|
القاهرة 12 اغسطس 2025 الساعة 09:59 ص

بقلم: د. حسان صبحي حسان
تحتفي إشارات "جون ديوي" بأن الصورة ليست سوى ذلك الفن الذي يعمل على تعضيد كل ما هو (متضمن) في تنظيم (المكان والزمان) وكذلك هي اللحظات الزمنية والمواضيع المكانية المحملة برواسب متراكمة من الطاقة تجمعت خلال أمد طويل. فللمكان أهمية خاصة في مضمار العملية الإبداعية ومجالات الفنون البصرية، ليعكس فكر الفنان صورة هذا الارتباط المكاني (والإدراك الحسي) المكاني في أعماله الفنية، ليصبح ذلك المكان هو الملهم للوهج الإبداعي، والبوتقة التي تمازج (الثقافة والتاريخ والحضارة والاجتماعيات) والقناة التي تعظم رسالة وأفكار الفنان.
فالإحساس المكاني والإدراك الجغرافي ليس منظرًا طبيعيًّا أو كينونة حسية، بل وسيلة فعالة لنقل تصورات فنية سحرية تتوالد من خلال التجريب والتحديث وتلتحف بالهوية والمواطنة.
وقد امتلكت "المدينة المنورة" (مدينة التاريخ والفنون) مكانة ومزايا تنافسية على الصعيد (الديني والجغرافي والتاريخي والحضاري والثقافي والاقتصادي والاجتماعي) تمكنها من توفير البيئات الداعمة والمناخ المواتي لرعاية ودعم واحتضان العديد من الرواد والمواهب التي ساهمت في نحت مشهدية المحتفي الفني والتحفوا ب "المدينة المنورة" كبيئة مفعمة شكلت عقليه ووجدان الفنانين، وألهبت خيالهم ووفرت لهم الصفاء والنقاء والبراح الذهني، ليستلهموا رموزهم وعناصرهم الدالة من سرديات الحياة اليومية "بالمدينة المنورة" وخصوصيتها.
وفي ظل امتلاك "المدينة المنورة" لمقومات قادرة على إعلاء الإبداع، من خلال منظومة مترابطة تثقيفية، لتسطير البصمة العالمية، واستمرار الشغف الفني، تنبري الأهمية والأولويات نحو تحفيز الطاقات الإبداعية الخلاقة، وتأسيس قاعدة فنية صلدة بما يرسخ مكانة " لمدينة المنورة" كمركز عالمي للفنون، وملتقى للمواهب الفنية الاستثنائية. فالفنون البصرية بمفهومها الشامل هي قوة ناعمة وركيزة لنحت خارطة التحول في "المدينة المنورة" ورفع الذائقه الفنية، وتصدير أجيال لديها من الميكانزمات الإبداعية، بما يمكن من تعزيز المكانة والحضور والأثر والهدف نحو مجتمع حيوي، برعاية الأميـر سـلمان بن سلطان بن عبد العزيز، أميــر منطقــة المدينــة المنــورة.
-
المشهد الفني المعاصر في المدينة المنورة:
وانبرت العديد من أسماء الرواد والمبدعين عبر الفترات الفنية المختلفة في "المدينة المنورة" عبر (أجيال الرواد- أجيال الوسط- جيل الشباب المعاصرين) والذي تناوعت لديهم جميعا الرؤى والتصورات والمجالات الفنية التي تعكس ثراء المدينة المنورة كشاحذ ومنبع وملهم ثري لمخيلة المبدعين والمتأملين، فالمكان هو عنصر أساسي وحيوي في أعمال الفنانين البصريين، ومادة خام للإلهام والإبداع، يستمد منها الفنان أفكاره ورؤاه، والبوتقة التي لديها القدرة على التأثير في الفنان وفي العمل الفني ذاته.
فيض من الفنانين الذين داروا في مضمار الإبداع والحداثة التعبيرية الذين تنوعت تصوراتهم الفنية وأطروحاتهم ما بين (التشخيص والتجريد والتعبيري والواقعي والرمزي) من خلال وسائط متناوعة ومناورات في التجريب والتوليف والإضافة، بما يتسق مع همة فناني المدينة وطاقاتهم الإبداعية، وانحيازهم نحو التجديد والحداثة والمعاصرة وقبض الهوية الوطنية.
