|
القاهرة 07 اكتوبر 2025 الساعة 09:11 ص

حوار :مصطفى علي عمار
سمير الفيل، كاتب متعدد الاهتمامات، مواليد 16 يناير 1951 بمدينة دمياط، قضى عمره في مشروع الكتابة، بدأ بالشعر ثم اتجه للرواية وكتب الدراسات النقدية، غير أن جهده الرئيسي تمثل في القصة القصيرة التي حصل فيها على جوائز عديدة : التشجيعية، اتحاد الكتاب، ساويرس فئة كبار الكتاب، الملتقى بالكويت.
كان لنا معه هذا اللقاء..
-
في البداية نعرض عليكم السؤال التقليدي وهو عرف نفسك لجمهورك؟
سمير الفيل. قاص وروائي مصري. بدأت مسيرتي بالشعر خلال حرب الاستنزاف ( 1969ـ 1970) وأخرجت خمسة دواوين شعرية تحول أولها "الخيول" الذي صدر 1982 إلى عرض مسرحي، بعنوان "غنوة للكاكي" 1990 ثم تحولت كليا للقصة القصيرة 2001، ومنذ هذا الحين أصدرت 26 مجموعة قصصية.
-
متى يمكننا القول بأن هذا النص قصة؟
بعد فكرة تداخل الأنواع صار التصنيف صعبا، لكن اجتهادي يتلخص في أن القصة تتضمن بالضرورة حدثًا محوريًّا، وشخصيات يجري بينها صراع عبر مكان محدد وزمن بعينه، والأدوات التي تستخدم لتنضيد النص هي اللغة بكل حمولاتها الجمالية الممكنة.
قد يغيب عنصر مما سبق كالزمان أو المكان، ويستعيض عنهما الكاتب بعناصر أخرى تحمل فكرة الصراع كلما أمكن ذلك، فنص ساكن بلا صراع يكون قليل القيمة، بالإضافة إلى العنوان وهو عتبة أولى للنص، والخطاب الذي يحمله العمل، ونعني بالخطاب الفكرة في تشكلها البنائي والجمالي والتشكيلي.
-
ما سمات القصة التي تميزها عن غيرها من الأشكال الأدبية؟
توجد فوارق بين أساليب القص من كلاسيكي وواقعي ورومانسي وتجريبي، فلا يمكن القول بوجود سمات محددة لكي يصير النص متضمنا شروط الجودة أو القيمة. بل يمكننا القول إن التجريب واحد من خواص الكاتب المجدد فتشكيل القصة به دون شك مساحات تخضع للتجريب من بينها: استخدام تيار الوعي، تداخل الأصوات، غياب الأسماء وتثبيت الصفات، اختراق الأزمنة بشكل متعمد، تبادل الأدوار، فكرة القناع وهي خاصية انتقلت من الشعر إلى السرد.
-
عندما نتحدث عن القصة تطل علينا القصة القصيرة جدًا، فما الفرق بينهما؟
غير مستريح لفن القصة القصيرة جدا، وهذا هو مزاجي الفني وكنت قد كتبت منذ سنوات بعض التجارب لمهرجان جامعة "عجلون" بالأردن، وعندي مجموعة "الأبواب" تتميز بوجود قصص قصيرة في حدود الصفحة ونصف أو الصفحتين، أما القصة القصيرة جدا فهي تخرج عن نطاق الفن السردي المعروف.
قد تكون أقرب للأبيجرام أو التوقيع، وهو فن قائم بذاته يتضمن حكمة أو موعظة أو مفارقة في عبارة أو جملتين وهو لا يحقق عنصري الدهشة والإمتاع. هذا هو رأيي الشخصي ولكنني في الوقت ذاته لا أهاجمه كفنّ. توجد أمثلة رائعة للقصة القصيرة كما نجدها عند محمد المخزنجي وزكريا تامر، وحسن عبد الموجود، وطارق إمام لكنها لا تتخلى مطلقًا عن عمود الحكي لأنه ضروري، وملحّ لكي يصبح النص حيًّا ويحقق فكرة الإشباع.
-
ما الفرق بين القصة والرواية وهل كاتب القصة مؤهل لكتابة الرواية؟
القصة القصيرة تتضمن حدثًا واحدًا، بعدد قليل من الشخصيات، من الضروري وجود مكان واحد وزمن بعينه لعرض موقف من الحياة في حيز محدود. القصة القصيرة في الغالب تحمل خطابًا محددًا ويدور النص حول فكرة بعينها لا يتجاوزها، وفي الوقت نفسه يكثف الحدث ويختار لغة متقشفة، خالية من الزخرف ولا بدّ أن يحوي النص موقفا من الحياة .
