|
قصة قصيرة |
الحائر
|
|
|
القاهرة 21 يناير 2025 الساعة 10:21 ص
قصة: أمل زيادة
بعد أن أزهرت بذور الياسمين على قبعات المجاهدين في فلسطين، وقفت أتأمل الشارع في ضيعتنا، انتهت الحرب الكبرى، نجا القليل من البشر، قضت الحرب التي استمرت لسنوات على عائلات كاملة، بل أجيال إن شئت الدقة، لم تكن الإبادة بحق فصيل على حساب آخر، بل طالت الجانبين، أتت على الأخضر واليابس، حتى الحيوانات لم تنج من قبحها، الشوارع خاوية يسكنها الحزن ويرتع فيها الألم، اختلط هدير الرياح بتنهيدات المكلومين.
لم تعد الأرض هي الأرض ولا السماء هي السماء ولا حتى الشمس هي الشمس!
ظلت السحب عالقة كقطع إسفنجية متناثرة بعشوائية بين أنين الحسرة وابتهالات المصلين ودعوات الناجين، ترفض المغادرة أو السقوط كقطرات مطر أو ندى.
سحب الحزن تمطر أمنيات يصعب تحقيقها، رغبات مستحيلة بإعادة الزمن للوراء، حيث كانت الحياة تنبض في الأركان، حين يرتفع الضجيج الذي زين الطرقات يومًا.
وكأننا يوم طوفان نوح، حين مات الجميع، حتى إذا سمعنا صوت بكاء رضيع يخرج من وسط الرماد، توجهت لهذا الصوت لأجد طفلًا يرتبط بحبل أمه السري التي استشهدت وتيبست أوصالها، بمجرد أن التقطت الطفل انفصل عن جثمانها.
لففته في قطعة قماش وسرت أبحث بين الرماد عن بقايا حياة...
صار الطفل شابًا فتيًا يعاني في موسم الحصاد.
لا أجيد التحدث مثله لكنه يفهمني جيدًا.
قابل فتاة راقته صحبتها، راقبته وهو يلاقيها خلسة، راقبت طيور الحب وهي تداعب خياله وتعزف على أوتار قلبه أعذب الألحان، سألته أترغب بها؟
أخبرني أنه يحبها لكنه لا يستطيع؟
فهي قد تبدو عربية لكنه يخشى أن تكون جذورها غير ذلك، ربما تجري بها دماء أعدائه، ربما كانت أحد أفرعهم.
كيف لي أن أتأكد من أصالتها ونحن فقط الناجون من ظلام وظلم الإنسان؟!
أخبرته أن الحرب انتهت، وأن اليوم لهم وأن غدًا لأبنائهم حتى لو لم تكن عربية.
(ليتني أملك ربع تفاؤلك)!!
الأجدر أن تمتزج دمائكم لتصنع جيلًا جديدًا، يحمل صفاتكم الجميلة، نبل العرب وفطنة الآخر، أصالة العرب وشهامتهم ومهارة الآخر العلمية.
لا تقف أمام مشيئة الله.
فكر في الحب، في الخير، في النور الذي قد يوجد بسبب تجربتك، تناسى ما حدث.
مضى زمن الكراهية، انتهى عصر البغض، نحن الآن نزرع الحب في حقول الياسمين، ساعدني وتزوجها كي تنجح تجربتنا في تعمير الأرض من جديد، ساعدني في إنجاح تجربتي، أنا الكائن الضعيف الذي سئم الحديث عن الموت والدمار والحزن، ساعدني في حصاد حقول الياسمين؟!
تزوجها وأنجب العديد من الأبناء، تكاثروا يا ولدي، اجعلوا جيناتكم الطيبة هي السائدة، دعوا التعصب والحرب والقتل وابدؤوا من جديد...
عمّروا الكون من جديد...
ضعوا قوانين جديدة وانبذوا الكراهية...
اختلفوا، تناقشوا، ابتعدوا واقتربوا، تخاصموا إن أردت، لكن لا تترك الكره ينتصر.
قطعًا تتساءلون عمن أكون؟!
أنا القلم الحائر الحالم، الذي اعتاد أن يكتب برومانسية ومثالية مطلقة.
اعتدت أن أراها على الورق.
وددت نقلها لأرض الواقع، ربما تجدي نفعًا.. ربما.
|
هل لديك تعليق؟
الاسم : |
|
البريد الالكتروني : |
|
موضوع التعليق : |
|
التعليق : |
|
|
|
|
|
|
|
|
|