|
كتاب مصر المحروسة |
تاريخ شعبي موجز للعالم (115): الفلسفة القديمة "الثقافة الرومانية 1"
|
|
|
القاهرة 17 ابريل 2025 الساعة 04:41 م

بقلم: أحمد محمد صلاح
انتشرت ما يعرف بالثقافة الرومانية في العديد من أصقاع العالم القديم وذلك بعد أن غزت الإمبراطورية الرومانية مناطق وأراضي امتدت من الفرات حتى الدانوب، والصحراء في شمالي أفريقيا، كما يصفها برتراند راسل.
وصلت أوج الثقافة الرومانية مع الاستقرار السياسي الذي بدأ على يد أوغسطس في عام 30 ق. م، وهذا العام أيضا شهد تبعية مصر للإمبراطورية الرومانية بعد مقتل كليوبترا عقب معركة أكتيوم البحرية واحتلال مصر من قبل الرومان.
وإن كنت أختلف قليلا مع راسل في أن الثقافة الرومانية فرضت على مصر في تلك الفترة، حينما عبر عن شمال أفريقيا بأنها صحراء، فالثابت تاريخيًّا أن الثقافة الرومانية والمصرية القديمة قد امتزجتا معًا حتى أن الرومان اضطروا إلى عبادة الآلهة المصرية القديمة تقربا للمصريين، ولا نذهب بعيدا بخيالنا إذا قلنا إن الرومان قد استفادوا من العلوم والعلماء المصريين، وخاصة من الإسكندرية التي كانت جامعتها تذخر بالكتب والمعارف.. إذاً فرض الثقافة على الحضارة المصرية لم يكن قوياً، صحيح أن مصر غيرت لسانها إلى الرومانية، ولكنه كان أمرا طبيعيا، فالمعاملات الرسمية والكتابات تحولت إلى هذه اللغة، ولكن في نظري فإن التأثر الأكبر كان تأثر الحضارة الرومانية من قبل ذلك بثلاثة قرون على الأقل بالنموذج المصري عامة.
تأثرت التركيبة الطبقية والسياسية في الإمبراطورية بعد كل هذا التوسع الاستعماري، فمن الناحية الطبقية يقول برتراند راسل: "وفي غضون تلك الفترة من الزمان، طرأت تطورات مهمة على دستور الدولة الرومانية، فقد كانت روما في أول الأمر دولة صغيرة ذات مدينة واحدة، ليست تختلف عن أمثالها من دول اليونان اختلافًا كبيرًا، خصوصًا ما كان منها -مثل إسبرطة- غير معتمد على التجارة الخارجية، وحلت جمهورية أرستقراطية محل طائفة من الملوك يشبهون ملوك اليونان في عصر هومر، ثم أخذت العناصر الديمقراطية تتسرب تدريجًا، بينما بقيت العناصر الأرستقراطية على قوتها متمثلة في مجلس الشيوخ، ونتج عن ذلك كله خليط قال عنه بانيتيوس الرواقي (الذي قام بوليبيوس وشيشرون بنشر آرائه) إنه تآلف مثالي اجتمعت فيه عناصر الملكية والأرستقراطية والديمقراطية، لكن جاء الغزو الحربي فقلب هذا التوازن الذي لم تكن فيه عوامل الدوام؛ إذ ترتب على الغزو أن ازداد ثراء طبقة أعضاء الشيوخ ازديادًا هائلًا، كما ازداد ثراء «الفرسان» بدرجةٍ أقل من ذلك قليلًا. و«الفرسان» اسمٌ كان يطلق على الجزء الأعلى من الطبقة الوسطى، وتحولت ملكيات الزراعة في إيطاليا، فبعد أن كانت في أيدي مزارعين صغار يزرعون الغلال بكدح أيديهم وأيدي عائلاتهم، أصبح الأمر ضيعات فسيحة تملكها الأرستقراطية الرومانية، حيث يقوم العبيد بزراعة الكرم والزيتون، فكانت نتيجة هذا التحول أن أصبح مجلس الشيوخ مطلق السلطان في حقيقة الأمر، ثم استُخدم هذا السلطان المطلق في غير حياء لزيادة ثروات الأفراد، دون اعتبار لمصالح الدولة أو رفاهية أبنائها.
ويستطرد راسل: " كان حكم أوغسطس عهدًا سعيدًا للإمبراطورية الرومانية، فقد نُظمت إدارة الأقاليم آخر الأمر على نحوٍ يكفل مصالح السكان بعض الشيء، بعد أن كانت قائمة على أساس الاستغلال الخالص، لذلك لم يقتصر الأمر على تأليه أوغسطس رسميًّا بعد موته، بل رفعه الناس في كثير من مدن الأقاليم إلى مرتبة الآلهة مدفوعين إلى ذلك بمشاعرهم، وأثنى عليه الشعراء، ووجدت طبقة التجار أن انتشار السلم نافع لتجارتهم، بل إن مجلس الشيوخ نفسه -الذي التزم أوغسطس في معاملته كل أساليب الاحترام الشكلية الظاهرية- لم يدع فرصةً سانحة تمضي دون أن يخلع عليه أسباب التشريف والتكريم أشكالًا وألوانًا.
وعلى الرغم من أن فترة ما بعد أوغسطس شهدت بعض الاضطرابات السياسية حين تولَّى تراجان سنة 98 ميلادية، ودامت حتى موت مرقص أورليوس سنة 180 ميلادية، فحكومة الإمبراطور خلال هذه الفترة قد بلغت كل ما يمكن لأية حكومة مستبدة أن تبلغه من الكمال، ولكن في القرن الثالث الميلادي بدأ انهيار الإمبراطورية.
|
هل لديك تعليق؟
الاسم : |
|
البريد الالكتروني : |
|
موضوع التعليق : |
|
التعليق : |
|
|
|
|
|
|
|
|
|