|
القاهرة 02 سبتمبر 2025 الساعة 11:49 ص

بقلم: أمل زيادة
سكان كوكبنا الأعزاء..
ها نحن نلتقي من جديد، مر أسبوع أخر من عمرنا ومعه مرت أيام جميلة أظنها لن تعود ولن تكرر.
يغادر أخي وأسرته منزل العائلة بعد أن مكث به عامين، كان بالقرب مني مدة عامين كاملين، ظرف طارئ أجبره على الانتقال إلى منزل العائلة.
رغم قسوة الحدث إلا أنني كنت سعيدة الحظ بهذا القرب.
أسرة كاملة تعرفت عليها عن قرب، شخصيات مختلفة، بتفاصيل وأحلام وهموم وطموحات تختلف من شخص لآخر.
لا أخفي عنكم كانا أسعد عامين مرا عليّ منذ وفاة أمي، رغم ما تخلله من ضغط نفسي ومفاجآت لم تكن تخطر على بال.
يغادر أخي لبيته هذه المرة بشكل نهائي تماما، أعلم أنه يستحق الاستقرار وأنه حتما كان سيعود يومًا، لكن التعلق هو ما أخشاه، أعلم أنني ما سوف أعاني آثاره لفترة غير قليلة.
لا أدري لماذا أحزن لانتقاله ربما لأنه في محافظة أخرى، رغم علمي أن المسافات لم تعد عائقًا في ظل هذا التطور الهائل في وسائل الانتقال.
قضيت معه ومع أسرته آخر أشهر، أزورهم كل يوم، ويصر كل يوم على توصيلي للبيت رغم أن الفاصل بيننا عمارة سكنية واحدة!
عندما لا أذهب إليهم أجد أبناءه، يرسلون رسالة، يقولون: أخبرنا أبي أنك قادمة لماذا تأخرت؟
أعود بالذاكرة وأتساءل هل حقًا وعدته بالزيارة؟!
أبتسم وأترك كل ما بيدي وأنهي كل شيء على عجل وأذهب إليهم على الفور.
وصلتني الرسالة.. يريد أن يقتنص الوقت بالقرب مني مثلما أفعل فغدًا ستشغلنا الحياة وتبتلعنا دوامة الظروف والحاجة.
وتصبح الزيارة ثقيلة بحكم الظروف ووجود ألف قيد وألف مانع يعوق الاستمتاع بالزيارة.
تستقبلني بناته وزوجته بالترحاب، تعد لي أشهى المأكولات تعلم أني أحب الحلويات تتفنن في صنعها.
نقضي الوقت في التنزه والنقاشات نتحدث عن الفن والحياة والأغاني والأحلام، خاصة الحب ذلك الضيف المبهج من الخارج والمزعج من وجهة نظري خاصة إذا سقطنا أسرى دروبه.
ترى بناته أن الحب شعور جميل وأن من يحُب يضحي وأن الحياة وردية وأنه سينتصر..!
والفراشات الحمراء والقلوب والدباديب هم الأساس ويرى ابنه أن لا وجود للحُب في عصرنا، وأن الفتيات في هذا العصر تبحث عن الاهتمام فقط ولن تتحمل مسؤولية، تريد أن تحمل لقب مخطوبة لتنال جزءًا من حريتها المزعومة والتي ترى أسرتها تقيدها وتسلبها إياها.
أنصت له ولهن وأتساءل هل كنت مثلهم يومًا كل همي الحب والبحث عنه في عيون الآخرين؟!
متى كان الآخر هدفا بالأساس إلى هذا الحد؟!
لاحظت أن هذه الظاهرة قد تكون حالة السواد الأعظم من أبناء جيلهم، لقد سافرت معهم في عطلة سريعة وتعرفت على رفاق الرحلة وأبنائهم.
اندهشت حقًا إن همهم المهيمن هو إثارة إعجاب الآخر حد السواء.
ظننت أن ما يحدث كان نتاج الأجواء المبهجة والرغبة في الاسترخاء بحكم طبيعة الرحلة والبحر والطبيعة الخلابة.
بمرور الوقت أدركت أنه لم يكن شيئا عارضا بل هدفا أساسيًا لهم جميعا.
تساءلت ألم أكن مثلهم ذات يوما؟!
مراهقة لها مشاعر جياشة وعاطفة... ألم أميل إلى أحدهم؟!
فتشت في دهاليز الذكرى لم أجد شيئا يذكر، حتى لم أجد شخصا يستحق لقب الحب الأول..
ربما كان الحب الأول بالنسبة لي أدهم صبري بطل سلسلة رجل المستحيل
هو البطل الوحيد الذي أراه يستحق الذكرى.
بالتمعن قليلًا ومع التقدم في العمر، وجدت أن حبي الأوحد كان للكتابة..!
لذا دائما وأبدا ما أشدد على ضرورة وجود موهبة في حياة أبنائنا
لأن وجودها يشغل الذهن بما يفيد، يجعلنا في حالة تفكير وشغف دائم وتطلع للوصول للأفضل ومتابعة أحدث ما برز في المجال الذي نحب..
لا أقصد من ذلك تجاهل مشاعرنا البريئة لكني ضد إهدارها مع أي كان بدافع البحث عن ارتباط عابر تقليدا لرفاقي أو غيرة من صديقاتي!
لأنه دائما ما يفشل بحكم الظروف وتغير المشاعر.
لا أدري هل تتفقون معي فيما أقول أم لكم وجهات نظر أخرى.. أخبروني برأيكم بهذا الشأن؟!
بكل الأحوال أعلم أني سأعاني فراغًا كبيرًا نتيجة تعلقي بأخي وأسرته عندما يعودون لتعمير بيتهم بالحياة...
أعلم أنها سنة الحياة، لقاء وفراق، لكن تظل الذكرى أجمل ما في حياتنا لذا أزعم أني بنيت معهم ذكريات جميلة يتذكروني بها فيما بعد.
أجمل ما في هذه الذكريات أحاديثنا ونقاشاتنا وخلافاتنا واختلاف وجهات النظر وتخلينا عن الهواتف، قضينا أوقاتا سعيدة كثيرة، لعبنا فيها وسألنا بعضنا البعض أسئلة قد تكون مجرد أسئلة عابرة داخل نطاق اللعبة وقوانينها لكنها في حقيقة الأمر لحظات مكاشفة ومواجهة مع النفس..
أستطيع الآن أن أقول إننا نجحنا جميعًا فيها.. حيث تخطينا مخاوفنا وتركنا خجلنا وعبرنا عن أنفسنا بجراءة وشجاعة كنا بحاجة إليها.
سكان كوكبنا الأعزاء..
كونوا بالقرب مع من تحبون وتنعّموا بصحبتهم فالحياة لم يعد فيها الكثير.. استمروا ببناء ذكريات مع من تحبون..
|