|
دراسات نقدية |
قراء في رواية "عنكبوت في القلب"
|
|
|
|
|
القاهرة 11 نوفمبر 2025 الساعة 10:14 ص

بقلم: حسن غريب أحمد
مفتتح :
تقدم رواية عنكبوت في القلب للكاتب محمد أبو زيد تجربة سردية متشابكة، تجمع بين الواقع والخيال، وتستعرض حياة بطلة الرواية ميرفت عبد العزيز في بعد نفسي واجتماعي معقد. الرواية لا تركز على الحبكة البوليسية أو الأحداث التقليدية، بل على البنية النفسية للشخصيات، وارتباطها بالفضاءات المختلفة (الإسكندرية، القاهرة، السينما، المترو) كرموز تمثل تجارب داخلية وعاطفية.
تطرح الرواية أسئلة عن الوحدة، العزلة، الهروب من الواقع، ومقاومة المجتمع للذات المتميزة، لتخلق أرضية غنية للتحليل النقدي، حيث يمتزج السرد الواقعي مع الرمزية الفلسفية والأسطورية.
-
الفصل الأول: بدايات ميرفت
يتضح منذ البداية أن الشخصية الرئيسية، ميرفت عبد العزيز، متميزة في إدراكها للعالم، لكنها تعيش شعورًا بالاغتراب النفسي والاجتماعي. استحضار الكاتب لأماكن محددة، مثل البحر في الإسكندرية، يرمز إلى البدايات والنشوء النفسي، بينما صوت ارتطام الموج بالصخور يمثل تداخل الخيال بالواقع.
ميرفت تمثل الشخصية الحدية بين العالم الداخلي والعالم الخارجي، فهي ترصد كل شيء حولها، لكنها تحافظ على حاجز نفسي يقيها من الانصهار في المجتمع. هذه الطبقة من الوصف النفسي تجعلها شخصية قابلة للتحليل النفسي الأدبي، حيث تتقاطع مع نظريات الوحدة والانعزال كما عرضها نيتشه وبعض الفلاسفة المعاصرين.
-
الفصل الثاني: القاهرة والمساحات الحضرية
عند انتقال ميرفت إلى القاهرة، يتغير الإطار المكاني لتصبح المدينة رمزًا للاندماج الاجتماعي والإخفاء الذاتي. وصف الكاتب لمحطة مصر، المترو، الشوارع المكتظة بالوجوه، يعكس تجربة الغربة الحضرية والانصهار في الجماعة، كما يظهر من خلال تشبيه البطلة نفسها بالعنكبوت الذي يبني بيتًا يحميه.
الرواية هنا تقدم قراءة اجتماعية دقيقة عن الفرد في المدينة الكبرى، عن الشعور بالضياع وسط الحشود، وعن خلق طقوس شخصية يومية كآلية للبقاء النفسي. ميرفت لا تهرب من الواقع فحسب، بل تفرض على نفسها قواعد للحياة اليومية، مما يعكس وعيًا استراتيجيًا بالبقاء النفسي والاجتماعي في بيئة عدائية.
-
الفصل الثالث: الأسطورة والخيال
الرواية تستخدم الأساطير والتاريخ القديم كمرآة لفهم الذات. الجزء الخاص بالأساطير اليونانية، هرقل، أطلانطس، ومدينة طنجة، ليس مجرد حشو ثقافي، بل يوضح بحث ميرفت عن جذور هويتها وارتباطها بالأصل والأسطورة.
الكاتب يربط بين الخيال والأسطورة والتجربة الحياتية اليومية بطريقة توضح أن الشخصيات ليست مجرد أفراد يعيشون أحداثًا، بل تمثل تجسيدًا لرحلة الإنسان النفسية والمعرفية. ميرفت تبحث عن حل اللغز الداخلي، عن معنى لحياتها، وعن تجربة الحب والأمان، وهو ما يظهر في مراقبتها للرجل ذي الجوربين المختلفين.
