|
مسرح |
الأرتيست.. يوم في حياة زينات صدقي
|
|
|
القاهرة 21 يناير 2025 الساعة 10:27 ص
كتب: جمال الفيشاوي
قدم مركز الهناجر للفنون التابع لقطاع الإنتاج الثقافي العرض المسرحي الأرتيست تأليف وإخراج محمد زكي وشارك في التأليف أسماء السيد، تدور الفكرة الرئيسية حول يوم في حياة الممثلة زينات صدقي (هايدي عبد الخالق) عندما قررت رئاسة الجمهورية تكريمها ضمن المكرمين في عيد الفن. حيث يصل الخبر لزينات عبر اتصال تليفوني، وما أسعد اللحظات في حياة الفنان عند تكريمه، ولكن في حالة زينات ينفجر من داخلها سيلٌ من الذكريات تنقلنا لنشاهد مقتطفات ولحظات خاصة من حياتها، ونتعرف على بعض الشخصيات المؤثرة في حياتها.
بدأت اللحظة عندما اكتشفت أنه ليس لديها فستان ترتديه يليق بلحظة تكريمها حيث أنها لم تعمل منذ فترة طويلة، ويناقش العرض معاناة الممثل بشكل عام.
عند دخولنا صالة العرض نسمع بعضا من منولوجات الفنان إسماعيل ياسين، في لمحة ذكية من المخرج لتهيئة الجمهور ليستعد للعرض المسرحي مع عالم زينات ويلقي كل ما جاء محملا ً به من خارج صالة العرض، ويعتبر إسماعيل ياسين رمز لمعاناة الفنان، عملت زينات مع إسماعيل عدة أفلام ومن أشهرها ابن حميدو ونستمع إلى جزء منه يذاع بالتلفزيون في منزل زينات لتحقق الحالة الشعورية لزينات بعدما حققت حلمها في الماضي ، ويختم العرض بصوت زينات التي أحبت وتعلقت بالتمثيل ومدى المعناة في رحلتها بداية من اعتراض الأهل فتقول "اللهم انصر الفنانين على أهاليهم اللي ما بيعترفوش بالفن ".
في إطار مقولات أو مرتكزات ما بعد الحداثة ومنها التناص والذي يعنى التفاعل والتداخل مع النصوص الأخرى، نجد أن نص عرض الأرتيست يتماس مع نص الكاتب الروسي أنطوان تشيخوف (أغنية البجعة أو التم) في لحظة إنسانية مؤثرة في حياة فنان، وكتب المؤلف حبكة وشخصيات درامية من وحي خياله، ومن مقولات ما بعد الحداثة هيمنة الصورة؛ فقد رافقت ما بعد الحداثة تطور وسائل الإعلام، فأصبحت الصورة البصرية علامة سيميائية تشهد على تطور ما بعد الحداثة، ولم تعد اللغة هي المنظم الوحيد للحياة الإنسانية، بل أصبحت الصورة هي المحرك الأساسي للمعرفة، لقد وصلت الصورة إلى احتلال مركز عظيم الأهمية في المسرح في إطار تجديد هيكلة المسرح في ضوء تغيير دورها ووظيفتها، وتجديد طريقة التأثيث لفضاء العرض المسرحي، فالصورة هي أهم مفردات الرؤى، وأصبحت لغة الحوار لا تكفي، مما أسفر عن تراجع الحوار، وأصبح النص الدرامي (المسرحي) في مسرح الصورة هو مجرد فكرة يبنى عليها نص العرض المسرحي، فكان لا بد من ترجمة النص من خلال عناصر العرض الأخرى، كالديكور والإضاءة والموسيقى والملابس وحركة الممثلين، وإذا فقدت العلاقة بين عناصر العرض افتقد التناغم والتواصل في إطار العام، وانطلق العرض المسرحي من النص الدرامي ليتحول على يد المخرج إلى دلالات متعددة تصل للمتلقي، واعتبر المخرج هو صاحب العرض المسرحي.
رؤية المخرج:
من خلال السطور السابقة برع المخرج في استغلال كل أدواته الفنية كما أنه شارك في التأليف والتمثيل في دور صلاح زوج زينات الثاني، وفكرة العمل مستلهمة من الواقع، لكنه كله محالة الخيال، أي أن مادته وموضوعه من الطبيعة؛ لكن بعد تخيلها، أي فرضها غير موجود، أو موجود في مكان آخر، وقد تصاحب الصورة الخيالية بعواطف تسبقها أو تكون وليدة لها، وتم دمج عدة أنظمة فنية داخل العرض المسرحي واستخدام مفهوم المحاكاة بفكرة المونتاج، والانتقال ما بين الزمن الحالي للشخصية وأزمنة سابقة، ثم العودة للشخصية مرة أخرى.
