|
القاهرة 08 اكتوبر 2025 الساعة 12:00 م

بقلم: محمد خضير
في لحظة تاريخية تمزج بين الفخر الوطني والرمزية الحضارية، دوّت في أروقة العالم الثقافي أنباء فوز الدكتور خالد العناني بمنصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، ليصبح بذلك أول مصري وعربي يتولى قيادة هذه المؤسسة الدولية العريقة.
ولذلك اكتب مقالى هذا لإن الحدث يتجاوز حدود المنصب الرسمي ليغدو انتصارًا ثقافيًا وإنسانيًا يُعيد إلى الواجهة الدور المصري الأصيل في صياغة الوعي العالمي بالثقافة والمعرفة والسلام.
* مصر على قمة الثقافة العالمية
ليس غريبًا أن تتجه أنظار العالم نحو مصر حين يُذكر اسم الثقافة أو التاريخ أو التراث، فهي أول مدرسة للإنسانية، ومنها انطلقت أولى الشرائع والعلم والفنون.
واليوم، حين يتقلد عالم مصري هذا المنصب الرفيع، فإن الأمر يبدو وكأنه عودة رمزية للتاريخ إلى موطنه الأول؛ حيث تتجسد حضارة السبعة آلاف عام في شخص يمثلها بعلمٍ ورؤيةٍ وخبرةٍ واعتزاز.
فمنذ تأسيس منظمة اليونسكو عام 1945، وهي تعمل على تعزيز الحوار بين الحضارات، ونشر التعليم، وصون التراث الثقافي والإنساني، ولكنّها لم تعرف قيادة عربية مصرية حتى الآن.. وجاء فوز الدكتور خالد العناني ليكسر هذا الحاجز، مؤكّدًا أن مصر لا تزال في طليعة الدول التي تصنع التاريخ الثقافي الإنساني.
* من عالم الآثار إلى قائد للثقافة العالمية
يمثل الدكتور خالد العناني نموذجًا للمثقف الأكاديمي العصري، الذي يجمع بين الخبرة العلمية والقدرة الإدارية والرؤية الإنسانية.. فهو خريج كلية الآثار بجامعة القاهرة، تقلّد العديد من المناصب المرموقة أبرزها وزير السياحة والآثار، حيث أدار ملفات كبرى أعادت لمصر مكانتها على خريطة التراث العالمي.
ارتبط اسم الدكتور خالد العنانى بافتتاحات ومشروعات قومية كبرى مثل المتحف القومي للحضارة المصرية، وطريق الكباش بالأقصر، ونقل المومياوات الملكية في مشهد عالمي أبهر العالم، ورسّخ صورة مصر الحديثة بوصفها دولةً تجمع بين عبق التاريخ وروح المستقبل.
ومع كل هذا الإرث العلمي والإداري، جاء ترشحه لليونسكو محاطًا بإجماع دولي يعكس تقدير المجتمع الدولي لشخصية تمتلك رؤية ثقافية شاملة لا تقتصر على الآثار، بل تمتد لتشمل التعليم، والعلوم، والحوار الإنساني.
* "اليونسكو من أجل الشعوب".. شعار يعبّر عن رؤية:
رفع الدكتور خالد العناني شعار حملته الانتخابية "اليونسكو من أجل الشعوب"، في تعبيرٍ بليغ عن فهمه العميق لرسالة المنظمة.. ليوكد أن الثقافة مجرد ترفٍ معرفي، بل هي جسر للتواصل بين الأمم، وأداة لصون الهوية، وبوابة لصناعة السلام.. وتنطلق هذه الرؤية من فلسفة مصرية عريقة تعتبر أن الثقافة والتعليم والعلم وسائل لتقريب البشر لا لتقسيمهم.
من هنا، يتوقع المتابعون أن يقود "العناني" مرحلة جديدة في تاريخ المنظمة، تتسم بالتوازن بين التراث والحداثة، وبالاهتمام الحقيقي بقضايا الشعوب النامية التي طالما ظلت في هامش السياسات الثقافية الدولية.
* فوز يحمل دلالات ثقافية
ولذلك أري أن انتخاب الدكتور خالد العناني يحمل رسائل متعددة المستويات:
- على الصعيد المصري: هو تتويج لجهود الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي في استعادة الدور الثقافي والحضاري لمصر إقليميًا ودوليًا.
- على الصعيد العربي والأفريقي: هو تأكيد على أن المنطقة العربية قادرة على تقديم كفاءات ثقافية وفكرية وإدارية مؤثرة في المنظمات العالمية.
- على الصعيد الدولي: يعكس الثقة في النهج المصري المتوازن الذي يدعو إلى الحوار والاعتدال والانفتاح الثقافي، خاصة أن اليونسكو، التي كانت تواجه في السنوات الأخيرة تحديات تتعلق بالتمويل والتوازن بين الدول الأعضاء، تجد في القيادة المصرية رؤية إصلاحية تقوم على ترميم الجسور، لا بناء الجدران.
* ثقافة تصنع السلام
سيكون من أهم الملفات التي يتعامل معها الدكتور خالد العناني، إعادة الاعتبار لمفهوم الثقافة كقوة ناعمة لصناعة السلام، خصوصًا في عالم يعاني من الحروب الفكرية والانقسامات الثقافية، وكذلك لأن مصر التي قدّمت للعالم أول جامعة وأول مكتبة، قادرة اليوم من خلال ممثلها في اليونسكو أن تذكّر العالم بأن العلم بلا قيمٍ لا يبني إنسانًا، وأن الثقافة بلا هويةٍ لا تُثمر حضارة.
* نصرٌ جديد يُضاف لسجل الوطن
فوز الدكتور خالد العناني ليس مجرد تكليف دولي، بل انتصار للهوية المصرية التي استطاعت أن تحافظ على مكانتها في كل العصور رغم التحديات، وأنه امتداد لمسيرة أجيال من المبدعين والعلماء المصريين الذين رفعوا راية مصر في مجالات الثقافة والفكر والآثار والتعليم.. واليوم، مع تولي الدكتور خالد العناني قيادة منظمة اليونسكو، يكتب التاريخ صفحة جديدة عنوانها:
"مصر لا تكتفي بصناعة الحضارة.. بل تُدير بوصلتها في العالم."
* هدية للعالم
واخيرا وليس بآخر.. فـ"اليونسكو" اليوم ترتدي ثوبًا مصريًا مفعمًا بالهوية والرؤية والعراقة.. قيادتها الجديدة ليست فقط انتصارًا لمصر، بل هدية للعالم من أرض الكنانة التي ما زالت تؤمن بأن الإنسان هو جوهر الحضارة، وأن الثقافة هي الطريق إلى غدٍ أفضل، وأنها بداية مرحلة جديدة تتحدث فيها مصر بلغة العالم، ويستمع فيها العالم إلى صوت مصر: صوت الحكمة، والعلم، والسلام.


|