافرة لدي دول عربية اخري مهمة وفي سبيلها للقيام بخطوات جادة للعمل العربي المشترك في الوقت المناسب .
اننا نقول ان لقاء السعودية ومصر يمكن أن يكون هو القاطرة للعمل العربي المشترك دون اقصاء احد او استبعاد احد الا من نأي بنفسه لاعتبارات محلية أواقليمية او دولية خاصة بظروفه ، وهو امر موضع تقدير وتفهم من الاخرين طالما لا تتورط اية دولة عربية في عمل ضد المصالح العربية المشتركة. وأنني كباحث في الدراسات الاستراتيجية الدولية ومتابع بحكم الانتماء لقضايا مصر والقضايا العربية منذ اكثر من اربعين عاما، أجد ان هذا اللقاء المصري السعودي يمثل ركيزة للانطلاق نحوحضارة عربية جديدة تسعي لاستعادة ما ضاع من زمن مضي, ومن قوة عربية في مراحل سابقة , وللحيلولة دون مزيد من التهميش للعرب ودولهم ، رغم ما لديهم من مصادر القوة ،كما سبق الاشارة .ربما يتساءل البعض ان ما يمزق العرب ويفرق صفوفهم هو المصالح الشخصية والمطامع الفئوية والمحلية والخلافات الدينية والمذهبية ، ورغم ادراكنا بأن مثل هذا القول له بعض الصحة ، فان يقظة وتحرك اكبر دولتين عربيتين كفيل بالمساعدة في التغلب علي مثل هذه التحديات خاصة اذالجأت هاتان الدولتان للفكر الاستراتيجي ا لمعاصر بعدم التفكير في مفاهيم التحالف او قيام دولة واحدة او نحوذلك من المفاهيم التي تجاوزها العصر . فالقوة في التنسيق وتوحيد الخطط الاقتصادية والسياسية والامنيةوالثقافية وليس في الوحدات السياسية الشكلية التي تتجاوز الخصائص المحلية . وقد حققت مثل هذا المفهوم العصري بصورة رائعة كل من الهند والصين ، فما بين اقاليمها أو ولاياتها من خلافات مذهبية ودينية وعرقية وتفاوت اقتصادي واجتماعي وثقافي اكبر مما بين الدول العربية ، كما ان اوروبا المعاصرة ممثلة في الاتحاد الاوربي تجاوزت مفاهيم الانانية المحلية والحروب القديمة بين دولها وطوائفها باسم الدين والمذهب ، وهاهي المانيا تتحمل مئات المليارات من الدولارات لتجتذب وترفع مستوي المانيا الشرقية وتستعيد وحدتها ، وهاهو الاتحاد الاوربي يبادر لمساعدة اليونان واسبانيا والبرتغال للخروج من ازماتها الاقتصادية . إننا نقول انه لو تجاوزت الدول العربية التفكير الضيق الاناني الذي تغذيه قوي اقليمية ودولية طامعة في العرب وحريصة علي العمل ضد مصالحهم بعيدة المدي . ولو ادركت القيادات العربية المختلفة أن للدول اقدارها مع الاحترام لمبدأ السيادة الوطنية فان العرب ستعود لهم قوتهم ويستطيعون بناء حضارة عربية جديدة تساهم ايجابيا في حضارة القرن الحادي والعشرين، ليس عبر الفكر الماضوي الذي تجاوزه الزمن ولا عبر الارهاب السئ السمعة لاصحابه ولا عبر النزاعات والصراعات المحلية الضيقة التي تمثل مغامرات دونكشوتية لا تثمن ولا تغني من جوع ولن تضيف قوة حقيقة لايةدولة علي عناصر قوتها الحقيقية .نقول إن تجنب السياسات والافكار البائدة والبالية بل والفاسدة ينبغي ان يكون طريقنا للمستقبل واساس بناء حضارتنا المشتركة دون اقصاء او ابعاد لاية دولة بل مع الاحترام للاهداف الحقيقة لسياستها ومصالحها الوطنية ومواردها. إن العمل التضامني هو الاساس الحقيقي الذي عبر عنه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بقوله مثل "المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكي منه عضو تداعت له سائر الاعضاء بالسهر والحمي".
هذه هي الرؤية العربية بل والاسلامية الصحيحة التي قام عليها التقارب والتلاقي المصري السعودي بفضل مبادرات خادم الحرمين الشريفين والتي نري انه قام عليها لقاء السحاب بين الزعيمين المصري والسعودي ونتمي أن يقوم عليها أية لقاءات مع سائر الاقطار العربية او مع من يرغب منها.
..............................