|
القاهرة 02 سبتمبر 2025 الساعة 11:58 ص

حوار: مصطفى علي عمار
في هذا الحوار سنتناول مسيرة الأديبة والطبيب البيطرية هيام عبد الهادي، ونستكشف كيف توفق بين شغفيها، ونناقش أبرز أعمالها وتجاربها. كما سنلقي الضوء على تأثير بيئتها الأصلية في أسوان على أعمالها وإبداعاتها..
حدثينا كيف بدأت رحلتك الأدبية؟
بدأت بالشعر لكني وجدت نفسي في القصة في المرحلة الثانوية وتوقفت في الجامعة لكن بسبب ضغط تيار الجماعات المتشددة كان النشاط الوحيد المسموح به هو النشاط الأدبي عدت للكتابة وفزت بالمركز الأول على جامعة أسيوط للعام الجامعي 1987/ 1988توقفت بعدها للعمل.
بدأت التردد على التجمعات الأدبية بأسوان في أكتوبر 1997 وفي فبراير 1998 نشر لي في مجلة "إبداع" أول قصة وبعدها في الأهرام المسائي ثم توالي النشر في الجرائد والمجلات الأدبية كافة.
وأفردت لي جريدة المساء صفحة بعنوان "كاتب وقلم " نشرت فيه عدد من قصصي مع دراسة نقدية للأديب "حسن الجوخ ".
كما نشرت لي قصتين في كتاب الجمهورية عدد مايو 2001 المخصص للقصة القصيرة في مصر، فأدركت أن هذا طريقي وأنني موهوبة ومتميزة وقلت لن أتوقف ثانية.
هل للطب دور في تشكيل هويتك الأدبية، وكيف أثر على كتاباتك؟ وكيف ترين تأثير الأدب على عملك كطبيبة بيطرية ؟
الطب البيطري أفادني في نقطتين أولا من خلال عملي في الكشف على الأسماك ببحيرة ناصر لأعوام طويلة، فكتبت رواية البحيرة وسنينها، ثلاثة عشر عاما وأنا أسمع حكايات الصيادين وعساكر أمن الموانئ والموظفين بهيئة تنمية البحيرة ومندوبي جمعيات الصيادين كل من يحكي أستمع له كل وأدق أسرار البحيرة، الأبطال وحياتهم الاجتماعية في قراهم كانت من نسج خيالي لكن قصص الصراعات مع الأسماك والحيوانات والتماسيح وباقي المفترسات والموج والبحث عن الآثار كانت قصصا واقعية كتبتها بأسلوبي.
أفادني الطب البيطري أيضا في كثرة الأسفار في دورات تدريبية فكنت أتواصل مع الأدباء في القاهرة والمحافظات ومع دور النشر لنشر أعمالي.
أما الأدب جعلني بعيدة عن الصراعات والمناصب في عملي في الطب البيطري ورفضت مناصب مهمة عرضت على، فأنا إيماني أن الأديب كائن مختلف يجب أن يترفع ولا ينشغل بالمناصب وصراعات العمل.
ما هي مصادر إلهامك للكتابة، وكيف تختارين موضوعاتك؟
مصدر إلهامي حكايات الناس، الحب والزواج والطلاق والعلاقة بين الرجل والمرأة والقهر الواقع عليها لا يستهويني.. كان هذا في بداياتي تخطيت هذه المرحلة ولو تناولتها تكون حدثًا ثانويًا.
الآن أبحث عن الهم الإنساني وقهر لقمة العيش من طبيعة أو سلطة أو أشخاص، لا تجذبني الحكايات العادية لكن الحكايات المثيرة التي لم يتناولها أحد والأماكن التي لم يدخلها ولم يكتب عنها أحد.
في وسط الإثارة لا أنسى اللمحات الإنسانية منها علاقتي بأمي، فلدى بيئة ثرية جدا وخصوصية مكان تميزني عن أي أديب في أي محافظة أخرى فهي نعمة ومصدر إلهام لي، كذلك لي أخ وصديق شاعر "سليمان البارودي" كان صاحب فضل ومصدر إلهامي لروايتين وكان الإهداء له.
ما هي الرواية أو القصة التي تعتبرينها الأقرب إلى قلبك، ولماذا؟
كتبت 10 أعمال منهم 7 روايات و3 مجموعات قصص لكن أقربهما إلى قلبي روايتين هما، الأولى:- البحيرة وسنينها، أروع رواياتي وكـُتبت عنها دراسات كثيرة وكتب عنها الناقد الكبير د/ مصطفي الضبع دراستين نشرتا في "المصور" و"مسرحنا" كتب أيضا بحثا ألقاه في السعودية وهي الرواية الوحيدة التي تحكي عن الصيادين الذين يعملون بصيد الأسماك في بحيرة ناصر لم يسبقني أحد، كنت وما زلت أحلم أن تصبح فيلما سينمائيا، والرواية تقع في 260 صفحة وهي تحكي عن أربعة صيادين يعيشون ويعملون بصيد الأسماك في بحيرة ناصر بأسوان في أقصى جنوب مصر.