أما الرواية فتتسع لعدد لا نهائي من الأحداث المتشابكة، الشخصيات كثيرة ولكل منها تاريخها الشخصي، بالإضافة إلى أن الرواية تتخطى الزمن، وتصلح لوجود أصوات متداخلة كما نرى في "الرجل الذي فقد ظله" لفتحي غانم، وكل رواية تحمل عدة بنيات نصيّة، يحمل كل منها توجهًا سرديًّا يتجاوز حدود الزمن. خذ مثلا " فساد الامكنة " لصبري موسى التي تجري أحداثها في "جبل الدرهيب"، نجد شخصيات متعددة وحكايات متداخلة مع مساحة زمنية واسعة، تصلح لتفصيلات حول الشخصيات وأبعادها الفكرية والنفسية.
خذ مثلا " الثلاثية" لنجيب محفوظ، ستجد أزمنة متعددة، شخصيات تحيا وأخرى تموت، وأزمنة تشهد تحولات جذرية، لها بعد واقعي وآخر فلسفي. تكنيك الرواية صالح لتعدد زوايا الرصد بينما لا تحمل القصة القصيرة سوى زاوية وحيدة للرصد.
ليس شرطا أن يكون كاتب القصة القصيرة مؤهلا لكتابة الرواية؛ فكاتب مجيد مثل سعيد الكفراوي ظل مخلصا للقصة القصيرة، كما نجد في المقابل من حقق نجاحا في القصة القصيرة ثم اتجه بعد ذلك للرواية مثل جمال الغيطاني، أول أعماله مجموعة "أوراق شاب عاش منذ ألف عام"، وإبراهيم أصلان، أول أعماله مجموعة "بحيرة المساء" ، وبهاء طاهر أول أعماله المجيدة مجموعة "الخطوبة" وهكذا.
وهناك كتاب حققوا نجاحًا باهرا في الرواية دون مرورهم بالقصة القصيرة كمحطة راحة كما يتصور البعض.
-
ما رأيك فيما يثار عن التحديث في القصة.. ماذا يقصد بالتحديث؟
يبدو أن مصطلح" التحديث" له سمعة سيئة، وأنا أراه على النقيض ضرورة لتخليص النص من الترهل والاعتيادية والتكرار، كل شيء في العالم قابل للتحديث من أجهزة الكمبيوتر إلى الأجهزة الكهربائية بالمنزل مرورا بالفكر، وليس انتهاء بالفن. هل قصص الرافعي تصلح لهذا العصر، وهل ما كتبه المويلحي يمكن بسطه على مائدة اليوم السردية؟
بالطبع أي نص أدبي سيبحث عن آفاق للتجريب، وهو أحد روافع التحديث في النص سواء من حيث اللغة أو السرد أو التقنيات ومن بينها الاستفادة من التراث والمخيل الشعبي.
-
بعض الكتاب يميلون إلى الترميز الذي قد يصل أحيانًا إلى التلغيز.. فما تعليقكم؟
انسداد الأفق السياسي في بعض البلدان سواء العربية أو في دول أمريكا اللاتينية اضطرت الكاتب إلى فكرة الترميز لعدم الصدام مع السلطة، وأحيانا يكون الترميز لضرورات فنية منها عدم السقوط في المباشرة . غير أن الإسراف في الترميز قد يؤدي إلى الوقوع في فخ الألغاز فيصبح النص مغلقا، ضبابيا، وغير قابل للفهم.
هناك من يستخدم الترميز بمقدار مثلما فعل جمال الغيطاني في "الزيني بركات" . في بعض أعمال الكاتب التشيكي فرانتز كافكا الترميز موجود، سواء في "أمريكا" أو"المحاكمة"، لكنه ترميز فني قائم على اللعب الفني الحميد.
في الستينيات كانت هناك دعوة لمسرح العبث اقتداء بكتاب الغرب مثل صمويل بيكيت، وقدم توفيق الحكيم مثال في مسرحه "يا طالع الشجرة" وقدم يوسف إدريس "المخططين"، لكن الاستغراق في الترميز أمر معيب لأنه هروب غير مشروع من الواقع إلى فراغ معلق في الهواء حسب تقديري.
-
لمن تكتب؟ وما تلتزم به لتصل فكرتك إليه؟
في البداية كتبت لجمهور عريض من رجال المقاومة خلال مرورنا بهزيمة 1967 ثم كتبت لواقع أعرف شخوصه وقناعاتهم ثم استقر بي الحال للكتابة لقارئ مفترض يحمل ثقافة تقترب مني وأحيانا أشطح كي أكتب لجمهور عريض أتصوره يجلس في المقاهي والحدائق والقرى. الجمهور محير وليس من اللائق اللهاث للإمساك به. اكتب بصدق وعفوية وبقلب خاشع وروح وثابة، وسيصل نصك لأكبر جمهور يمكنك تخيله.
