|
القاهرة 05 سبتمبر 2025 الساعة 1:00 م

بقلم: محمد خضير
إذا كان المسرح منذ بداياته مرآة للمجتمع، فإن مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي يذهب أبعد من ذلك، ليصبح مختبرًا لتشكيل وعي الأجيال الجديدة، ومنصة لفتح حوار مع المجتمع وخاصة الشباب حول معنى الفن ودوره في زمن تتغير فيه أنماط الثقافة والإتصال بسرعة غير مسبوقة.
* لغة جديدة لجمهور جديد
الشباب اليوم يعيشون في عالم شديد الارتباط بمواقع التواصل الإجتماعي وتكنولوجيا المعلومات، سريع الإيقاع، مليء بالصور والوسائط الرقمية.. وهنا تأتي أهمية المسرح التجريبي، الذي يسعى إلى ابتكار لغة مسرحية جديدة تستوعب هذه التغيرات وتترجمها فنيًا، دون أن تفقد جوهر المسرح الحي: اللقاء المباشر بين الممثل والجمهور.
ولذلك يصبح مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي فرصة لبناء جيل من الشباب سواء المبدعين أو المتفرجين الذين يرون المسرح كجزء من حياتهم اليومية.
* المهرجان كمدرسة مفتوحة
من أهم ما يميز المهرجان أن فعالياته لا تقتصر على العروض المسرحية، بل تمتد إلى ورش تدريبية وندوات فكرية تمنح الشباب المبدع والمتلقي فرصة الاحتكاك المباشر بخبرات مسرحية عالمية.. حيث أن هذه التجارب تمنحهم أدوات للتجريب، وتفتح أمامهم أبوابًا لاكتشاف طرق جديدة في الأداء والكتابة والإخراج، وهكذا يتحول المهرجان إلى مدرسة حقيقية، تزرع في وجدان الشباب أن المسرح ليس مهنة فنية فقط، بل رسالة للتفكير والتغيير.
* تشكيل الوعي
الوعي الشبابي هو الاستثمار الأهم لأي مجتمع.. والمهرجان -بفلسفة التجريب التي يحملها- يسهم في تشكيل هذا الوعي على قيم الحرية، التعددية، والابتكار.. فكل عرض يشاهده الشاب يفتح له أفقًا جديدًا في التفكير، ويمنحه فرصة لرؤية العالم من منظور مختلف، وإنها عملية تراكمية تبني إنسانًا أكثر انفتاحًا، قادرًا على تقبّل الاختلاف، ومؤمنًا بدور الفن في مواجهة التحديات.
* القاهرة.. عاصمة للحوار الثقافي
واذا ضربنا مثالا لما يحمله مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبي، فحين يجلس شاب مصري في قاعة المسرح بجوار مخرج خليجى أو إيطالي أو ممثلة من أميركا اللاتينية أو باحثة من إفريقيا، فهو يختبر معنى العالمية الحقيقية، تلك التي لا تأتي عبر شاشات التلفزيون، بل عبر لقاء حي يجمع البشر على خشبة واحدة، وهى رسالة تشير إلى رسالة ثقافية وفنية التبادل الثقافي.
وهنا فإن المهرجان لا يفتح بابًا للشباب المصري فقط، بل يقدّم رسالة أن القاهرة ما زالت قادرة على أن تكون عاصمة للحوار الثقافي والتجديد الفني في المنطقة.
واخيرا وليس بآخر.. فإن مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ليس مجرد حدث يحتفي بالمسرح، بل هو مشروع وطني لبناء وعي شبابي جديد، يعيد للفن دوره التنويري والتثقيفي، ويؤكد أن المسرح – حتى في أكثر أشكاله تجريبًا – يظل فنًا إنسانيًا قادرًا على تغيير الحياة.. فالمستقبل يبدأ حين نضع الشباب في قلب الفعل الثقافي، والمهرجان التجريبي هو أحد أهم مفاتيح هذا المستقبل.
|