|
القاهرة 26 اغسطس 2025 الساعة 09:37 ص

بقلم: شيماء عبد الناصر حارس
يبدأ عقلي في التفكير وقلبي في البكاء بشكل مفرط بينما تتحرك يدي على لوحة المفاتيح للكتابة وعيني تقف متحجرة، لا شيء سيحرك دموعي، ولا أعرف ماذا أنتظر منها، ولماذا يطلب مني قلبي البكاء وليس لدي ما يحزنني –حدث ما- لكنه فقط يسترجع مشاعر ضبابية، وربما ذكريات لا تظهر في شكل حدث ولكن شعور غامض منهمر ومختلط مع الكثير من الأشياء وأحاول التفكيك بالكتابة.
إن نماذج عدم الانصاف اليومي الذي أتعرض له أحيانا بشكل شخصي وأحيانًا أراه في تجارب الآخرين، أعتقد أن كل هذه الأشياء لا تمر هكذا بدون أثر.
هي تتسرب ببطء إلى وعيي وتنهشني في أي لحظة تختارها هي.
لكني في الوقت ذاته ومع استسلامي لبعض الوقت أجدني أكافح من أجل الخروج وتنفس الهواء الطلق خارج هذه الدائرة الشريرة، تختلف الطرق في كل يوم وفي كل مرة، أتعلم مهارات جديدة للخروج الآمن، ألملم شتاتي وأسندني حتى أصل للخلاص.
اليوم مثلا قمت بخلط بقايا الطعام مع التربة كوسيلة للحفاظ على حالة الاستدامة البيئية في حياتي، وأحاول الاستمرار على ذلك كلما واتتني القوة –النفسية- وكلما استطعت التغلب على اليأس، لأن الواقع سيء والرؤية تشاؤمية بالنسبة لي بالفعل.
لكني أجلس في حالة تناحة، وأحاول تقليب رأسي لأفصل كل شيء على حدة، عقلي مليء بالألغام، والاستفزاز المستمر، نقطة الهدوء التي حصلت عليها من نوم أمس كانت رجاء حقيقيا لأني أريد الراحة بأي شكل.
لماذا علينا مواجهة كل هذا؟
وأنا في طريقي للعمل فكرت في الدنيا والحياة والناس وكل شيء، هل هناك راحة في العالم؟ الصراعات والموت والحروب والإبادات والمجازر وكل العنف في الكون، وهناك عنف آخر متخف تحت الماء، وبين الحيوانات والطيور أو حتى الحشرات.
أحلم بحالة أو لحظة يسكت فيها العالم ويقف تماما، الماء عن الجريان والبشر والحيوانات عن الحركة وعقلي عن الانفجار.
مشاعري تلون الواقع، في كل مرة أسأل نفسي عن الثقل الذي أشعر به أحس أنني أضع مشاعري وأفكاري داخل سجن يصنعه مخي، هذه الجمجمة تسجنني حرفيًّا.
وهذا يضع الكثير من الضغط علي، نفسيًا وجسديًا وكل شيء، وبالفعل أحتاج للراحة.
طلب مني في إحدى "ورش الكتابة" أن أكتب ضمن مساقات البرنامج الهدف من الكتابة، ولماذا أكتب؟
بالطبع كتبت الكثير من الأشياء وقدمتها في الملف، لكني الآن أتذكر ذلك وأنا لدي رغبة في البكاء، أنا حزينة ومتعبة، وعقلي يصر على صنع حواجز بيني وبين الواقع، فرصتي الوحيدة كما كتبت في الملف الذي قدمته هي الكتابة، حينما أرغب في البكاء ولا أستطيع، ألجأ إليها، حينما أشعر بالاضطراب والذهول أو الغضب والإحباط أكتب، المشاعر جميعها بسيطة ومعقدها تستطيع أن تظهر في هيئة كلمات على ملف الورد، بالطبع تكون المسألة صعبة، لكنها الفرصة الوحيدة.