كان ديكور (فادي فوكيه) عبارة عن منظر واحد يعبر عن الحالة العامة للعرض، ويشكل هذا المنظر منزل زينات في الزمن الذي بني عليه فكرة العرض وهو قبل الاتصال التليفوني وإخبارها بتكريمها في عيد الفن. يتكون المنظر من ثلاث بانوهات ملتصقة وضعت في عمق المسرح، ووضع على البانوه الأوسط ضلفتين ليصبح هذا المكان دولاب ملابس الست زينات وهو الحدث الأقوى والمهم والذي بني عليه الفكرة الرئيسية للعرض، ومن خلاله تنهال عليها الذكريات، ووضع على كل جنب من جانبي العمق بانوه، ووضعت على كلّ منهما ستارة، وعندما تفتح الستارة يظهر برواز وفي داخل هذا البرواز شيئا ما يعبر عن مكان، فعلي يسار العمق نجد بداخل البرواز سرير يعبر عن حجرة نوم زينات، ويستخدم الدولاب مع السرير وجزء من الفراغ المسرحي ليستكمل المنظر لنرى بعض الاحداث في منزل أسرة زينات عندما كانت تقيم مع والديها (الأب - ياسر أبو العينين، الأم- فيولا عادل) وأخيها سيد (إبراهيم الألفي في مرحلة الصغر) ويوجد فوق السرير صورة لوالد زينات ليدل على سطوة الأب في هذا العصر، الذي فرض أن تتزوج ابن عمها، فنراها مجبره على أن ترتدي فستان الزفاف، وعلاقتها مع أخيها، وتعلقها بالتمثيل ورفض والدها ذلك، وغيرها من الأحداث، وعندما ترفع الستارة على الجانب الأيمن من عمق المسرح نرى داخل البرواز ماكينة خياطة أمامها كرسي ليعبر المكان عن محل فاسيلي الخياط (أحمد الجوهري) الذي كان يخيط أزياء زينات منذ بداياتها الفنية وحتى بعد أن أصبحت مشهورة كلمحة وفاء من زينات، فلم تتركه واستمر يخيط ملابسها كما تركته بعض الفنانات اللائي أصبحن نجمات وذكر على سبيل المثال ليلى مراد، ويستكمل المنظر فتم وضع على كل جانب من جانبي المسرح ثلاث بانوهات تشكل جدران المنزل، علق عليها بعص الصور لزينات وأسرتها ويشكل المنظر كاملا منزل زينات، ونجد على شمال منتصف المسرح كرسي هزاز وبجواره تليفزيون تشاهد فيه أعمالها الفنية وراديو تسمع من خلاله أغاني أم كلثوم، فهو منطقة إعاشة زينات، وعلى يمين وسط المسرح وضع عدد اثنان فوتيه وأمامهم منضدة عليها تليفون ليصبح صالون شقة زينات وقت زواجها من صلاح، والذي طلقها لرغبته بأن تترك الفن وتتفرغ له، لكنها ترفض لتعلقها بالفن؛ ولذا فشلت جميع زيجاتها، ولم تنجب واعتبرت أبناء أخيها سيد (إيهاب بكير في مرحلة الكبر) هم أولادها طارق وعزة (محمود الغندور ومارتينا عادل) وقامت بتربيتهم بعد وفاة زوجة أخيها، وزواجه من أخرى.
لم يكتف المخرج بالتمثيل على خشبة المسرح في العلبة الإيطالية بل امتد مكان التمثيل إلى داخل صالة العرض وبجوار الخشبة يمين المسرح يمثل المكان بير سلم منزل زينات للقاء الأحبة، ابن أخيها طارق (محمود الغندور)، ووردة ابنة صديقتها خيرية (ياسمين عمر)، وعلى الجانب الآخر يسار المسرح وضع برتكبل بارتفاع 20سم تقريبا أعلى أرضية الصالة، ويعبر المكان عن سطح المنزل يلتقي فيه نفس الحبيبين.