فبدأت أعمال الرائد "محمد سيام" من الدراسة الواقعية الوصفية معتمدًا على تخيله الشخصي، لتخلط الأشكال في بوتقة واحدة وتصهرها خبرة الفنان، وفق منظومة البناء الفني للعمل الخاصة بالفنان والممهورة برؤيته الخالصة، في بنائيات تدعم عناصر البيئة السعودية بلغة بديعة. ليبلور الفنان أسلوبية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، فداخل فضاءات أسطورية حالمة تعزز فعل التعبير النابض، سطرت المنجزات البصرية ل"سيام" حقائق العالم، ونسج براح روحي ذاتي من الوجداني الداخلي، وإعلاء المشاعر التي تجسد الحقيقة وترممها بوضوح مكين يعلي ترابطيه النسق البصري واقتران المحتوى الفكري به.
لذا انطلقت اهتمامات" محمد سيام" عبر صيغ واتجاهات فنيه متناوعة، لترتسم عدة أعمال لديه بالتأثيرات المباشرة للتكعيبية التي عكف عليها "براك، بيكاسو، ليجيه" كطليعة فكرية تبنوا تحولاً جذرياً في الفن بتبنيهم مفهوماً جديداً للشكل وللعمق، حيث أصبحت البنية التوافقية للوحة كالقطعة الموسيقية هي الأساس، متخلية عن كل صور التقليد لأنه يري أن الأثر الفني يحتفظ بقيمته لذاته وليس لمضاهاته للواقع.
وارتكل الفنان الرائد "منصور عبد الحميد كردي" إلى تشفير واسترداف المكان وفق معطيات ومدلولات سيكولوجية، تؤدي إلى التجانس مع المكان بأنساق مختلفة، حيث يأتي الفنان باعتباره أحد رواد الحركة التشكيلية في المملكة العربية السعودية وأحد مؤسسي الحركة التشكيلية في المدينة المنورة، والذي تتمايز أعماله الفنية بالجمع بين (الرمزية والواقعية) في قالب يجسد خبراته وهويته السعودية وحسه المرهف، نحو توظيف المفردات والعناصر والزخارف والرموز الهندسية والمعمارية التي تلامس الذائقة الشعبية والتراث والبيئة المحلية في تشكيلات متفردة، محافظًا على فكرته الأساسية.
فاعتمد على ترجمة وطرح تصورات للمكان وفق معطيات ومدلولات سيكولوجية، تؤدي لإحساس الإنسان بالتجانس مع المكان بأنساق مختلفة ضمن معطيات الفكر والثقافة الإنسانية، والمرجعيات الحضارية وسط سياقات المعاصرة، ونظرية المكان من منظور جمالي ودلالي، ووضع توصيفات عدة لأنواع المكان، المتعالقة مع أهم المفاهيم التي تدخل في جدلية تشكيل المكان ضمن حقل الفنون التشكيلية ومنها: المكان الواقعي، المكان الرمزي، المكان الافتراضي، المكان المتخيل.
والفنان الدكتور " فؤاد مغربل" هو كينونة إيجابية وحيوية فياضة وطاقة متقدة ومحفزًا ديناميكيًا للتفكير في الفن، اشتهر بمشاركته الدورية في المعارض الجماعية والورش والفعاليات الفنية ودعم المواهب الشابة العديدة بمرسمه وأفكاره الفنية، فجاءت أعماله كمنظومات بصرية تتوحد فيها ثقافته الفنية وخبراته. حيث انصهر بفنه في بيئة المدينة المنورة وحياتها ومبانيها وتفصيليتها وشوارعها بكل صدق وهمة تجريبية مبدعة (يمسك بتلابيب المشهد ويجسد الحقيقة ويعبر عن الجوهر ويوثق المعلومة ويمحصها بعناية).
واعتمدت أشكاله على التحليل الخطى الهندسى فى تجزئة العناصر وتراكمها، دون العناية بمبدأ التجسيم تحت الضوء المحدد الاتجاه والإسقاطات الظلية المرتبطة به، واحالة الأشكال الى مسطحات مبسطة، بحيث يصبح كل سطح ممثلاً لإحدى زوايا رؤية الجسم، أشكالاً تتفكك ثم يعاود الفنان تجميعها، وعلى الرغم من تعدد وتراكم السطوح وتراكب جزئياتها يبقى التكوين متماسكاً بصورة مقنعة للمشاهد الواعى.