-
هل تؤيد الحكي باللهجة العامية؟
رغم مرجعيتي في البداية للوقوف عند أعتاب بيرم التونسي وابن عروس، وفؤاد حداد وصلاح جاهين، واقترابي شخصيا من قامتين سامقتين هنا : سيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودي إلا أنني أكتب نصوصي بالفصحى البسيطة، والحوار كنت أختاره باللهجة الدراجة ثم صرت أختار لغة فصحى بسيطة. رائدي في ذلك هو الأستاذ .. أو نجيب محفوظ.
دور الحوار في القصة وهل هو مستحب أم مستهجن.. وهل يكون عاميًا أو فصيحا؟
حسب قناعات الكاتب الشخصية، أحيانًا أطعم الفصحى بمفردات عامية هروبًا من فكرة التعالي، الفصحى لها جمالها وسموقها، والعامية لها تأثيرها وواقعيتها المفرطة. وحسب ضاحي عبد السلام " فالعامية لغة".
-
كيف ترى حال القصة العربية والمصرية خاصة وكتابها وقرائها؟
تعلمت وما زلت أتعلم من كتاب القصة العرب والمصريين. وقفت طويلا أمام كتابات يوسف إدريس، ثم قرأت محمد المخزنجي، وعبد الحكيم قاسم وبهاء طاهر، ومحمود عوش عبد العال، واستمتعت بنصوص يحيى حقي وصبري موسى وحكاياته الشيقة، ثم عاصرت كتاب السبعينيات: إبراهيم عبد المجيد، محمود الورداني، د. أحمد الخميسي، جار النبي الحلو، محمد المنسي قنديل.
ومن جيلي: عادل عصمت، محسن يونس، د. محمد ابراهيم طه، مصطفى نصر، سمير المنزلاوي، منتصر القفاش، أحمد فضل شبلول، حسين منصور، فكري داود، انتصار عبد المنعم، وحيد الطويلة، صفاء عبد المنعم.
جيل الشباب فرض سطوته بأعمال عظيمة: محمد عبد النبي، طارق إمام، حسن عبد الموجود، منير عتيبة، حسام المقدم ، فكري عمر، محمد ذهني، . ومن الجدد: محمد العبادي، هبة الله أحمد، دعاء ابراهيم، فاطمة فهمي، دعاء البطراوي، هبة السويسي، مها الخواجة، عزت الخضري، محمد بربر، وآخرين.
كما تعرفت على كتابات أدباء عرب منهم: أنيس الرافعي، طالب الرفاعي، سميحة خريس، جلال برجس، أفراح الهندول، ثريا البقصمي، د. هدى النعيمي، لهم آفاق كتابية ساحرة.
-
هل معارض الكتاب لها دور مؤثر في نشر القراءة عمومًا والقصة على وجه الخصوص؟
في تصوري أن معرض الكتاب في موقع بعيد عن العاصمة وهذا يتطلب صحة لا تتوفر للجميع، لكنني أراه فرصة لعرض كتب جديدة، وبالتالي أفكار غير مطروقة وإن كنت قد لاحظت تواري الشعر عمومًا لصالح الراوية . ليس ذنب الدكتور جابر عصفور الذي صرح منذ عقود بأنه زمن الرواية بل أمزجة الناس وأذواقهم.
-
ما تعليقك على التعامل مع دور النشر؟ وبماذا تنصح من لديهم نية لنشر أعمالهم؟
الموضوع معقد، لا بدّ من التأكد من جدية دور النشر، لأن بعضها أقرب لدكاكين للربح بغض النظر عن فكرة طرح الكتاب لسوق النشر من عدمه. لقد وجدت هذا العام وحده دور نشر تفتح وأخرى تغلق والأسباب مجهولة؟!
-
هل عملية النشر والتوزيع ميسرة وتعود بالفائدة على الكاتب؟
دور النشر المعروفة تربح، وتراهن على أسماء كتاب معروفين، بقية الدور تجمع بصعوبة قيمة الاشتراك لحجز مساحة لا تتجاوز المترين عرضًا وطولا في مقر المعرض. لهذا يمكن القول إن دور النشر معذورة والكتاب مساكين في حاجة لإعمال قوانين الرأفة ـ التي نراها في لجان الامتحانات ـ وهم يستحقونها؟!
-
هل يوجد نقد موازٍ للعملية الإبداعية؟
بكل تأكيد نجد نقاد السرد حاضرين، لديهم أدواتهم المتقدمة، نذكر منهم الدكاترة : محمد بريري، محمد بدوي، حسين حمودة، خيري دومة، هيثم الحاج علي، شريف الجيار، محمود الضبع، سيد ضيف الله، إضافة للنقاد اعتدال عثمان، سيد الوكيل، إيمان الزيات، د. رشا الفوال، د.مصطفى الضبع، د.هويدا صالح، وغيرهم.
في رأيي أن النقد لا يقل أهمية عن الإبداع بل هو مكمل له، وشارح لبنيتيه الجمالية والفكرية.
|