|
القاهرة 03 اكتوبر 2025 الساعة 05:59 م

بقلم: محمد خضير
في الذكرى الخمسين لرحيلها، عادت "كوكب الشرق" أم كلثوم لتتربع على عرش الدورة الـ33 من مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية، الذي تنظمه دار الأوبرا المصرية.. اختيارها لم يكن مجرد احتفاء بذاكرة صوت عابر للزمن، بل كان بيانًا ثقافيًا يعلن أن التراث الغنائي العربي ما زال قادراً على مقاومة التآكل، وأن الهوية الموسيقية المصرية يمكن أن تظل حاضرة رغم زحف العولمة الرقمية.
* أم كلثوم.. ذاكرة لا تُختصر في الماضي
ويحسب لوزارة الثقافة ممثلة في دار الأوبرا المصرية اختيار كوكب الشرق شخصية مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية لأن أم كلثوم تعد أكثر من مطربة؛ بل مشروعًا حضاريًا متكاملًا صاغت عبره الأغنية العربية هويتها الحديثة.. ارتبط صوتها بمراحل التحول الاجتماعي والسياسي في مصر والعالم العربي، فحملت أشعار أحمد رامي، كلمات كامل الشناوي، وألحان السنباطي وعبد الوهاب إلى آفاق أبعد من حدود الفن.
كما أن اختيارها شخصية للمهرجان هذا العام يعكس إدراكًا بأن استدعاء أيقونة بهذا الحجم ليس مجرد عودة إلى الماضي، بل استدعاء لقيمة الجدية والالتزام التي صنعت مجد الطرب العربي.
* الذكاء الاصطناعي.. فرصة أم تهديد؟
يأتي الاحتفاء بأم كلثوم في وقت يشهد فيه العالم صعودًا غير مسبوق لتقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات الفن والموسيقى.. اليوم يمكن للبرامج أن تستنسخ أصوات الكبار، بل أن تنتج مقطوعات "مُصنّعة" في ثوانٍ.. لكن يبقى السؤال: هل تستطيع الخوارزميات أن تصنع روحًا تشبه ما بثّته أم كلثوم في جمهورها لعقود؟، ولذلك فإن مقارنة الإرث الكلثومي بما يقدمه الذكاء الاصطناعي تكشف أن الموسيقى العربية تواجه تحديًا مزدوجًا: الحفاظ على أصالتها ضد محاولات التبسيط المفرط والتقليد الآلي، والانفتاح على الأدوات التكنولوجية بما يعزز الإبداع دون أن يُفقده روحه الإنسانية.
* المهرجان.. جسر بين التراث والمعاصرة
من هنا تأتي أهمية مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية؛ فهو ليس مجرد تظاهرة احتفالية، بل مختبر حي يجمع بين الأداء الفني والبحث العلمي.. فإلى جانب الحفلات الكبرى التي يحييها كبار المطربين والملحنين، يعقد المؤتمر العلمي المصاحب جلسات تناقش مستقبل الموسيقى العربية في عصر الرقمنة، قضايا التعليم الموسيقي، التوثيق، والتحديات الإنتاجية. هذه الجلسات تعكس إصرارًا على أن الموسيقى العربية ليست خارج التاريخ، بل تواجهه بأسئلتها الخاصة.
* الطرب المصري الأصيل.. هوية في مواجهة العولمة
المهرجان، بما يحمله من مسابقات تحمل اسم الراحلة رتيبة الحفني، وبما يقدمه من حفلات متنوعة، يعيد الاعتبار لفكرة الطرب المصري الأصيل كمرجعية للأجيال الجديدة.. فالمتسابقون مطالبون بأداء أعمال من تراث أم كلثوم، بما يعني أن مدرسة الطرب ليست فقط "ذكرى" وإنما أداة للتربية الجمالية في زمن تتراجع فيه الذائقة أمام سطوة "الأغنية السريعة".
* أم كلثوم.. رمز مقاومة النسيان
وأخيرا وليس بآخر.. فإن جعل أم كلثوم شخصية الدورة الـ33 يرسخ حقيقة أن الأصوات العظيمة لا ترحل، وأن قيمتها تتجدد مع كل جيل.. وبينما يفتح الذكاء الاصطناعي أبوابًا للتقليد والاستنساخ، يذكّرنا صوت أم كلثوم بأن الفن الأصيل لا يُستنسخ، وأن ما يبقى حقًا هو الصدق الفني والتجربة الإنسانية المتفردة.
وبهذا، يثبت مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية أنه ليس فقط مناسبة للاحتفال، بل رسالة ثقافية تؤكد أن مصر قادرة على حماية تراثها الغنائي، وتجديده في مواجهة تحديات العصر، ليظل الطرب الأصيل حاضرًا في وجدان الأمة، لا كحنين إلى الماضي فحسب، بل كبوصلة للمستقبل.
|