|
القاهرة 07 اكتوبر 2025 الساعة 09:13 ص

بقلم: شيماء عبد الناصر حارس
معاناتنا كنساء هي الأكثر ألمًا على الإطلاق، فمثلا يقهر الرجال زوجاتهم أو الإخوة أخواتهم، لكن ماذا عن قهر الأمهات للبنات وقهر الأخوات للأخوات، قهر النساء للنساء هو الأسوأ، هل تعرف تلك الأم ماذا تشعر به ابنتها وهي تضطهدها، لا أعرف ماذا تشعر وهي تترك ابنتها للألم، أم أنها تكره نفسها وتكره ابنتها وتكره كل العالم وتريد فقط أن تجعل الجميع تعساء؟
من المسؤول عن تعاستي؟
من المسؤول عن تعاسة النساء؟
أعتقد الدماء هي المسؤولة، دماء النساء ودموعهن، هذه الدماء لعنة على الجميع، نساء ورجال والجميع حرفيًّا، إن النساء اللاتي قتلن في كل الأرض، بلا ذنب، وبدون عقاب للجاني الذي تسبب في إراقة دمائهن جعل لعنة الدماء تظل على الأرض، دموعي المكتومة الآن هي صرخة ظلم صامتة، أكتب وأنا كسيرة ومهزومة بكل معاني الهزيمة والانكسار والألم، ولكن بعد كل هذا هل تقف النساء في جوار النساء، هل يدافعن عنهن في كل أزمات العالم الحالية، الأصوات خافتة، ربما صوت أو اثنان ليس أكثر.
الجميع نائمون في لعنة الدماء التي تملأ الأرض.
هؤلاء الذين يتحدثون هم فقط يصنعون خطوطًا للمسار في العالم، ونتخفى، نبكي، نشجب، نلعن العالم ونستمر في مجاراة الألم والدموع والانسحاق.
هل الكتابة أيضًا وهم مثل كل شيء تكشفت حقيقته في العالم الآن، هل الحروب مجازر والكلمات دماء؟
الحزن الذي يعتصر القلوب ويتعجب البعض لماذا، ومع وجود كل هذا القهر في العالم، البؤس والظلم والضعف والتجبر والألم، الوضع في غاية التعقيد، هذه الكلمات التي أسمعها كل يوم من الأفواه التي تصفُ أماكن هنا وهناك، لكني مقهورة وحزينة ولا أعرف ماذا أستطيع أن أفعل.
هل الجميع مثلي يشعرون بالألم، الغضب، الحزن، أو فقط الجلوس أمام الكلمات يملئني بالعجز، البكاء حارق والشكوى نفسها مؤلمة، ولمن يشكو الإنسان والجميع متواطئون.
أعرف أن البكاء الذي لم تنزل دموعه وينحبس داخل الجسد، يخرج في صورة بكاء غير مبرر في وقت آخر أو آلام غير معروفة المصدر، أو غيره، إنها مشكلة الجسد والروح في تنسيقات بينهما، لكني في الحقيقة لا أهتم.
أتذكر أن البعض كانوا يخبروني أن كتاباتي حزينة، يوما ما بررت أن الأمر ربما كان مزيجًا من المشاعر أحيانًا حزينة وأخرى جيدة، لا أطيق حتى أن أقول: "سعيدة" لأنها أصبحت كلمة مخجلة بالنسبة لي، لأول مرة أجد أن حزني ليس صندوقًا أو كهفًا يخنقني ولكنه شيء علي فعله كي أشعر ببقايا إنسانية داخلي، مرحبًا بالحزن الآن، ولن أبرر لأحد أني لست كئيبة، لكني إنسانة وأنتم بلا رحمة، وهذا هو الأمر ببساطة.
لي إخوة جائعون، لي إخوة خائفون، لي إخوة يسهرون وأنا نائمة، فكيف لا أكون حزينة، من قبل كنت أعرف أن العالم هو مكان سيء وغير صالح للاستخدام الآدمي، ولكني كنت أحاول، أحاول وحدي أحيانًا ومع آخرين أحيانًا أخرى، لكن كان هناك محاولات، أعتقد أن أغلبها فاشلة، هذا الفشل أحززني، ليس على الأمر بشكل شخصي ولكن على العالم حولي، إنه مظلم ومحزن، إنه قاس وظالم.
قلبي حزين ومكسور ورغم أي أحداث مفرحة أضحك من قلبي وأشعر ببعض الرضا لكني أعود فأذكر الواقع السيء والأموات، والمرضى ومبتوري الأعضاء فأحزن مرة أخرى، أحيانًا أشعر بالذنب لمجرد أني شعرت بلحظة فرح أو تناولت طعامًا شهيًا، ليس ذنبًا بالمعنى المتعارف عليه ولكنها ربما غصة، شيء يشبه الذكريات الأليمة، وكما قال الشاعر نزار قباني:
والموت .. في فنجان قهوتنا
وفي مفتاح شقتنا
وفي أزهار شرفتنا .
وفي ورق الجرائد ..
والحروف الأبجدية ...
وهو ضد الحياة، يصنع مأساة وحزن واعتصار للقلب من الألم، كسرة وانحسار لمساحات الراحة والطمأنينية والسلام، ليس الموت الراضي إنه الموت تحت تهديد، الجوع تحت تهديد، من عرف الجوع مثلي يكرهه، ويكره سيرته، ويتمنى إطعام العالم كله، فقط حتى يهدأ ويسترخي أخيرًا.
ويفضل الجائع وجبة معينة، يحبها ويحب تجهيزها وطبخها، يحلم يومًا ما أن يطبخها كل يوم بطريقته الخاصة ويطعم الجميع منها، ويظل كل يوم يطبخ هذه الوجبة ويطعم الناس حتى يموت، يموت شبعانًا، ويترك الناس شبعى فرحين.
الجوع سيء، الجوع قاس، الجوع مجرم وحقير وهو ينهش الروح والجسد والرغبة في الحياة عموما، الجوع أسوأ شيء في الحياة.
سوف أكتب عن الجوع، طالما الجوع مستمر، فالكتابة مستمرة.
|