|
رواية |
(بين القصرين).. الازدواجية في الشخصية المصرية
|
|
|
القاهرة 15 ابريل 2025 الساعة 12:45 م
بقلم: ماهر أحمد سليمان
رواية (بين القصرين) لنجيب محفوظ هي إحدى ثلاثيته والتي تضم (بين القصرين) و(قصر الشوق) و(السكرية)، وهي أسماء لأحياء مصر القديمة، وتؤرخ هذه الثلاثية لفترة من تاريخ مصر تمتد من بداية الحرب العالمية الأولى وحتى ثورة يوليو، وتتناول تأثير أحداث هذه الفترة على طبقات الشعب المختلفة، خاصة الطبقات الشعبية والطبقة الوسطى.
وكما اعتدنا في أسلوب نجيب محفوظ من الإسهاب في وصف التفاصيل الدقيقة، نجد هنا تلك اللوحة الرائعة للحارة المصرية، ومفردات الحياة اليومية للمصريين في تلك الفترة، وكأننا نتجول في ذلك الحي بحاراته وأزقته ودروبه وحوانيته وسكانه بجميع طوائفهم.
تتناول أحداث الرواية حياة إحدى الأسر المصرية من الطبقة الوسطى، حيث الأب (السيد أحمد عبد الجواد)، وأسرته (زوجته وأبنائه الخمسة)، عبر ثلاثة أجيال متتالية.
محور الرواية ( السيد أحمد عبد الجواد) أو كما تناديه زوجته (سي السيد)، وهو عميد الأسرة ويتمتع بشخصية قوية ترهب أفراد الأسرة جميعا من زوجة وأبناء. كان السيد أحمد يعمل بالتجارة ويمتلك وكالة لبيع العطارة، وكان ميسور الحال، وله صيت كبير بين التجار والزبائن.
كان السيد أحمد حازما شديد الصرامة في التعامل مع أفراد الأسرة، يرهبه الجميع ويعمل له ألف حساب، وكانت تربيته لأبنائه تربية محافظة، مراعيا الأصول والتقاليد الصارمة، التي لا يجرؤ أحد أن يتعداها، وأوامره نافذة لا تناقش.
لكنه كان خارج البيت نقيض ذلك، يعشق العوالم والراقصات، ويشرب ويرتاد مجالس الأنس واللهو، وله صحبته التي اعتاد السهر معهم ومجالستهم.
إن هذه الازدواجية في شخصيته ليست غريبة على المجتمع المصري، خاصة في هذه الفترة، وقد أقر نجيب محفوظ بأن شخصية أحمد عبد الجواد هي شخصية حقيقية يعرفها تمام المعرفة وجالسه كثيرا.
وقد أصبحت شخصية (سي السيد) بعد ذلك، خاصة بعد تجسيدها سينمائيا، إحدى الموروثات الشعبية، ويضرب بها المثل في سيادة الرجل وتحكمه، وتسلطه وامتلاكه للسلطة المطلقة في البيت.
وتعرضت شخصية (سي السيد) للنقد كثيرا، خاصة تلك الازدواجية التي يمارسها في حياته، فرب الأسرة لا بدَّ أن يكون قدوة لأبنائه في أخلاقه وسلوكه سواء داخل البيت أو خارجه، بينما يرى البعض أنه ربما يكون من الإيجابيات في شخصية (سي السيد) أن سلوكه خارج البيت لم يؤثر على صورته داخل البيت وتربيته لأبنائه، فهذا الفصل الذي قام به في سلوكه داخل البيت وخارجه، ربما يكون من إيجابيات الشخصية.
ولعل هذا الرأي له وجاهته، خاصة إذا استطاع الإنسان أن يفصل بين حياته داخل بيته وبين حياته خارجه، ولكن الإشكالية عندما يتسرب هذا السلوك ويفتضح أمره أمام أحد أفراد الأسرة وهو ما حدث في الرواية مع الابن الأكبر الذي كان على علم بسلوك والده، وتأثر به وحذا حذوه.
لقد كانت الثلاثية خاصة الجزء الأول (بين القصرين) هي درة أعمال نجيب محفوظ، والتي جعلت من نجيب محفوظ عميدا للرواية العربية، وكانت من أهم مسوغات حصوله على جائزة نوبل في الأدب.
|
هل لديك تعليق؟
الاسم : |
|
البريد الالكتروني : |
|
موضوع التعليق : |
|
التعليق : |
|
|
|
|
|
|
|
|
|