حينما أقاوم الخيال وأعود إلى الواقع أقول لنفسي: الواقع فعلا سيء ويستحق الهروب منه إلى أحلام اليقظة والخيال، لكنه رغم سوئه هو الحقيقة، والحقيقة دائما مهما كانت هي أفضل من الوهم.
مسألة السجال بين الشخص وذاته ومحاولات التعافي بغض النظر عن نوع المشكلة، لفتت نظري إلى كيفية حدوث التغيير وأنه شيء قابل للتحقيق، لكنه –من قلب الحدث- ليس سهلا أبدًا.
في حالة أحلام اليقظة الأمر أصبح مثل الإدمان، والمشكلة صارت مقاومة مدمن "مدمن في عقلي" أصبحت هناك مسارات عصبية –قوية جدًا- لأحلام اليقظة، بالفعل علي التعامل مع الأمر مثل لعبة "الاستغماية" أنا أحاول السيطرة والمدمن يحاول الهرب، والأمر غير بعيد أو مختلف في مشكلة التفكير المفرط، كلها يمكن اختصارها، من وجهة نظري في إدمان يسرح داخل المسارات العصبية في المخ، والحل في علاج المدمن، أو مقاومته، وآليات مقاومة المدمن الداخلي تشبه تماما آليات التعامل مع المدمن العادي لأي مخدر أو سلوك أو غيره.
في الصباح يبدأ عقلي في نسخ قصصه المعتادة، أبدأ في الإحساس بالحزن أو الإحباط، هناك مساران لليوم، إما أن أهز عقلي هزة عنيفة من خلال النداء: توقف، أو محاولة الخروج من المزاج السيء بشيء ما حتى ولو كان ترديد كلمات إيجابية عن حالة نفسية غير موجودة ولكن الكلمات الطيبة توجدها، والمسار الثاني هو الانسحاب مع عقلي إلى تلك الحالة فيضيع أغلب اليوم في قصص وهمية مليئة بالسعادة والإنجاز أما في الواقع فأنا في غاية الإحباط والتردي بين الذاكرة السيئة أو الأخطاء، أو أكتب، أكتب لأحلام اليقظة أو التفكير المفرط أو لنفسي أو للكون، ينتهي الوقت المخصص للكتابة بابتسامة رضا تلك التي تظهر حينما أنتهي من مذاكرة قسم أو درس في تدريب أو انتهاء مهمة مطلوبة مني، أحارب أحلام يقظتي بالكتابة، أدفع الإدمان عني بالكلمات.
اتباع العديد من الطرق منها العمل والأعمال المنزلية الكتابة والرياضة واليوجا والتمدد وأي شيء وكل شيء يمكنه ملء وقتي وعقلي حتى لا أدع له ثانية واحدة لممارسة عاداته السيئة، حينما بدأت مراقبة عقلي والسيطرة عليه اكتشفت روعة أن أفعل أشياء صغيرة، أن أكتب فقرة واحدة من مقال في اليوم، أغسل مجموعة أطباق، أمسح الغبار عن منضدة أو بضعة كتب، أشاهد فيديو مدته ربع ساعة، أو أقرأ بضع صفحات من كتاب، أتدرب على تمرين رياضي معين لبضع دقائق، في نهاية اليوم يصبح لدي مجموعة من الأفعال الصغيرة والتي تمثل كرة ثلج في كل نوع منها، مع الأيام الفقرة ستصبح مقالا، ومجموعة الأطباق ستصبح كل المواعين في المنزل مع المطبخ، والمنضدة الممسوحة ستصبح الشقة كلها، والصفحات المقروءة ستصبح كتابًا، البدء في صنع عادات مضادات للعادات القديمة، بدلا من أن تسحبني أحلام اليقظة بالساعات، أسحب أنا عقلي وجسدي لأداء مهام ستعود بالنفع علي من حيث جودة الحياة والصحة تبدأ من غسيل الأسنان وحتى شرب كوب من الماء وترطيب يدي بكريم مرطب، كلها عادات أصبحت أحاول المداومة عليها، بسيطة وعادية لكنها مهمة ومفضلة بالنسبة لي على أحلام اليقظة.
|