|
القاهرة 30 اغسطس 2025 الساعة 11:01 م

بقلم: أحمد محمد صلاح
وأختلف مع برتراندراسل في تعظيمه لشأن سفر المقابيين الأول والذي قامت عليه الديانة اليهودية، وقد جعل منه أساس الديانة المسيحية والإسلام أيضا، فهو نوع من التزيد الفلسفي، فالمسيحية قد جائت لتصحيح الديانة اليهودية، بعد أن تحولت إلى عقيدة مادية كما أسلفنا.
وقد يكون من المناسب أن نلمس أيضا دور يهود الإسكندرية في مصر بعد أن اندمجوا مع الفلسفة اليونانية، فهم ـ يهود الاسكندرية ـ تمسكوا بشريعتهم من تعظيم السبت، الختان، تحريم أكل الخنزير، وأعتقد أن سفر أخنوخ، النبي المصري المعروف بإدريس كان له دورا محوريا في فلسفة اليهود.
فمن الثابت تاريخيا أن اليهود لم يكونوا يسمحون بظهور الأنبياء بينهم لنشر الجديد في دينهم، أو العودة الي الأصول وكانوا دائما ما يقتلون الأنبياء الذين ياتون مبشرين، ويقول راسل:
"حتى إن مَن أحس منهم ميلًا شديدًا إلى الكتابة على غرار ما يكتب الأنبياء؛ زعم أنه قد كشف عن كتاب قديم، يرجع إلى داود أو إلى سليمان أو غيرهما من القدماء الذين لم تكن تشوب مكانتَهم المحترمة شائبةٌ" أي انه كان يتم تكذيبه.
ومن العجب أن يلتجأ اليهود إلى كتابات سفر أخنوخ، وهو سِفر مؤلَّف من عدة أجزاء، كتب كلَّ جزء منها مؤلِّفٌ معين، وأقدمُ هؤلاء المؤلفين أسبق من عهد المقابيين بزمن يسير، وأحدثهم تاريخه حوالي 64ق.م.، ومعظم هذا السِّفر مفروض فيه أنه يروي رؤًى نزل بها الوحي على الرئيس الشيخ «أخنوخ»، وهو غاية في الأهمية بالنسبة لجانب اليهودية الذي تحول إلى مسيحية كما يؤكد راسل.
واعتبره بعض القديسين من تأليف أخنوخ فعلا، في حين رفضه البعض، وهو مؤلف من حكايات رمزية عن الجنة والنار والشياطين ويوم الحساب، مما يجعل هذا السفر قريب الشبه بالفردوس المفقود أو اذا سمح لنا بحكايات سفر التكوين.
وآخر عبارة وردت في السِّفر هي هذه: «إنه سيهب المؤمنين إيمانًا في إقامتهم في الطرق القويمة، وسيرون أولئك الذين وُلدوا في الظلام وهم يُساقون في ظلامهم، بينما سيكون الصالحون في تألُّق الضياء، وسيصيح الآثمون صياحًا عاليًا، وسيرونهم في ضيائهم متألِّقين، وسيمضون إلى حيث يقيمون ما كُتب عليهم من أيام وفصول.»
والغريب ان اليهود تعددت اسفارهم ومنها استقوا الكثير من فلسفتهم،وكانت أسفار أرضية مثل: عهود الرؤساء الاثني عشر التي كتبت بين عامي 109 و 107 قبل الميلاد، ويحتوي هذا السِّفر في صورته التي لدينا الآن على قواعد تقليدية جامدة، فإذا ما أزلت هذه الزيادات وجدت التعاليم الخُلقية فيه قريبة الشبه جدًّا بتعاليم الأناجيل، فكما يقول الدكتور ر. ه. تشارلز: «إن موعظة الجبل تصوِّر في مواضع كثيرة منها روح النص الذي لدينا، بل إنَّها لتستخدم نفس العبارات التي تراها في هذا النص، وفقراتٌ كثيرة في الأناجيل تحتوي على إشارات تدل على الشيء نفسه، ويظهر أن القديس بولس قد استعمل هذا الكتاب سميرًا صامتًا».
ثم جاءت مرحلة ماركوس أنطونيوس والذي نصب صديقه هيرودس ملكا علي اليهود الذي كان ميالا للمجتمع الروماني وأبعد ما يكون عن الدين اليهودي، وحاول بناء المعبد ووضع عليه نسرا ذهبيا كبيرا علي بوابته. وفي عام 66 ثار اليهود علي روما لكنهم هزموا ووقعت أورشاليم سنة 70 في يد الأعداء وتهدم المعبد.
ويقول راسل " وخير مثَل يوضح أثر اليونان في اليهود في عالَم الفكر هو الفيلسوف فيلون الذي كان معاصرًا للمسيح، فبينما كان فيلون شديد التمسك بقواعد دينه، كان في الفلسفة أفلاطونيًّا قبل كل شيء، وإلى جانب الأفلاطونية، كان الرواقيون والفيثاغوريون المُحدَثون من أهم العوامل التي تأثَّر بها، وبينا ترى فيلون لم يعد له من أثر في اليهود بعد سقوط أورشليم، ترى «الآباء المسيحيين» قد وجدوا فيه رجلًا عرف كيف يوفق بين الفلسفة اليونانية وبين الإيمان بالكتاب المقدس العبري.
|