|
القاهرة 23 سبتمبر 2025 الساعة 09:02 ص

عاطف محمد عبد المجيد
والآن أيها القارئ العزيز أرجو أن تكون قد تحققت وأيقنت أن مصر هي أم الدنيا حقا في الحضارة والعلوم والأخلاق. أعرف أنك خائف على مصر في هذا الزمن الذي غادرت فيه العدالة، وغاب فيه قانون الأخلاق، وتوارت الإنسانية، لكن مصر كالعنقاء مثلما قال عنها أبو العلاء المعري:
أرى العنقاء تكبر أن تصادا
فعاند من شت له عنادا
ومصر خالدة خلود الزمن، باقية بقاء الدهر.
هذا ما نقرؤه في الصفحة الأخيرة من كتاب "هؤلاء يتحدثون عن مصر" الصادر بالقاهرة عن الدار المصرية اللبنانية للنشر والتوزيع، لمؤلفه د. وسيم السيسي، وفيه يستدعي مجموعة من الأشياء والأحداث والشخصيات جاعلا إياها تتحدث بلسانها عن مصر، مبينا مكانة مصر وثقلها التاريخي الممتدين في جذور الزمن والحضارة.
وسيم السيسي الذي يفتتح كتابه ببيتين شعريين لأمير الشعراء أحمد شوقي يقول فيهما:
مشت بمنارهم في الأرض روما
ومن أنوارهم قبست أثينا
تعالى الله كأن السحر فيهم
أليسوا للحجارة منطقينا!
يورد هنا ما قاله سير آلان جاردنر أبرز علماء المصريات واللغويات في بدايات القرن العشرين وحتى منتصفه: لم أرَ شعبا في الدنيا محبا للحياة وعلى استعداد أن ينفق كل ما يملك من أجل الاستمتاع بها مثل الشعب المصري، كما عرف الجميع أن المعابد والأهرامات بنيت من الجرانيت حتى تبقى، أما البيوت السكنية فلا بد أن تكون من الطوب اللبن حتى يسهل هدمها والانتقال من مكان إلى مكان آخر، وقد أكد هذا الرأي المهندس المعماري حسن فتحي، إنها حضارة الشعب الذي علم العالم الموسيقى وأنواع الرقص، بل الرياضة ما عدا كرة القدم، كما علم المصريون العالم العمليات الجراحية، حتى التربنة المصرية التي امتدحتها الديلي ميل البريطانية في يولية من العام 2022 لأنها أنقذت عشرين بالمئة من إصابات الرأس في إنجلترا، وكذلك قانون الأخلاق الذي تفوق على كل القوانين الأخلاقية حتى اليوم، مشيرًا إلى أن الحضارة التي علمت العالم الضمير كما علمته أن هناك حياة بعد هذه الحياة، إنما هي حضارة حياة غير مسبوقة، لا في الماضي ولا في المستقبل، لأنها حضارة لكل مكان وزمان.
هنا أيضًا يرد وسيم السيسي، معاتبا، على د. أماني فؤاد التي كتبت مقالا ذكرت فيه أن مصر القديمة قمعت الحريات الفردية لحساب تأله الملوك واستبدادهم، وأوجدت الفوارق الاجتماعية التي تخلق حالة التمايز والنفاق، متحدثًا إليها قائلا: أقدم كفاح في سبيل العدالة الاجتماعية وكيف كان الملك يلقي خطاب العرش على كبير الوزراء ومنه "اعلم أن الوزارة مُرة وليست حلوة، لن تنال احترام الناس إلا بإقامتك العدل، ليكن القرب منك أو البعد عنك بسبب الكفاءة، مضيفًا "ليت أماني فؤاد تعلم أن تحوتمس الثالث أراد تغيير فقرة في القانون فاعترض كبير القضاة قائلا: يجب ألا تعلو كلمة الحاكم فوق كلمة القانون، وكان الشعب له الحق في الهتاف ضد الملك إذا مات وكان ظالما فلا يدفن في مقابر الملوك، وقد حكمت المحكمة على ابن الملك رمسيس الثالث بالإعدام، وحكمت على قاضيين لاتصالهما بالقصر".
كذلك نقرأ هنا ما قاله نيقولا تسلا من أن الأهرامات ليست مقابر بل هي محطات لتوليد طاقة كهربائية للإضاءة، وهذا ما تؤكده مصابيح معبد دندرة، كما يؤكده خلو المعابد من هباب على الأسقف رغم الكتابات على الجدران والأسقف، وأن هيرودوت كان يتعجب من المصريين الذين يتناولون طعامهم خارج البيوت، بينما يقضون حاجتهم داخلها حيث كان بمصر وحدها صرف صحي، كما كان يتعجب من قيود النظافة في مصر، فالمرأة تستحم مرتين كل يوم، ورجال الدين يستحمون قبل كل صلاة.
هنا يتحدث عن مصر رمسيس الثاني، إخناتون، أمين موبي، هيباتيا، فولتير، فيردي، لويس باستير، سيجموند فرويد، فرح أنطون، برنارد لويس، جمال حمدان، الطب، ذوو الهمم، الخوارق، المعتزلة، السامريون، علماء المصريات، الهرم الأكبر، كتاب الموتى، الموسيقى، اللغة المصرية القديمة، أعياد مصر القديمة، ماعت ربة العدالة، الحضارة المصرية، وهنا نعرف أن هيباتيا صاحبة الجمال الأسطوري، المتواضعة رغم جمالها وعلمها وشهرتها، تفوقت على أهل زمانها من الفلاسفة، وكانت أصغر أستاذة وعالمة للفسلفة والرياضيات بجامعة الإسكندرية وهي في الثلاثين من عمرها، وكانت هي فصل الخطاب في الموضوعات الجدلية رغم صغر سنها، وأن توماس جيفرسون قال ذات يوم: قد يغلب الباطلُ الحقَّ في كثير من الأحيان، لكن تبقى للحق ميزته الكبرى أنه يجعل أصحابه مصابيح للتاريخ، لأنهم يستشرفون المستقبل فيصطدمون بالحاضر، وأن قانونا أخلاقيا ليس فيه لا تكذب إنما هو قانون أخلاقي ناقص، وأن المصريين القدماء هم من علموا العالم ختان الذكور، ولم يكن لديهم ختان للإناث، كما كانوا يعطفون على الحيوان، وأن مصر هي بلد الأفراح والموسيقى والرقص والغناء، لكن حداد أهلها كان رهيبا.
|