|
القاهرة 07 اكتوبر 2025 الساعة 09:18 ص

شعر: كريم عبد السلام
"بالاد"
ماذا كانت الأرض قبل النسيان؟
وردةً حمراء؟
بحيرةً
قمراً
فتاةً جميلة
نجمةً بعيدةً لامعة يعرفها العشاق؟
يقولون إنها كانت شمساً
نعم ، تقول الأرواح التى تهمس لنا:
ليس كمثلها شمس
زرقاء، تُلهم الشعراء
تدور حولها كواكبُ بالمئات
حرارتها خفيفةٌ مثلُ أمسياتِ الخريف
مثل نار الكحول
لا تحرق، بل تخطف الأبصار والأرواح
.......
كانت تعرف أنها الأجمل
وترى صورتها فى مرايا العيون، قبل أن تطمسها
وفى شهقات المحتضرين، الذين تخطف أرواحهم وتزهو
لا تسأل إلا سؤالاً واحداً:
من أجملُ مِنّى
من أبهى مِنّى
وفى يومٍ..
سَكِرتْ الشمسُ الزرقاء من كثرة ما خطفت من أبصار وأرواح
ودفعتها النشوة لتجأرَ أمام الكون كله
من أجملُ مِنّى
من أبهى مِنّى
وتردد السؤال فى الكون، فسقطتْ مجراتٌ وانفجرتْ مجراتٌ، ونشأتْ ظلماتٌ وبادتْ كواكبُ وشموسٌ وأقمارٌ، واحترقتْ حيواتٌ وإرادات، واصطدمت الشهبُ بالكواكب السيارة والكواكب الحارسة، ووصلت صيحات الاستغاثة عبر الأزمنة
وكان لا بدَّ أن يتدخلَ الحكيمُ..
أَمَرَ النسيانَ أن يغمرَ الشمسَ الزرقاءَ وأن يعيد تسميتها بالأرض، تحقيراً لها، وأن يهبط بها إلى مدار أدنى الشموسِ، الشمسِ الحارقة
ولم يكتف الحكيمُ
أيها النسيان، أريدها أن تبكى.. أريدها ألا تتوقف عن البكاء
ليكن قَدَرُها أن تدور حول الشمس الحارقة عاماً كاملاً، تحترق أطرافُها فى الصيف، وتتجمد ذوائبها فى الشتاء، ثم تعيد الدورة من جديد، لتدرك أن دوام الحال من المحال.
لا بدّ أن تعرف الجميلةُ الزرقاءُ قَدْرَها..
مجردُ فراشةٍ حول نار أوقدها رجلٌ من قبيلة رحّالة، والقبيلةُ وفدتْ من قريةٍ بعيدةٍ، ومرّتْ فى طريقها على آلاف القرى، وفى كل توقّفٍ أوقدتْ ناراً، هامتْ حولها فراشاتٌ لا تُحصى، لا يعبأ بمصيرها أحد، ولا يلتفت أحدٌ إلى رقصتها الوحيدة التى تختزل حياتَها
أيها النسيان، اجعلْ الأرض تدور وتدور
وفى كل دورة تبكى وتطلب الصفح والأمان
ولم يعد أحد يعرف أو يذكر الشمس الزرقاء، لأن النسيان يغمرها
أما الأرض، فجميع الكائنات تعرف أنها تدور حول الشمس الحارقة، ومن بكائها الذى نسميه مطراً، تشكلت الأنهار والبحيرات، وامتلأت مدنُها وجحورُها بالسفاحين والمجرمين والمختلين
النسيانُ مأمورٌ أن يلازم الشمسَ الزرقاء
إلى متى؟ الزمانُ غيبٌ والأجلُ محجوب
لكنَّ المؤكدَ، أنّ ما من كائنٍ عنَّ له تكرارَ سؤالها:
"مَن أجملُ مِنّى.. مَن أبهى مِنّى"
إلا وغَمَرهُ النسيانُ على الفور
وسرعان ما يفقد وجودَه المكنونَ فى اسمه،
ويظلّ يدور فى مكانه على الرصيف..
حتى يتراكمَ عليه التراب.
|