|
آثار |
فن النحت البطلمي واكتشاف تمثال الإسكندرية
|
|
|
القاهرة 21 يناير 2025 الساعة 10:23 ص
![لا يتوفر وصف.](https://scontent.fcai19-3.fna.fbcdn.net/v/t1.15752-9/473412516_2767884316754518_946014616932489985_n.jpg?_nc_cat=109&ccb=1-7&_nc_sid=9f807c&_nc_ohc=yBQyvClIOLUQ7kNvgE52suS&_nc_oc=AdicAqOtZNaJ8oMaApwSgOT4ZvNjB7TdqIw1nZaq9AWF2VEXTNk1ScnPMCgyIGa5n5E&_nc_zt=23&_nc_ht=scontent.fcai19-3.fna&oh=03_Q7cD1gGkwkzquj7r7WqcR1QxvErZItLXZwvXH2U_x4NCyt5FsA&oe=67B6DB79)
بقلم: د. حسين عبد البصير
شهد العصر البطلمي (323–30 ق.م) طفرة حضارية وفنية بارزة نتيجة التفاعل الثقافي بين الحضارتين المصرية واليونانية. اتخذ بطليموس الأول من الإسكندرية عاصمة لمملكته، مما جعلها مركزًا للتواصل الثقافي والمعرفي، وهو ما انعكس بقوة في الفن، خصوصًا في النحت. تمثل التماثيل البطلمية مزيجًا فريدًا بين الرمزية المصرية التقليدية والواقعية اليونانية، وهو ما يمكن ملاحظته في الاكتشافات الأثرية، ومنها رأس تمثال بطلمي عُثر عليه حديثًا في الإسكندرية.
يُعد هذا الرأس المكتشف نموذجًا مميزًا لفن النحت البطلمي، حيث يعكس تفاصيل دقيقة تنم عن براعة حرفية واضحة. الرأس الذي عُثر عليه في منطقة تابوزيريس ماجنا، على بعد 45 كم غرب الإسكندرية، يظهر ملامح رجل مسن حليق الرأس، وجهه مليء بالتجاعيد، وتبدو عليه الصرامة وعلامات المرض. هذه الملامح تشير إلى أنه كان من كبار الشخصيات العامة، مما يعكس المكانة الاجتماعية العالية للشخص الذي يمثلها. يمكن ملاحظة أن الرأس أكبر من الحجم الطبيعي للإنسان، حيث يبلغ ارتفاعه نحو 38 سم، مما يشير إلى أنه كان جزءًا من تمثال ضخم كان يُعرض في مكان ذي أهمية سياسية وعامة، مثل معبد أو قصر ملكي، وليس في منزل خاص.
تمت دراسة الرأس وكشف عن مستوى عالٍ من المهارة الفنية التي امتلكها النحاتون البطالمة. كما تبين أن الرأس قد نُحت من الرخام المستورد أو الحجر الجيري المحلي، مما يعكس مستوى التطور في التجارة والفن في تلك الفترة. يعزز هذا الاكتشاف الواقعية التي كان يتميز بها الفن البطلمي.
تشير الدراسات الأثرية إلى أن التماثيل البطلمية لم تكن مجرد قطع فنية بل كانت تُستخدم كرموز تعكس قوة الحاكم وعلاقته بالآلهة. فإذا وُجد الرأس في معبد، فقد يكون تمثالًا طقسيًا يرمز إلى قدسية الشخصية الممثلة، بينما إذا وُجد في قصر ملكي، فقد يكون تجسيدًا للسلطة السياسية. يعزز السياق الزمني المرتبط بالاكتشاف من تلك الفرضيات، مما يفتح آفاقًا لفهم أعمق لدور تلك التماثيل في تشكيل الهوية الثقافية والسياسية لمصر خلال الفترة البطلمية.
يُظهر الرأس المكتشف تفاعلًا واضحًا بين الرمزية المصرية والواقعية اليونانية، وهو ما يعكس التوجه الفني البطلمي الذي دمج بين تقاليد مصر القديمة وأساليب الفن الهيليني. تتجلى تلك المزاوجة في ملامح الرأس، حيث تجمع بين العينين الكبيرتين والتفاصيل الدقيقة التي تتسم بها الرمزية المصرية، مع التشريح المتقن والتسريحات المعقدة التي هي من سمات الواقعية اليونانية. تجعل تلك المزاوجة من التماثيل البطلمية نقطة التقاء بين الثقافتين وتُظهر التأثيرات المتبادلة بينهما.
كانت الإسكندرية، باعتبارها عاصمة البطالمة، نموذجًا للتنوع الثقافي والحضاري. لعبت المدينة دورًا رئيسيًا في دمج الفنون المصرية واليونانية، وهو ما ظهر في العمارة والنحت والفنون الزخرفية. كانت التماثيل تُنصب في الأماكن العامة والمعابد، لتعكس مزيجًا بين الموروث المصري القديم والتقاليد الهيلينية، مما جعل الإسكندرية رمزًا للإبداع والتجديد الفني. وقد ساعد ذلك البطالمة على تعزيز شرعيتهم السياسية والدينية من خلال استخدام الفن كأداة سياسية تروج للهوية البطلمية.
يُعد الاكتشاف الأخير لرأس التمثال في الإسكندرية إضافة مهمة لدراسة العصر البطلمي وفنونه. من خلال التحليل العلمي المتقدم، يمكن استكشاف المزيد عن طبيعة ذلك الرأس، سواء أكان يمثل شخصية من البيت المالك أو من النخبة الحاكمة. يمكن أيضًا مقارنة ذلك الرأس مع تماثيل أخرى محفوظة في المتاحف العالمية مثل المتحف اليوناني الروماني في الإسكندرية أو المتحف البريطاني، مما يعزز من الفهم لدور الفن البطلمي في تشكيل الهوية الثقافية والسياسية لمصر في تلك الحقبة.
يمثل فن النحت البطلمي إحدى أبرز إنجازات تلك الحقبة، حيث استطاع أن يجمع بين الواقعية اليونانية والرمزية المصرية لخلق أسلوب فني مبتكر وجديد. تساهم الاكتشافات الأثرية المستمرة، مثل رأس التمثال المكتشف حديثًا، في إثراء الفهم لذلك الفن وتقديم صورة أوضح عن دوره في توثيق التفاعل الثقافي بين مصر واليونان. تعكس تلك الاكتشافات عظمة الإبداع الفني في العصر البطلمي وتؤكد على أهمية استمرارية البحث والدراسة لكشف المزيد من أسرار تلك الفترة التاريخية الفريدة.
|
هل لديك تعليق؟
الاسم : |
|
البريد الالكتروني : |
|
موضوع التعليق : |
|
التعليق : |
|
|
|
|
|
|
|
|
|