|
القاهرة 09 سبتمبر 2025 الساعة 10:27 ص

بقلم: شيماء عبد الناصر حارس
في يوم من الايام سأجد الراحة، سأستيقظ في الصباح غير محملة بأعباء اليوم الجديد وبقايا اليوم القديم، سأجلس للكتابة وأنا مسترخية بدلا من الشد العصبي والغضب، سأفكر في؟! عقلي لا يستوعب حتى فكرة ألا أفكر، كيف أجد الراحة مع التفكير؟
هل سيأتي اليوم الذي لا أفكر فيه، لا تدور الكلمات بذهني وتشوشرني وتؤثر على تركيزي وراحتي.
الأمر أني بعيدًا عن المسميات العلمية والطبية لأني مللت من هذا الأمر، أحتاج لعرض هذه المشكلة على الورقة وأتناقش فيها –مع نفسي- كي أصل لحل ما، أو ربما حتى لمجرد البوح والخلاص من شيء في عقلي.
حتى الشهر الماضي –يوليو 2025- كنت أنكر ذلك علنا، ولم أكن أسمح بطرح مسألة أحلام اليقظة أمام إخوتي اللذين طالما سخروا مني لأني أحدث نفسي وأدير –حوارا وهميًا- مع أشخاص غير موجودين، مع جميع ردود الأفعال المحتملة لطبيعة الحوار (ضحك- بكاء- لغة جسد).
الحقيقة أني كنت أخجل من الاعتراف لهم بذلك، رغم أني أتحدث للورق ولصديقاتي طوال الوقت عن الأمر، بل ربما ملوا بسبب كثرة حديثي عنه، أكرر وأعيد وأزيد في الحديث عن الأمر، لقد أصبح الحديث في حد ذاته طريقة للهروب، والكتابة طريقة للهروب، أكتب في الموضوع نفسه أكثر من مرة وبأكثر من طريقة، حتى مشاهدة المواد العلمية الخاصة بالأمراض النفسية على اختلاف أنواعها لا تناسب حالتي في هذا الوقت، كل تلك المسميات صارت تشوش ذهني أكثر، ماذا يعني كلام الأطباء وماذا يعني تناول الأدوية أو حتى مقاومة أي شيء، الأفكار في ذهني تطرح فكرة الموت، أقصد الفناء تحديدًا، ألا أكون هنا، ألا أمارس أحلام اليقظة، أو على الأقل يجبرني عقلي على ممارستها.
أحاول في كل ساعة أن أجمع شتات نفسي وعقلي، اهدئي، استرخي، ماذا لدينا لنفعله، أو لنعود لفعله مرة أخرى بعد انقطاع، أبدأ من الصفر، من أنا وأين؟ وكم الوقت الآن؟
كنت أقول لابنة أختي التي تبلغ من العمر 13 سنة وهي لديها مشكلة أحلام اليقظة مثلي، حاولي السيطرة عليها بكل الطرق، أنت صغيرة وتستطيعين إنقاذ الأمر قبل التعقيد، اتساءل الآن، كيف، هذه الطفلة مسروقة تمامًا وعقلها يخدعها ويلعب معها لعبة خبيثة جدًا، التأجيل والمماطلة، وبالطبع هي ليس لديها الطاقة للبدء وللأسف لا أحد يساعدها بالعكس، الجميع حولها سلبيون والذي يزيد الطين بله البعض يضع ضغطًًا زائد عليها، ربما بالتنمر أو بالضرب.
هذه المجتمعات التي نحن فيها لا تتعاطف مع النساء أو الأطفال، المرضى أو غير المرضى، حتى لو عرفوا ان الشخص مريض ولديه مشكلة حقيقية، هم فقط يفكرون فيما يريدونه ويقارنون الأطفال بعضهم ببعض بغض النظر عن الفروق الفردية بين البشر، أحترق من أجلي ومن أجلها، أحترق من ألمي ومن ألمها، وبالطبع من أجلنا جميعًا ومن شابهنا.
اليوم لا يمثل 24 ساعة بالنسبة لي، هو بداية صراع ينتهي بالنوم أحيانًا، وأقول أحيانًا لن يستمر عقلي في الدفاع عن سرديته طوال اليوم حتى أثناء النوم، أشعر أن عقلي يحاول احتلالي، أصرخ داخليًا وأسأل: متى ينتهي هذا الصراع؟ متى ينتهي كل هذا التفكير وأنعم بالصمت.
قرأت منشورًا عند أحد الأصدقاء كتب فيه: "المعدة أذكى من المخ فهي تستطيع التقيؤ بينما المخ يبتلع كل القاذورات" جنكيز إيتماتوف، فيا عزيزي ايتماتوف أحب أن أبلغك أني أعتقد أن المخ يتقيأ داخل نفسه فيصيب نفسه بالمرض أكثر وأكثر، واسألني أنا.
وبما أن الأمر سجال بيننا، أنا ومخي فأنا أعطل أداته بالعمل والتركيز أينما استطعت وهو يسحبني أينما استطاع، فتمارين التنفس والرياضة والاستمرار على تناول أطعمية مليئة بالبروتين وكارب أقل وسكريات أقل، المحاولات تصبح أقل صعوبة، لا أقول أسهل فهي دائمًا صعبة، ولكنها بالفعل أقل صعوبة، بالكتابة الأمر يشبه المصارعة، أقف على الحلبة بكلماتي ولوحة مفاتيحي وأبدأ في لكمه مع كل حرف، أصبح أنا المنتصرة.
معروف أن هناك فجوة في الأبحاث الخاصة بالنساء، ولذلك لا أحد يسأل أو يتحدث عن مشكلة أحلام اليقظة عند النساء منذ المراهقة حتى الكبر، والتي قد تعيق النساء عن التقدم والنجاح في التعليم أو العمل.
الأمر مؤسف حينما تواجه هذه المشكلة في الصباح الباكر، بمجرد الاستيقاظ يبدأ العقل في حكي سردياته، أرى على مدار اليوم الكثير من المشاهد والصعوبات، أتجاهلها، لكن يبدو أنه تجاهل من طرف واحد، الكثير من الأشياء يتم تخزينها في المخ، وسيادته ينسى الأشياء المهمة ويركز في الأحداث الصعبة أو المؤلمة، أفتح عيني على الحكايات، الصداع، ربما البكاء، أفكر في حبيبة على ماذا تفتح عينها؟
|