|
سينما |
نجيب محفوظ بين النص الروائي والعرض البصري في مؤتمر الرواية والدراما المرئية
|
|
|
القاهرة 31 ديسمبر 2024 الساعة 09:47 ص
متابعة: إيمان السباعي
نجيب محفوظ ليس فقط أكثر الأدباء الذين ارتبطت أعمالهم بالعروض البصرية في السينما أولا وثانيا في الدراما التلفزيونية، بل إنه أيضًا أكثرهم ارتباطا بكتابة سيناريو كثير من الأفلام حتى إنه أعد للسينما روايات أدباء آخرين مثل إحسان عبد القدوس في روايتيه "بئر الحرمان" و"أنا حرة".
لذا كان اسم نجيب محفوظ بطل جلسات حوارية ودراسات قدمها مؤتمر الرواية والدراما المرئية الذي انطلق لمدة يومين في 25 و26ديسمبر الجاري 2024 تحت رعاية وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو والدكتور أشرف العزازي أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، وهو ثمرة التعاون بين نادي القصة وجمعية أصدقاء مكتبة الإسكندرية بجهود أمين عام المؤتمر الدكتورة زينب فرغلي صاحبة فكرة إقامته، ومنسق عام المؤتمر حمدان القاضي، ورئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء مكتبة الإسكندرية عصام عزت، ورئيس المؤتمر رئيس نادي القصة محمد السيد عيد ومنسق المؤتمر حمدان القاضي ورأسه الكاتب والسيناريست رئيس نادي القصة محمد السيد عيد.
المؤتمر الذي ينعقد في دورته الأولى يهدف إلى تشجيع كتاب الرواية للعمل المشترك مع السينما والتليفزيون، ويستعرض دور الرواية والفنون البصرية في تثقيف وتوعية الجمهور وتنمية الذائقة الأدبية والفنية.
طرح المؤتمر أسئلة تتعلق بقضايا مهمة حول النص المكتوب بعد تحوله إلى نص مرئي وأثر ذلك على المتلقي وعلى الكاتب أيضًا، فكشف الناقد الدكتور محمود الضبع كيف تأثر نجيب محفوظ بعد أن شاهد أعماله على الشاشة، وأثر ذلك على أسلوبه الروائي. ورصد هذا في عدة ملاحظات مهمة فقد تغيرت عند نجيب محفوظ فكرة السرد المعتمد على وصف المشهد بدقة بتدفق سردي لأنه طرح على نفسه سؤالا: كيف سيرى المتلقي المشهد؟ فتحول إلى "المشهدية" واقترب من اللغة البصرية أي كيف أجعل لغتي في الكتابة لغة كل جملة فيها تحيل إلى مشهد يُرسم في العقل مستشهدا بافتتاحية رواية اللص والكلاب "مرة أخرى يتنفس نسمة الحياة ولكن في الجو غبار خانق وحر لا يطاق وفي انتظاره وجد بذلته الزرقاء وحذاءه المطاط وسواهما لم يجد في انتظاره أحدا، ها هي الدنيا تعود وها هو باب السجن الأصم ينطوي على الأسرار البائسة هذا الطرقات المثقلة بالشمس وهذه السيارات المجنونة والعابرون والجالسون والبيوت والدكاكين ولا شفة تفتر عن ابتسامة".
أكد الضبع أن نجيب محفوظ كان من قلائل الروائيين العرب الذين انتبهوا إلى تقنيات سردية في ألف ليلة وليلة وهي الحكاية التي تتوالد من حكاية أو تسلم إلى حكاية أخرى وهذا واضح في بعض أعماله مثل حديث الصباح والمساء التي نجحت على الشاشة لهذا السبب.
وأوضح أن هذه التقنية تترك فجوات في النص الروائي يمكن للدراما المرئية أن تملأها وهذا ما حدث مثلا في أفراح القبة فاستدحدثت الدراما البصرية شخصيات على الشاشة لم تكن موجودة في الرواية.
ربما لم يكن لرواية الشحاذ (1965) جماهيرية روايات كالثلاثية واللص والكلاب على الشاشة لكن المفارقة أن يكون هذا بسبب اقتراب المخرج حسام الدين مصطفى والسيناريست أحمد عباس صالح من عالم الرواية دون تغيير تقريبا سوى في نقطة بدايتها ورسم بطلها عمر الحمزاوي الذي يمر بأزمة وجودية كبيرة والحفاظ على كثير من الحوارات ذات العمق التي تأخذ منحى فلسفيًا في الفيلم كما في الرواية كما أوضحت الناقدة الدكتورة عزة بدر التي رأت أن الفيلم قدم لنا عالم تلك الرواية وشخصياتها محاولا تقريب تلك الحوارات الفلسفية التي دارت حول معنى الحياة والحب والخضوع لله ومشيئته وقربت إلى قارئ الرواية ومشاهدها هذه الرحلة التي مر بها الحمزاوي مسائلا نفسه والآخرين وهو ما أبرز أفكار نجيب محفوظ الفلسفية التي اقترنت بروح شاعرة قلقة مفكرة تعيش وتتأمل وتحلل وتفكر.