وتستعرض الرواية حياة الصيادين القاسية الذين يحيط بهم الموت في الجبال من هجمات ثعابين الطريشة السامة والعقارب والذئاب وفي البحيرة يتعرضون لقسوة الأمواج والريح وهجمات التماسيح التي تسفر عن وفيات..
وتستعين الرواية بكتاب (تفسير الأحلام) لابن سيرين وتوظفه في الأحداث حين يحلم الأبطال بالثعابين والتماسيح والذئاب فيجدون المفسر كذلك(قصص الحيوان) للجاحظ حين تستعرض طبائع الحيوانات وغرائبها، وتحكي الرواية أيضًا عن الباحثين عن الكنوز والآثار الغارقة في بحيرة ناصر ويتخفون خلف رخص الصيد.
الثانية:- الدهابة
التي حكاها لي عدد من كبار قبائل العبابدة والبشارية وأفردت لي التميز بجوار روايتي العمالقة صبري موسى في "فساد الأمكنة" والصديق سعيد رفيع في "النجوم تغضب أحيانا" اللذين كتبا فيهما عن الصحراء الشرقية وخصوصية المكان وحياة ناسها، عن الأبطال الذين يبحثون عن الذهب ويتعرضون للموت في صحراء وجبال البحر الأحمر.
كيف كانت تجربتك في كتابة رواية "زهر الحناء"، وما هي الرسالة التي أردت إيصالها؟
في روايتي الأولى (زهر الحناء) كتبت عن المرأة الجنوبية.. أحاسيسها ومشاعرها.. عن علاقتها بالرجل .. وبالطبع كتبت عن القهر الواقع عليها
كتبت عن حنة التي تحب مدرس قادم من الدلتا لقريتها ويحبها يتقدم للزواج منها يرفضه أهلها بحجة أن أرضهم لا يجب أن تذهب لغريب وتجبر على الزواج من ابن عمها.. تختفي ليلة زفافها ويدعي عريسها أن قط خطفها تنتهي الرواية دون أن تصرح بالمسكوت عنه ماذا حدث؟ وما هو مصير حنة؟
بالطبع هناك مجتمعات تمارس هذا القهر على البنات خاصة إن كانت ذات إرث، والرواية دعوة لأخذ رأي البنات عند الزواج وعدم إجبارهن على زوج أو قريب، كذلك أن المرأة لها احتياجات لا تصرح بها حياءً يجب على ولي الأمر وضع هذا في حساباته:
"يتجمع أولاد العم "احك يا أمين".
رميت للقط ورك بطة.. ما رفعـــش عنــها العين .علي السرير رمت فستان فرحها و طرحتها .. التفت القط ناظرا إليها وهي نــاظرة ليه. قلت "إيه يا قـــط ما شفتش حريم قبل ســـابق ؟" رعبني بنظرته لي.. بصــة المرحوم أبويا قبل ما يريح كفه على خــدي .. قلت له: عجبتك خدها.. خدها ".
كتبت عن شقيقة حنة المعلقة منذ سنوات رغم زواج زوجها بأخرى تتحدث عن شقيقها:
"وأنت تضع المتاريس وتمنع خروجي حتى لحشّ البرسيم أو لجني النعناع لشاي العصاري و ترسل الصغيرات.
أنت تريدني جدارا أصد وجه الريح من حيث تأتيني.. نخلة بلا ثمر.. بلا سعف يجلس في ظله رجل والآن استطال نخلي وطاب رطبي فلا تسألني عمن يجني هذا التمر المتساقط".
ما هي التحديات التي واجهتها في كتابة رواية "شارع تحتمس"، وكيف تغلبت عليها؟
بالطبع كتبت عن الناس في الجنوب في أسوان والأقصر وحفرهم وبحثهم عن الآثار ليل نهار سرًا بالطبع.
- في متتالية (وللجبل أغان أخرى) وفي رواية (شارع تحتمس) كذلك في روايتي الأخيرة (طار فوق عش الخفافيش).
