|
القاهرة 30 سبتمبر 2025 الساعة 10:50 ص

بقلم: أمل زيادة
سكان كوكبنا الأعزاء..
مر أسبوع آخر من عمرنا.. يبدو أن الحرب على وشك الانتهاء، هكذا نأمل، مر عامان من الحزن والموت والفراق.. عامان شاهدنا فيهما أبشع صور القتل والإبادة .
مشاهد قد لا تخطر على بال بشر، لذا تظل فظائع الحروب الأكثر إيلامًا مدى الدهر.
وسط كل هذا الألم عثرت على بارقة أمل!
عدت للجامعة والدراسة، تحتفل جامعة عين شمس بمرور 75 عاما على إنشائها، فوجئت بالتحضيرات والاحتفالات التي نظمتها، التي يقوم بها اتحاد الطلاب.
مُلئت الطرق والحدائق بتماثيل فرعونية، كل تمثال له قصة وحكاية وتاريخ، لا يوجد تكرار للتماثيل، وقفت أمام عظمة البناء، حتى ولو كانت قطع ديكور، لا بدّ أن هناك قطع أصلية تم نسخها على هذا النحو المبهر.
رأيت كم نحن محظوظون كوننا أصحاب حضارة عريقة، لدينا كمّ من الحواديت والقصص التي سنرويها لأحفادنا وأحفاد أحفادنا... حقًا ما أجمل أن تترك أثرا على وجه الأرض.
أشعر بالفخر كوني هنا على هذه الأرض الطيبة وسط أهلها الكرماء.
سكان كوكبنا الأعزاء..
سأخبركم بقصة حدثت معي ولا تصفوني بالجنون، كنت في طريقي للجامعة وقبل خروجي من باب عمارتنا، لفت نظري حشرة تتوسط مدخل العمارة، تجاهد في الاعتدال، ظننتها في البداية صرصور كنت سأركض وأغادر المبنى سريعًا قبل أن يعتدل ويهاجمني.
إذا كانت صرصور قطعًا كنت تركته يعاني، بل كنت فتحت الباب على مصراعيه لتدخل الكلاب والقطط وكل مخلوقات الحي والأحياء المجاورة لتعذيبه!
لكنها لم تكن صرصور، كانت جعرانًا، أشفقت عليها ساعدتها في الاعتدال، من فرط سعادتها ركضت بمرح ونشاط وسرعة ثم قفزت لأعلى وانقلبت على ظهرها مرة أخرى!
ابتسمت متخيلة حوارًا يدور داخلها..
ربما تسخر منا معشر البشر وربما تشفق علينا مما نراه ونعانيه على ظهر هذا الكوكب المجنون.
بكل الأحوال عاونتها مرة أخيرة بحب، قفزت بسرعة وانقلبت مرة أخرى ...
نظرت إليها طويلا ثم قلت، للأسف لا أملك رفاهية الوقت، لأقضيه معك.
يبدو أنك تحبين لعب دور الضحية.. وداعًا.. وتركتها تجاهد في الاعتدال دون جدوى.
عدت إليها وأبعدتها عن الطريق حتى لا تدهسها الأقدام.
وطيلة الطريق أضحك وأنا أتخيلها تشعر بسعادة الطفل الذي يتعلم المشي للمرة الأولى ثم يسقط قبل أن تكتمل ابتسامته على وجهه.
طوال الطريق أفكر بها، هل اعتدلت وذهبت لحال سبيلها، أم تراها ما زالت تعاني في مكانها؟!
لماذا لا تتمكن من حفظ التوازن؟
هل عندها فرط حركة؟
هل هم أنواع، نوع يسير ببطء وآخر يطير أو يقفز مثل هذه؟
أين أمها وأبيها؟
لماذا قدسها الفراعنة؟
لماذا يعتبرها رجال الصاعقة وجبة دسمة يجب أن يأتوا عليها؟
على ماذا تتغذى وأين تعيش؟
لماذا ضلت الطريق لبيتنا؟ أين البقية؟
أسئلة كثيرة ترددت داخلي وظل بالي مشغولا بها.. أليست كائنًا حيًا له حقوق على ظهر هذا الكوكب؟!
شجعني رؤيتها على تتبع تاريخها
الجعران أو(الخنفساء) من أقدس الرموز عند المصريين القدماء، لأسباب دينية ورمزية مرتبطة برؤيتهم للعالم، يرونها رمز الخلق والتجدد.
لاحظ المصريون إن خنفساء الجعران (خنفساء الروث) تدحرج كرات صغيرة من الطين أو الروث وتدفنها في الأرض، ثم يخرج منها جيل جديد من الخنافس.
فاعتقدوا أن الجعران "يخلق نفسه بنفسه" دون أب أو أم لذا هو رمز الخلق الذاتي والبعث.
كذلك ارتباطه بالشمس والإله خبرى (Khepri)
كلمة "خبرى" تعني "الذي يأتي إلى الوجود".
شبّهوا حركة الجعران وهو يدحرج الكرة بحركة الشمس عبر السماء.
لذلك صار الجعران تجسيدًا للإله خبرى، إله شروق الشمس والتجدد اليومي.
كما أنها وسيلة للحماية والسحر، لذا قاموا بنحت تمائم على شكل جعارين وضعوها مع الموتى للحماية وارتدوها في الحياة اليومية وقاية من الحسد،
كذلك اعتقدوا أنها تجلب الحماية وتمنح القوة الروحية وتضمن البعث بعد الموت.
لم تكن مجرد جعران أو مخلوق تم تقديسه بل أن له أنواعًا أيضًا الجعران القلبي نوع خاص يوضع مكان قلب الميت في التحنيط.
عليه نقوش من "كتاب الموتى"، خاصة الفصل 30، ليتكلم بدل القلب يوم الحساب ويشهد لصاحبه بالخير.
بالبحث اكتشفت أن الفراعنة قاموا بتقديس الجعران لأنه يمثّل الشمس والخلق و البعث والحماية.
كما أنه رمزٌ لفلسفتهم عن تجدّد الحياة كل يوم، وعن الأمل في الخلود بعد الموت.
سكان كوكبنا الأعزاء..
ممتنة للصدفة التي جعلتني أرى هذا المخلوق البائس الذي لا يستطيع الاعتدال ثواني، وأدين لها بالشكر كونها كانت سببًا في تحفيز ذهني على خلق حوار داخلي يخصها ولأنها كانت سببًا في البحث وجمع هذه المعلومات.
سكان كوكبنا الأعزاء..
شاركونا أطرف المواقف التي مرت بكم تشابه صديقتي الفرعونية.
|