لعبت الإضاءة (أبوبكر الشريف) دورا مهمًّا في العرض، فتم استخدامها مع الديكور والموسيقي والممثلين لتحقق أكثر من حالة، بلحظات خاصة بزينات؛ عندما تنفرد بنفسها، أو علاقاتها مع والدها، أو أخيها، أو زوجها الثاني (محمد زكي)، و تحقق النقلات في الزمن بطريقة الفلاش باك دون التقيد بترتيب زمني للذكريات، وكان أحياناً يخرج من فلاش باك إلى آخر(فلاش باك مركب)، فنخرج من الحاضر إلى تذكرها يوم طلاقها من زوجها الثاني صلاح، ثم تذكرها ليلة كتب كتابها على الدكتور ابن عمها وفرض والدها أن تتزوج هذا العريس، ثم ننتقل إلى بدايتها الفنية مع صديقتها خيرية، فقد سيطرت الألوان الأزرق والبرتقالي والأصفر على الإضاءة وكانت معظمها تلعب على الحالة الشعورية الإنسانية المعبرة عن الحالة الدرامية، فعلى سبيل المثال نجد في بعض لحظات الفلاش باك تتذكر والدها وهو يفرض عليها العريس ومدي اللحظة المعتمة في حياتها بعدم تقبلها العريس فتكون الإضاءة خافتة، ذات لون أزرق يعبر عن رفضها للموقف برمته، والإضاءة البرتقالي لحظة الوفاء منها للخياط فهي مازالت تخيط عنده ملابسها رغم شهرتها، ومن داخل دولاب ملابسها وعندما جاءت ابنة صديقتها المرحومة خيرية بفستان والدتها لترتديه زينات لحظة تكريمها تخرج إضاءة خضراء ونرى صديقتها خيرية (فاطمة عادل) صديقة رحلتها الفنية في دلالة على أنها كانت تتمنى وجودها في أهم لحظة من حياتها، لحظة تكريمها، لأنها ستكون أكثر الناس فرحة لها، وتتذكر لحظات شرائهما القماش معاً، وتفصيله فستان، فقد ماتت خيرية دون أن ترتديه، ويقدم لنا المخرج والممثلة مشاعر مختلطة لدرجة أننا نستطيع القول أن عقل زينات الباطن يخبرها بمكان وجود صديقتها المتوفاة في جنة الخلد، كما حققت البؤر الضوئية أماكن جديدة في الفراغ المسرحي، بانتقال الممثلين إلى أماكن مختلفة وبملابس مختلفة فنجد زينات وصديقتها خيرية وهما في ملهى ليلي بلبنان حيث عملا كراقصتين، أو مكان ما حيث عملهم كومبارس في الأفلام، واستخدم مع البؤر الضوئية في بعض الأحيان صدى الصوت لبعض الجمل لتحليل المكان إلى مكان وزمان آخرين أو تأنيب الضمير مثل حديث سيد في الكبر وتبرئه منها وتأتيه وخذه ضميره.
أما الملابس (أميرة صابر ومحمد ريان) فقد ساهمت بشكل أساسي في الانتقال بين الماضي والحاضر، وذلك عندما تخلع زينات الروب الأحمر الذي يمثل الحاضر ونجد تحته روب أسود وتتحدث مع زوجها، أو يظهر فستان بيج وهي تقوم بعمل بروفة على الفستان الجديد عند الخياط فاسيلي، ثم تعود للحاضر وترتدي الروب الأحمر مرة أخرى، أو ترتدي فستان الزفاف الأبيض، وهكذا، كما كانت الملابس معبرة عن الفترة الزمنية وهي فترة السبعينيات فنرى ابن أخت زينات الشاب يرتدي بدلة بنصف كم وبنطلون شارلستون، وزوجها الثاني (محمد زكي) يرتدي أيضا بدله سفاري نصف كم كان يرتديها أغلب الموظفين في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، وعن عودة الفلاش باك توحي الملابس بتلك الفترة خاصة فترة الأربعينيات عندما نجد والدها يرتدي القفطان والكَكُوله وهما زي رجل تاجر من الأربعينيات.
أما الإعداد الموسيقى (خالد مانشي) كانت معبرة عن الحالة الدرامية وتذكرها بحياتنا السابقة عن طريق العودة بالفلاش باك، فعلى سبيل المثال عندما نسمع صوت أم كلثوم من خلال الراديو في أغنية سنين ومرت وبعض التقاسيم على البيانو مع صدى الصوت تذكرها بحياتها مع زوجها المسؤول الحكومي وأن حبها للتمثيل وعدم التفرغ لزوجها كان سبب طلاقها، وعند طلاقها نسمع أغنية مين عذبك لحن وغناء محمد عبد الوهاب، وأغنية فكروني لأم كلثوم تتذكرها بالماضي وأيام وجودها على الساحة الفنية وكانت دائما تخيط فساتين جديدة عند فاسلي.
أجاد المخرج في اختيار كل ممثل في دوره، وقام كل ممثلي العرض بعزف سيمفونية من الأداء المتكامل مع كل عناصر العرض المسرحي ولا نستطع تميز ممثل على الآخر، إلا أننا لا بد أن نشير إلى الفنانة هايدي عبد الخالق فهي الوحيدة التي كان سيضعها الجمهور في مقارنة مع الفنانة الراحلة زينات صدقي لكنها بذكاء شديد قدمت لنا روح زينات ولم تقلدها.
التحية واجبة لكل المواهب الفنية التي شاركت في العرض، كلٌ في تخصصه:
الممثلين: محمود الحلواني (عثمان السفرجي)، ريم مدحت (صباح الخادمة)، عبد العزيز العناني (رجب البواب)
ومكياج (إسلام عباس)، وتصميم دعاية (أحمد الجوهري).
وهيئة الإخراج: المخرجان المنفذان (ياسر أبو العينين، وخالد مانشي)، والمخرج المساعد (محمود متولي) ، ومساعدا الإخراج (أحمد شبل ومروة حسن).
|
هل لديك تعليق؟
الاسم : |
|
البريد الالكتروني : |
|
موضوع التعليق : |
|
التعليق : |
|
|
|
|
|
|
|
|
|