|
القاهرة 26 سبتمبر 2025 الساعة 10:16 م

بقلم: محمد خضير
في زمنٍ تتسابق فيه الشاشات على خطف أنظارنا، وتتنازع الإشعارات انتباهنا ليل نهار، تطل علينا مبادرة "معا.. يوم بلا شاشات" التي أطلقتها أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة وعضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وعضو لجنة الإعلام بالمجلس الأعلى للثقافة د. منى الحديدي، كجرس إنذار رفيق يوقظ وعينا من سبات الإدمان الرقمي الذي يسرق أعمارنا دون أن نشعر.
المبادرة، التي تنطلق اليوم 25 سبتمبر الجاري 2025، تدعو كل فرد -وخاصة الأطفال والشباب والمراهقين- إلى تجربة يوم واحد فقط بعيدًا عن الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، ليعيد اكتشاف ذاته من جديد، وليمنح عقله فرصة للتنفس بعد أن أرهقته الشاشات.. إنها ليست دعوة للعزلة بقدر ما هي استراحة صادقة مع النفس، نعيد خلالها ترتيب أولوياتنا، ونتذكر أن التكنولوجيا وجدت لتخدمنا لا لتستعبدنا.
* التكنولوجيا تخدم.. لا تسيطر
ما يميز هذه المبادرة أنها تقدم بديلًا واعيًا، فهي لا تدعو إلى مقاطعة التكنولوجيا، بل إلى استخدام رشيد يجعلنا أكثر حضورًا في واقعنا، وأكثر قربًا من أنفسنا وأحبائنا. فالعلاقات الأسرية التي تآكلها الانشغالات الرقمية، تحتاج إلى دفء حقيقي لا توفره أي شاشة، والمحادثات المباشرة التي نفتقدها هي ما يمد حياتنا بالمعنى والروح.
* ثقل المبادرة.. من أين جاء؟
الثقل الحقيقي لهذه المبادرة يكمن في صاحبتها، أ.د. منى الحديدي، واحدة من أبرز أعلام أساتذة الإعلام في مصر والعالم العربي، وصاحبة إسهامات جادة في ترسيخ الوعي الإعلامي.. فهي تؤمن بدور الإعلام في تشكيل الوعي الجمعي وصياغة السلوكيات، وتضع على عاتقها مسؤولية تنمية الوعي المجتمعي بشأن الاستخدام الواعي لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
ولأنها لا تكتفي بالتنظير، جاء ميلاد مبادرة "معا.. يوم بلا شاشات" امتدادًا لمسيرتها الأكاديمية والإعلامية الحافلة بالعطاء، لتعيد التوازن بين العالم الافتراضي والحياة الواقعية، وتحمي الأجيال الجديدة من مخاطر الإفراط في استخدام التكنولوجيا عبر نشر ثقافة المسؤولية الرقمية.
* انتصار للوعي الإنساني
هذه المبادرة هي في جوهرها دعوة للعودة إلى الحياة: أن نرى العالم بعيوننا لا عبر الكاميرات، أن نصغي بقلوبنا لا عبر السماعات، أن نعيد اكتشاف التفاصيل الصغيرة التي تصنع لحظاتنا الحقيقية.. إنها دعوة للوعي، للحرية من أسر الشاشة، وللانتصار للإنسان داخلنا.
ففي "يومٍ بلا شاشات"، قد نجد أنفسنا أكثر قدرة على التواصل، أكثر صدقًا في المشاعر، وأكثر وعيًا بما يحيط بنا. وربما نكتشف أن العالم الحقيقي –بألوانه وضحكاته ودفء حضوره– أجمل بكثير من أي شاشة مضيئة.
* توصيات عملية للشباب
وحتى تتحول المبادرة إلى تجربة ملهمة، يمكننا:
- قراءة كتاب نؤجل فتح صفحاته منذ زمن، لنستعيد متعة المعرفة بعيدًا عن الشاشة.
- ممارسة هواية قديمة أو جديدة؛ الرسم، الكتابة، العزف، أو حتى الزراعة.
- الجلوس مع العائلة على مائدة حوار صادق يعيد الدفء للعلاقات.
- القيام بنزهة في الهواء الطلق، لنكتشف جمال الطبيعة ونمنح أجسادنا حركتها الطبيعية.
- مشاركة الأصدقاء في ألعاب جماعية أو نقاشات ممتعة بعيدًا عن التكنولوجيا.
بهذه الخطوات البسيطة، تتحول المبادرة من مجرد شعار إلى أسلوب حياة، يعيد إلينا وعينا المفقود ويؤكد أن التكنولوجيا وسيلة لا غاية.
|