-
الفصل الرابع: الحب والوحدة
الرواية تقدم نظرة مغايرة للحب؛ فهو ليس فقط علاقة بين شخصين، بل أمان نفسي وتجربة انعزال مشتركة. لقاء ميرفت بالرجل في السينما يعكس ذلك: الحب هنا تجربة وجودية، وسيلة لاختبار الأمان والاتصال الإنساني، دون التعلق التقليدي.
الأسلوب السردي يعكس التداخل بين الواقع والخيال النفسي، حيث يتم وصف الفيلم والشخصيات على أنه امتداد للعالم الداخلي لميرفت، وهذا يعكس قدرة الرواية على مزج الأسلوب الواقعي بالسرد النفسي العميق.
-
الفصل الخامس: العزلة ورفض التكيف الاجتماعي
الرواية تعرض النزعة الانعزالية لميرفت كآلية دفاعية، في مواجهة المجتمع الذي يرفض الاستقلالية. الكاتب يوضح كيف يفرض المجتمع قيودًا على الفرد المتميز، وكيف يخلق ضغطًا دائمًا لإخضاع الذات الفردية لقالب الجماعة.
ميرفت تبني عالمها الخاص من العناكب، البنات الشعرية، الكتب، والهوايات الفردية، لتبقى متصلة بالواقع لكنها حرة داخليًا. هذه الطبقة من السرد تقدم تحليلًا فلسفيًا للحرية الفردية في مواجهة قوى المجتمع، وتوضح قوة الكاتب في استثمار التفاصيل اليومية كرموز نفسية.
-
الفصل السادس: الروتين والرتابة اليومية
الفصل يعكس الرتابة اليومية كوسيلة لفهم الذات، فالعمل، المترو، شراء الطعام، مراقبة الأشخاص، كلها طقوس تمنح البطلة شعورًا بالسيطرة على الحياة. الرواية توضح أن الرتابة قد تتحول إلى ملاذ نفسي، وأن التفاصيل اليومية تحوي رمزية عميقة، وتكشف عن صراع الفرد بين الروتين والحرية، بين الذات والمجتمع.
-
الفصل السابع والأخير: التجربة الروحية والتحرر
في الفصل الأخير، تتخذ الرواية طابعًا ميتافيزيقيًا وفلسفيًا، حيث يتحول الملاك تأبط شراً إلى كيان روحاني، وتختفي كل الأشياء المادية. هذا التحول يعكس التحرر الداخلي والسمو الروحي، ويؤكد على الفكرة المحورية للرواية: البحث عن الذات، والحفاظ على القلب كما لو كان شاعرًا، ومقاومة الرتابة والاعتياد.
الرواية تنتهي بدون معجزة خارجية، لكنها تمنح القارئ تجربة فلسفية للحرية الداخلية، وقوة العزلة والذات.
أسلوب الكاتب هنا يجمع بين السرد الرمزي، والتجربة الداخلية، والخيال الميتافيزيقي، مما يجعل الرواية تجربة قراءة غنية ومتعددة الأبعاد.
رواية عنكبوت في القلب ليست مجرد سرد أحداث، بل تحليل نفسي واجتماعي وفلسفي للشخصية الإنسانية في مواجهة الوحدة، والعزلة، والضغوط الاجتماعية.
الأسلوب الأدبي يجمع بين الواقعية السردية، والرمزية الأسطورية، والخيال النفسي.
الشخصية المحورية، ميرفت عبد العزيز، تمثل التجربة الإنسانية في البحث عن الذات والحفاظ على الحرية الداخلية، وتبرز الرواية قدرة الأدب على المزج بين الواقع والخيال والرمزية العميقة، لتقديم تجربة قرائية تتجاوز مجرد التسلية، إلى قراءة نقدية وفلسفية للحياة المعاصرة.
|
هل لديك تعليق؟
|
الاسم : |
|
|
البريد الالكتروني : |
|
|
موضوع التعليق : |
|
|
التعليق : |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|