|
القاهرة 23 سبتمبر 2025 الساعة 09:16 ص

بقلم: كريم عبد السلام
حدس الشاعر منضبط على بوصلته هو سواء أكان يتصدى لموضوع ذاتي أو غرض سياسي أو موقف اجتماعي، فالموضوعات مطروحة على الأرصفة، لكنها الالتفاتات والتعبيرات والخيال الشعرى وصدق الانفعال واختراع العلاقات اللغوية التى تناسب الموقف أو اللحظة الشعرية، هي ما يجعل شاعرا يختلف عن شاعر آخر فى القيمة والقدرة على مقاومة الزمن، لتصبح كلماته اختصارا لمواقف وتجارب عديدة نسترشد بها ونستحضرها وتغنينا عن كثير من الكلام.
الشعراء الأصلاء فرادى ومعدودين، وسط كثرة وأغلبية من غير الموهوبين الأدعياء، الذين يشكلون التيار العام فى كل جيل ومرحلة، بل إن هناك فترات يكون صوت الأدعياء والعاطلين عن الموهبة أعلى وأكثر حضورا من الشعراء الكبارالمؤسسين، وهؤلاء الأدعياء هم سبب رئيسى فى سيادة الكليشيه أو الوعي الجمالى المشاع فى الكتابة أو فى الإسهامات النقدية، إذ يهرع هؤلاء الأدعياء إلى ما يروج على أنه وصفة الكتابة فينسجون على منوالها كلامهم الرديء الذى يبعث على الملل ولا يضيف معنى ولا خيالا، ثم يحرضون بقوة القطيع وبفعل الكليشيه السائد على إنتاج مقولات نقدية تجعل مما يكتبونه نموذجا يحتذى لكثير من الباب الأغرار المتطلعين للكتابة دون عدة ثقافية كافية، حتى يتشكل التيار القطيعى من الشعر والتيار القطيعى من الرطانة التى تشبه النقد الأدبى والنقد منها براء، وتسود الذائقة الفاسدة وينشأ مناخ من التواطؤ المشبوه بين الأنصاف والأرباع، يسندهم فى ذلك سيطرتهم على منافذ النشر وكذا حيازتهم للمصفقين المنتفعين على مواقع التواصل الاجتماعى.
ومع ذلك فلا بدّ أن نواجه الكليشيه والكليشيه المضاد، فكل ما يروج عن ضرورة أن يكون الشاعر ملتزمًا بموضوعات محددة وأمينًا لقضايا مجتمعه وكأنه متحدث رسمى، لغو لا يصح ولا يليق أن يقال فى معرض الشعر والشعراء.
كل ما يروج عن إنكار الشعراء للسياسة واتجاههم للفن النقى والشعر الجمالى الخالى من المواقف السياسية والهموم الاجتماعية، لغو لا يصح ولا يليق أن يقال فى معرض الشعر والشعراء.
كل ما يروج عن شعر التفاصيل الصغيرة والانهمام بالذات واللغة التداولية واليومي والبسيط والحميم، لغو لا يصح ولا يليق أن يقال فى معرض الشعر والشعراء.
كل ما يروج عن إدارة الشعراء ظهورهم للقضايا الكبرى أو القضايا المتوسطة أو القضايا العامة أو الشئون التي يجتمع عليها الناس، لغو لا يصح ولا يليق أن يقال فى معرض الشعر والشعراء.
لا تضعوا التعميمات أمام الشعراء ولا ترسموا لهم اتجاهات التعبير، ولا تفرضوا عليهم موضوعات للكتابة ولا تطالبوهم بالتزام سياسى أو اجتماعى، فما ينتج عن الشعراء الشعراء هوالموضوع والقضية والمجتمع والكون.
لا تتصدوا للشاعر الفرد للحصول على طريق عمومى للآخرين، أو لإثبات فرضية موجودة فى عقولكم سلفا، أو لإرشاد الصغار فى المدارس، عرفوا تجربة الشاعر بأنها بصمته وجيناته ولون كلماته الذى لا يتكرر، عرفوا الشاعر بالفرد والشعر بالموزاييك الكونى القابل للإضافة والتجدد من خلال الشعراء وحدهم.
لا تنحطوا فتنتصروا لاتجاه شاعر فى التعبير على اتجاه شاعر آخر، فالمقارنة لا تليق أبدا بين شاعرين حقيقيين، والكيد بينهما من إرث المستعمرين تجاه أصحاب الحضارات.
وتذكروا أن الزمن يمحو كل شيء، الحمقى وكتاباتهم، الأدعياء ومعاركهم المتهافتة، الأنصاف ونفاقهم المفضوح، الأغبياء وعجزهم عن الإدراك، الأتباع العاجزين عن القراءة، والخصيان الذين لا يفعلون شيئا إلا الكيد، ولا يبقى إلا كلمات الشعراء.
الشعراء الأصلاء لا يحتاجون لضبط الإحداثيات وقياس المسافة بين خيالهم وقضايا المجتمع الذى يعيشون فيه، ولا يحتاجون لمن يفرض عليهم أبوة من أسلافهم القريبين أو البعيدين، فالشعراء أمة وحدها بين الأمم يتلاقى عناصرها بعيدا عن الزمن ليتشاركوا شذرات المعنى واختراع اللغات وجواهر الخيال، أما الأدعياء فى قطعان التيار العام فهم الذين يتكلمون عن الشاعر النبى أو شاعر التفاصيل الصغيرة أو الشاعر الملتزم أو الشاعر المارق.
|