أما الدكتور سامي سليمان أستاذ النقد والأدب الحديث فاختار رواية اللص والكلاب واعتبرها رواية بالغة الأهمية في مسيرة نجيب محفوظ لأنها الرواية التي تمثل انتقاله إلى طريقة في الكتابة يمكن وصفها بالحداثية، فاعتمد نجيب محفوظ تيار الوعي وقد تكون اللص والكلاب واحدة من الروايات الأوليات التي كتبت بهذا الأسلوب.
استمد محفوظ الرواية من قصة حقيقية بطلها شخص عُرف ب "سفاح الإسكندرية" فاستقى الأحداث من أخبار نشرت في الجرائد.
كان محفوظ كما رأى الدكتور سامي سليمان يخاطب الواقع بطريقته الخاصة معتمدا أشكالا من المكر الفني لا حدود لها في مادة صالحة لرواية بوليسية.
أما الجدة في هذا النص الروائي فارتكزت على عدة نقاط كما يقول "سليمان" أهمها: الاتكاء على تقنيات تيار الوعي منها المونولوج الداخلي الذي لجأ إليه محفوظ كثيرا منذ بداية الستينيات عبر الكتابة الحداثية التي تطرح أسئلة وجودية، وكذلك الراوي الموضوعي الذي يقنع القارئ أو يحاول بما يقدمه عالم الرواية، ثم وجهة النظر التي حاول أن يقدمها في هذا النص القصير والتي تطرح مستويات متعددة تقدمها الرواية كمستوى الانتقام وهل الانتقام كفعل فردي ليس له قوانين تحددها مؤسسات، مستوى آخر وهوتقديم رؤية غير مباشرة جمالية للتغيرات التي حدثت في مصر منذ الخمسينيات وحتى كتابة الرواية وهل تمت تلك التغييرات التي أجرتها السلطة على نحو يحقق المرجو منها وهذا من خلال شخصية رؤوف علوان. وهذا مسعى نجيب في روايات هذه المرحلة.
يكشف هذا عن احتمالين متناقضين لرؤية هذه الرواية سينمائيا كما يوضح "سليمان". هذا النص إذا أراد المخرج تقديمه كنص بوليسي فيسهل إخراجه أما إذا حاول أن يتوقف على أبعاد النص الوجودية ويجد معادلات بصرية لتقنيات تيار الوعي فهذا يثير تحديات أمام المخرج.
كتب سيناريو الفيلم صبري عزت وشاركه كمال الشيخ مخرج الفيلم الذي عرف بالفيلم الواقعي. صبري قدم 31 فيلما من هذه الأفلام 3 أفلام عرفت كأبرز الأفلام المصرية في القرن ال 20 ومنها صراع الأبطال، وشيء من الخوف، واللص والكلاب.
العلاقة بين الفيلم والرواية متحققة في بنية الحدث والرواية والفيلم لهما البنية نفسها: "خيانة -رغبة في الانتقام- تتحول لفعل يقوم به سعيد مهران، ولكنه لا يصل إلى نتيجة لهذا الفعل".
ما قدمه كمال الشيخ في الفيلم هو بنية بسيطة بإخراج واقعي ونمط الأداء الواقعي والديكور الذي يقدم تفاصيل المكان.
ومن الاختلافات المهمة بين الفيلم والرواية أن:
*في الفيلم تعرض مهران للمطاردة وقتل فكان يجب أن يقتل ليقتنع الجمهور أما الرواية فيُطارد سعيد مهران ويوحي محفوظ أنه قتل دون تأكيد ذلك، ويكشف د.سامي سليمان أن هذه واحدة من الروايات الكثيفة من حيث البنية الفنية والمعاني والدلالات التي تنطوي عليها فتحتاج لقارئ خاص.
*الفيلم بدأ بعليش سدرة يجلس على المقهى وظهرت زوجة سعيد مهران وسدرة فتقدمت العناصر الأولى للخيانة. أما في الرواية فالبداية مختلفة فقدمت تيمة "اغتراب البطل".
*الفيلم قدم في عام إصدار الرواية نفسه 1962لكنه يخلو من أي إشارة إلى عهد الثورة كما أشارت الرواية.
*في حوار الفيلم كثيرٌ من العبارات المستخدمة في الحياة اليومية المصرية وهذا ينزع الفلسفة الطاغية على الحوار في الرواية.
|
هل لديك تعليق؟
الاسم : |
|
البريد الالكتروني : |
|
موضوع التعليق : |
|
التعليق : |
|
|
|
|
|
|
|
|
|