القاهرة 19 يوليو 2011 الساعة 02:12 م
بقلم: مراد وهبة
من قوانين الحركة عند نيوتن «لكل فعل رد فعل مساوٍ له ومضاد». وتأسيساً على هذا القانون أثير السؤال الآتى: اذا كان عام 1909 هو عام «فعل» الأصولية المسيحية فما هو «رد الفعل المضاد» فى عام 1910 ؟ أظن أن جواب هذا السؤال كامن فى صدور كتاب هام للغاية من تأليف فيلسوفين أحدهما انجليزى هو برتراند رسل والآخر أمريكى هو الفريد نورث وايتهد. وعنوان الكتاب «مبادئ الرياضيات» وهو مكون من ثلاثة أجزاء منشورة على ثلاث سنوات ( 1910 ـ 1913). واللافت للانتباه أن هذا العنوان هو على غرار كتاب نيوتن المعنون «المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية» ( 1687) وكان يعنى بذلك اخضاع الظواهر الطبيعية للقوانين الرياضية وبذلك يقضى على الأفكار الخرافية التى لاتتسق مع العلم سواء كان رياضيا أو طبيعيا، أو بالأدق التى لاتتسق مع الدقة التى تتميز بها الهندسة التى هى أحد فروع الرياضيات.إلا أن كتاب رسل ـ وايتهد تجاوز مسار نيوتن. فاذا كان كتاب نيوتن هو الموَلد لقانون الجاذبية فان كتاب رسل ـ وايتهد هو المولَد للكومبيوتر. والسؤال اذن: كيف يكون كتاب رسل ـ وايتهد هو المولَد للكومبيوتر؟ أجيب بسؤالين: ما الذى دفعهما إلى تأليف هذا الكتاب؟ وما العلاقة بين هذا الدافع ومولد الكومبيوتر؟ عن السؤال الأول أجيب بأن الدافع مزدوج وهو على النحو الآتى: الدافع الأول كامن فى المسار الفكرى لكل منهما. كان رسل مولعاً بدراسة الرياضيات وكانت جامعة كمبردج متميزة بتدريسها فالتحق بها، إذ كان ولعه بهذه الدراسة مردود إلى أنه كان يرغب فى دراسة علم خالٍ من المشاعر الانسانية ولاعلاقة له بالكون على أى حال من الأحوال، وكان هذا العلم هو الرياضيات. أما وايتهد فقد كان هو أستاذ رسل فى دراسته الجامعية فأعجب به إلى الحد الذى طلب فيه أن يكون مشرفا عليه خاصة وأنه ـ أى وايتهد ـ كان مولعا بالرياضيات مثل رسل، إذ كان يرى أنه من اللازم أن تكون الرياضيات فى مقدمة العلوم الأخرى بدعوى أننا عندما نتحدث فنحن نتحدث بطريقة رياضية حتى ونحن نتعامل مع قصيدة شعرية، هذا بالاضافة إلى أن الرياضيات تنمى التفكير المجرد الذى يحرر الانسان من الالتصاق بالأحداث الجزئية. هذا عن الدافع الأول أما عن الدافع الثانى فهو الرغبة العارمة عند كل منهما فى البحث عن مبادئ الرياضيات. وقد اتضح لهما أن هذه المبادئ ليست كامنة فى الرياضيات فى ذاتها إنما هى كامنة فى علم آخر هو المنطق.وقد ترتب على ذلك أن تكون مبادئ الرياضيات مشتقة من مبادئ المنطق، وعكس ذلك ليس بالصحيح. هذا هو الجواب عن السؤال الأول فماذا عن السؤال الثانى وهو الخاص بالعلاقة بين المنطق الرياضى و الكومبيوتر. فى القرن السابع عشر قال الفيلسوف الانجليزى فرنسيس بيكون الذى أسهم فى اخراج أوروبا من العصور الوسطى المظلمة «إن المعرفة قوة»، أما نحن فى القرن العشرين وفى محاولة للخروج من العصور الوسطى الثانية فاننا نقول «إن المعرفة قوة مُكبَرة» ومعناها تحويل المعلومة إلى معرفة، أى تحويل كومبيوتر تخزين المعلومات إلى كومبيوتر البرهان. ومن هنا قيل عن الكومبيوتر إنه «آلة ذكية». والفضل فى هذا التحويل، تحويل المعلومة إلى معرفة، مردود إلى المنطق الرياضى بسبب استعانته بالرموز المنطقية وقواعد الاستدلال المنطقية. وفى عام 1982 نشرت «مجلة تايم» الأمريكية على غلافها هذه العبارة «انسان عام 1982». ولم يكن هذا الانسان سوى الكومبيوتر أو بالأدق الانسان الالكترونى الذى يفكر ويبرهن. وفى ذلك العام قيل إن الانسان الالكترونى طلب أن يتحول إلى انسان بشرى بحكم أنه يؤدى جميع الخدمات المطلوبة منه بما فى ذلك انقاذه للانسان البشرى اذا تعرض لخطر فى أثناء رحلاته الفضائية، فقيل له إن هذا التحول ممكن ولكن بشرط أن تكون قادراعلى ارتكاب الخطأ الذى هو سمة جوهرية للانسان. وأنت حتى الآن مازلت غير قادر على ارتكاب الخطأ بحكم التزامك مبادئ المنطق وقواعد البرهان
|