|
آثار |
الإسكندرية.. عاصمة مصر والعالم القديم
|
|
|
القاهرة 13 مايو 2025 الساعة 11:39 ص

بقلم: د. حسين عبد البصير
لم تكن الإسكندرية مجرد مدينة على ساحل المتوسط، بل كانت قلب مصر النابض وعاصمتها لحوالي ألف عام، وتحديدًا منذ تأسيسها عام 332 قبل الميلاد على يد الإسكندر الأكبر، وحتى دخول العرب إلى مصر عام 641 ميلادية. في تلك القرون، لم تلمع الإسكندرية كعاصمة فقط، بل تألقت كمركز للعلم، والثقافة، والسياسة، والتجارة، والفكر الإنساني.
مدينة وُلدت لتكون عظيمة
منذ اللحظة الأولى، رسم لها الإسكندر الأكبر رؤية مختلفة. أوكل مهمة تصميمها للمهندس اليوناني الشهير دينوقراطيس، الذي وضع لها تخطيطًا شبكيًا صارمًا، تتقاطع فيه الشوارع الرئيسية بزوايا قائمة، ويحيط بها ميناءان عظيمان: أحدهما شرقي، والآخر غربي، ما جعلها عقدة مواصلات بحرية عالمية.
لكن سحر الإسكندرية لم يكن فقط في تخطيطها العمراني، بل في معالمها التي دخلت كتب التاريخ:
• منارة الإسكندرية، التي ارتفعت إلى 120 مترًا واعتُبرت من عجائب الدنيا السبع.
• المكتبة الملكية، التي ضمّت أكثر من 700,000 مخطوطة، واستقطبت علماء مثل إقليدس وأرخميدس.
• الموسيون، أول معهد أبحاث حقيقي في العالم القديم.
• المسرح الروماني وعمود السواري، وشواهد أخرى على مزيج حضاري فريد جمع بين مصر، واليونان، وروما.
عاصمة التجارة والسياسة والفكر
احتلت الإسكندرية مكانة اقتصادية استثنائية. فقد كانت بوابة مصر إلى البحر المتوسط، ومنها تتدفق البضائع القادمة من الشرق إلى الغرب: الحرير، التوابل، البخور، والمعادن. موقعها الاستراتيجي عند مصب نهر النيل جعلها محطة لا غنى عنها لتجار الإمبراطوريات.
سياسيًا، كانت مقراً للملوك البطالمة الذين حوّلوها إلى مركز للسلطة. دُفن فيها الإسكندر نفسه، وأقيمت بها قصور عظيمة، مثل قصر المنارة، الذي صار رمزًا للهيبة الملكية. أما ثقافيًا، فقد كانت بوتقة تنصهر فيها حضارات ثلاث: المصرية، واليونانية، والرومانية، وهو ما جعلها مدينة عالمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
نهاية المجد السياسي
كل قصة عظيمة، لا بد أن يطالها الغروب. بعد الفتح الإسلامي عام 641 م، قرر القائد عمرو بن العاص تأسيس عاصمة جديدة هي الفسطاط، في موقع أقرب للنيل وأسهل في الدفاع عنه. بذلك بدأت الإسكندرية تفقد مكانتها السياسية.
لاحقًا، ضربتها الزلازل فدمرت منارتها الشهيرة وأغرقت أجزاء من أحيائها. وفي العصر الفاطمي، نُقلت عاصمة البلاد إلى القاهرة عام 969 م، لتتحول الإسكندرية إلى مدينة ميناء كبرى، لكنها لم تعد مركز القرار.
إسكندرية اليوم.. إرث لا يزول
رغم مرور أكثر من ألف عام على فقدانها للقب "العاصمة"، لم تفقد الإسكندرية جوهرها. عادت مكتبة الإسكندرية إلى الحياة عام 2002 كأيقونة ثقافية حديثة. واكتُشفت في الأعوام الأخيرة كنوز أثرية غارقة مثل مدينة هيراكليون، أعادت تسليط الضوء على عمقها التاريخي.
ولا تزال قلعة قايتباي، والمسرح الروماني، والمتاحف، والأسواق، والميناء القديم، تستقطب الزوار من كل أنحاء العالم، بحثًا عن عبق مدينة جمعت يومًا ما بين المجد، والجمال، والحكمة.
الإسكندرية ليست مجرد فصل في كتاب تاريخ مصر، بل هي أحد عناوينه الكبرى. مدينة كانت في زمن ما عاصمة للعقل والحضارة، ولا تزال حتى اليوم، رغم التحديات، مدينة لا تعرف النسيان.
|
هل لديك تعليق؟
الاسم : |
|
البريد الالكتروني : |
|
موضوع التعليق : |
|
التعليق : |
|
|
|
|
|
|
|
|
|