في رواية (شارع تحتمس) المثل الشعبي (نادي المنادي في يوم العيد الفقري فقري والسعيد سعيد) كان عنوانا لأربعة عشر قصة عن الباحثين عن الآثار أو من يجدها مصادفة، منهم من ينجح يجد آثارا بالملايين ويصبح ثريا وسعيدًا لكنه يفقد أسرته أو يفقد حياته أو عزيز لديه أو حريته يسجن في المقبرة ولا يستطيع الخروج أو يسقط الجبل فوقه، والبعض يفشل يهمل عمله ومصدر رزقه وقوت أولاده ليبحث ولا يجد شيئا وكثر يقعون ضحية لنصابين.. كلنا عاشقون لتراثنا وعظمة أجدادنا وما تركوه من آثار.. يقول بطلي :
"قف أمام أي تمثال مصري قديم في متحف وانظر إليه.. إنه يتابعك بعينيه.. من اليمين.. من اليسار.. من أعلى.. من أسفل.. من أي زاوية شئت ومن كل الزوايا تجده ينظر إليك.
هل تعرف لوحة الموناليزا "ليوناردو دافنشي" تعلم سر نظرات عينيَّ الموناليزا من تماثيل الفراعنة القدماء.. صدقني.
قف أمام أي تمثال وانظر إليه، الجانب الأيمن من التمثال مثل الأيسر تماما لن تجد أدني اختلاف. شاهدت تمثالا لأصلع في أحد المتاحف أدهشني أن الانخفاض الصغير الذي يوجد في رأس أي أصلع بالضبط في التمثال في المكان نفسه وبالحجم نفسه لهذه الدقة بلغ فن المصريين القدماء.
أعرف أنني بعت تاريخ أجدادي هذه التماثيل لا تقدر بثمن .. والله لولا الفلس ابن الكلب والعوزة لما بعت".
كان التحدي أن أجد مصدر للحكايات لأربعة عشرة قصة عن الباحثين عن الآثار بالإضافة لقصة البطل الرئيسي ووجدت وكان إهداء الرواية لهم أصحاب الفضل الذي حكوا لي.
كيف ترين مستقبل الأدب في مصر والوطن العربي، وما هي التحديات التي يواجهها؟
مستقبل الأدب صعب في وجود الإنترنت والهواتف المحمولة، لأن جيل الألعاب الإلكترونية والفيديوهات أهم عنده من القراءة، وهناك برامح ذكية تكتب وتوجه الأديب وهو يكتب، وهذه كارثة..
كم عدد الطلاب الذين يدخلون المكتبة المدرسية للقراءة أو للاستعارة؟
هناك مسابقات للشباب لحثهم على القراءة وهي خطوة رائعة للعودة للقراءة، التحديات كثيرة تواجه الأدب وقد نصل لوقت قريب نجد فيه الكتاب الورقي يحتضر مثلما الصحافة الورقية تصارع الآن.
ما هي النصائح التي تقدمينها للكتاب الشباب الذين يرغبون في دخول عالم الأدب؟
نصيحتي للشباب القراءة قراءة كل ما يصل له خاصة إنتاج جيله لمعرفة الجديد، وقراءة أعمال الأجيال الأقدم لأخذ الخبرة، والمتابعة في نوادي الأدب والتجمعات الأدبية في المكان الذي ترتاح له نفسه، والتواصل مع الأدباء في محافظته، وغيرها، وتكوين شبكة من الأصدقاء في عدة محافظات يتواصل معهم بالزيارة كما فعلنا في بدايتنا، وألا ينشر كتابه الأول إلا حين يتأكد أن عمله على مستوى جيد، والاستماع للنصح من أقدم منه ومحاولة تطوير نفسه باستمرار، وألا يتوقف عند محاولات النفسنة والغيرة ممن يغيرون من موهبته.. هذا إن كان موهوبا فعلا فليست كل نصيحة هادمة ..
كلنا ظروف الحياة تحبطنا وتأخرنا أديبات وأدباء، لكن يحاول أن يكون أقوى من ظروفه.. أقولها لأنصح نفسي قبل نصح الآخرين.
كلمة أخيرة تحبين قولها للقراء..
الأدب يحمل الكثير لي "فرح هو قلب الكاتب وهو يسترد أضعاف ما أعطي من حبهم وتعظيمهم وتقديسهم لأعماله".
( رع حوتب )
"إن ما يخطه قلمك سيعيش أبد الدهر ويكون أكثر خلودا مما ينقشه الآخرون علي الحجر الصلب لأنه سيعيش في قلوب الناس ورؤوسهم".
( برديات سنب حوتب )
أتمنى أن تعيش أعمالي وكتاباتي طويلا، لكن هل ترى هذه الحدأة التي تحوم في السماء تنتظر فريسة؟
الموت هكذا حولنا يتربص بنا .
ينتظر في ركن ويراقبنا بربع عين وفي لحظة يأتينا بقدر الله سبحانه وتعالى ومشيئته ينقض علينا.. يخطف من يخطفه من بين الجمع في غمضة عين..
لذلك أتمنى أن أجد الترحيب والتعظيم والحفاوة لموهبتي ولأعمالي وتميزها وأنا أحيا وفي كامل صحتي ..
|