|
خواطر و اراء |
كي تفهم نفسك.. اكتب (19)
|
|
|
القاهرة 13 مايو 2025 الساعة 11:42 ص

قلم: شيماء عبد الناصر حارس
أحزن، أتحرك، أكتب..
هكذا أحارب الاكتئاب، بمجرد الإحساس الحزين أن يتسرب إلى قلبي أو روحي، أتحرك، وأكتب، بالحركة أعطي الفرصة لقلبي كي سيتنشق، بالكتابة أمنحه الهواء الذي يستنشقه، أنظف المنزل حتى أزيل شيئًا من ضوضاء العالم من حولي، أتحرك حتى أغير من كيمياء المخ فيكون لدي القدرة على المقاومة، أما عن الكتابة فأنا أفضح الحزن أمام نفسي، هذا هو ما يرهقك ويتعبك، رأيتِ كم هو ضئيل وحقير أمامك، كيف تجر هذه النملة فيل، أتسمحين لتلك النملة أن تجرك من أنفك وأنت من أنت في هذا العالم، يرهق روحك، يبكيك، على ماذا، لا شيء، فراغ، مجرد فكرة سخيفة خطرت ببالك، قفزت إلى عقلك وسحبتك إلى هوة النكد، أعتقد أن المرض النفسي مزمن، بمجرد أن يصيب الشخص فهو يلازمه طول الحياة مثل أمراض الضغط أو السكر، ليس لها علاج نهائي ولكن من حسن الحظ هناك طرق للتعايش، المتابعة المستمرة وربما الأدوية تشبه حقنة الأنسولين، نستطيع الوصول للخط المستقيم بالأدوية والعلاج النفسي المتواصل، بمجرد أن يشعر الشخص أنه تم شفاؤه نهائيًا سينتكس، الأمراض المزمنة تحتاج معجزات، وانتظار المعجزة هو شيء من تضييع الوقت والعمر، فلنأخذ الخطوة التالية ونتابع الحياة ونسير فيها مع المرض، سيصبح أقرب لنا من أي شخص، ربما نصاحبه، المرض نفسه ربما يتعب من نفسه، نعاونه على الحياة، فنصبح أصدقاء ويتماهى كل منا مع الآخر، نتفهمه بكل الطرق، كما يحاول هو تفهمنا والتعايش داخلنا، يخبرنا أسراره، ونخبره كيف نحاول تمرير تقلباته.
مثل التمارين الرياضية، أعلى أسفل، يمين يسار، تأخذني موجة علو وتقذف بي أخرى إلى أسفل، بالطبع أتأثر بالكثير من الأشياء، فالأحداث السياسية والجتماعية تأخذني معها في التيار الجارف، أتمنى كل يوم لو أني أغلق هاتفي ولا أقرأ المنشورات الخاصة بالسياسة والاقتصاد تحديدًا.
وحتى مع قراءة الكتب، أحيانًا تصيبني القراءة بالغربة أو مشاعر التماهي مع عدم استقرار البطل أو الأبطال، أو التحولات مع الأحداث، أدخل في عالم الكتاب وأشعر بالأسى، أحتاج لبعض الوقت والاسترخاء في المنتصف.
أحتاج للعودة إلى نفسي، إلى خط التوازن الصغير الذي أضعه كل يوم كي أسير عليه، أنا هنا الآن، قدمي تلمس أرض الغرفة، بيدي تمسك القلم، روحي تسكن جسدي، عيني تنظر إلى الورقة، عقلي يفكر ويدور وأنا أحاول التشبث به، وربطه بأي شيء ثابت، قلبي يدق، يضخ الكلمات ويحولني إلى ريشة في مهب الريح، وجسدي ضعيف وركبتي تؤلمني، فقط تمسح الكلمات التراب عن مشاعري، تنظفني، تغسلني، أعود كما كنت هادئة، أجوائي مناسبة لمواصلة القراءة مرة أخرى، أقرأ لبعض الوقت وتنهشني تفاصيل الحياة في الكتب، تغير مزاجي مرة أخرى، أنا مريضة بهذا الشيء المتغير (أعلى وأسفل) (يمينًا ويسارًا) رغم ولعي بالاستقرار، أبحث عما أفتقد إليه، أحتاج إلى نفس عميق، استنشق خلاله الهواء حتى يبدأ في ترتيب عضو واحد على الأقل هو رئتي، التفكير في الحية، الموت، الزمن وكل الأشياء التراجيدية هو ما يسحبني إلى هوة الحزن العميق، أشد يدي لأخرج لأنها أشياء ليست في يدي مطلقًا.
لا تنتهي الدوامة فأنا ما زلت على قيد الحياة، مريضة بالقلق، أغمس يدي في الحروف كي تطهرني منه، في الصباح يستيقظ معي الحزن وأهشه أمامي كي نتحرك معًا، أحاول مسايرته والتلاعب به حتى أستطيع الهروب منه، وأنا أجلس في الأتوبيس أهدهد القلق بالحديث معه، أحاول تدليك رأسه كي يتركني قليلا ويركز في صفحة الماء التي تملأ شاشة زجاج الأتوبيس بجوار مقعدي.
أكتب ثم أكتب ثم أكتب دون توقف، كل حركة، كل موقف، كل صوت أسمعه داخل عقلي، كل ذرة حزن صغيرة، لأني ليس لدي إلا الكتابة، أفكر في اللاشيء وفي كل شيء، أحزن على الحياة، وأقلب اكتئابي في الورق.
ماذا يقول الاكتئاب؟
يحدثني عن المستقبل البعيد، وعبثية الحياة، الموت، لماذا أفكر في الموت صباحًا وأنا في طريقي للعمل، هذه الفترة تحديدًا يصاحبني الاكتئاب ويثرثر بكثرة وأنا هنا أحاول المناقشة معه على الورق والجدال، من منا على حق ومن منا على الباطل، ومتى ستنتهي هذه الزيارة الثقيلة، وأعود للابتهاج مرة أخرى.
سأعود وستستمر معي الكتابة، صديق وفي أغوص به داخل نفسي. أستنشق الهواء.
|
هل لديك تعليق؟
الاسم : |
|
البريد الالكتروني : |
|
موضوع التعليق : |
|
التعليق : |
|
|
|
|
|
|
|
|
|