ويأتي الضوء في شروحاته الفنية لينبع من قلب العناصر وداخل أجزائها وليس ساقطا عليها من مصادر الضوء المعتادة، لتصبح عناصره روحانية نورانية تشع البهاء والضوء وتبوح بالضياء والنور والإشراق وتصدر الطاقة الإيجابية الدينامية، وهو ما تؤكده التقسيمات الهندسية والعضوية داخل أعماله التي تجلب الحياة والنبض والروح داخل بنائية العمل، وتصبح مصدر الشحن الطاقي للعناصر ومجالها المغناطيسي.
وتنبدى رؤية" نبيل نجدي" ومنهجه الفني الخاص منطلقًا من تجريدية يغلفها تلميحات تجول بمخيلة الفنان الإبداعية لإعلاء معالجات بصرية بالخطوط العربية كعلامات طوّعها الفنان عبر خامات مثل خامة الحديد الصلب والصاج والنحاس بحرفية مكينة تحاكي مرونة وانسيابية الحرف العربي، وفي عدد من مجسماته النحتية اكتشف فيها "النجدي" علاقة شكلية بين الأنابيب المصنوعة من الحديد وصفائح المعدن وشرائط النحاس، والتي يشكلهما في انسيابية وليونة لدعم أفكاره الإبداعية، وإعلاء من قيمة الكتلة كمحرك فاعل، وتغليفها بالديناميكية التي تنحو بعيداً عن المعاني المقروءة، وتوليد الحوارية العاطفية، وعكس القدرة على ترجمة وتسطير المفهوم من خلال تحكم أدائي بتراكيب معدنية تنويرية ذات هيئات شكلية حداثية.
والدكتور "صالح خطاب" هو فنان تشكيلي سعودي ورائد قدير، مبدع من أصحاب الوعي الفني المعاصر، له مساهمات فنية وإدارية في المجال الفني السعودي، و شغل عدة مناصب منها منصب رئيس قسم الفنون التشكيلية في الإدارة العامة للنشاطات بوكالة وزارة الثقافة والإعلام السعودية، وأقام العديد من المعارض الفنية الشخصية والجماعية، وحصل على شهادة الماجستير في الفنون الجميلة من جامعة إنديانا ودكتوراه الفلسفة في الآثار الإسلامية من جامعة الملك سعود.
أسس الدكتور "صالح خطاب" لتنوع ثري عبر أطروحاته الفنية، وصدر لوهج فاعل في الوعي الإبداعي بالمدينة المنورة، وصار حالة فنية صادقة لصيقة بسياقها البيئي والجغرافي والتاريخي والديني بالمدينة المنورة، وحول خواص وطبيعة المواد الحسية والتعبيرية، ليعزز فكرة العمل، بما يحفز قدرات الفنان نحو التنقيب عن الخامة الملائمة لتشخيص مرئياته، وشحذ الإيحاء بالمعنى، ليتطور مفهوم فن التصوير من أصوله الوضعية، والتحول عبر الأفكار والرؤى- لصالح أعمال معاصرة ذات بعد فلسفي وتعبيري وجمالي، والخروج من قالبه التقليدي للمعاصرة.
ولما أسهمت به من مجهودات فكرية وتقنية دافعة لمجال الفنن البصرية بتوجهاتها الحداثية في المدينة المنورة، جاءت أعمال الفنانة "مريم مشيخ" لتمتلك قدرة خاصة على تنظيم العالم وصياغته من جديد عبر رؤية روحية بالذات الإنسانية وأحوالها، إلى جانب اتجاه الفنانة نحو تجسيد الحياة من خلال مشاهد محمله بالمشاعر والانفعالات والحلم الجمالي المستلهم من جغرافيا المكان والمحيط البيئي للفنانة، من خلال الوسائط والعناصر والتقنيات وتوظيف العلاقات والعمليات التصميمية وسيكولوجي الألوان للتعبيرعن قيم تتسم بالبنائية والصرحية والمعمارية والتوليف والإيهام بالأبعاد الثلاثية والملمسية متعددة المناظير.
وباعتباره نقطة تحول فاعلة في مجال الفنون البصرية، هاجم الفنان "سامي البار" من خلال أعماله رجعية الفن التشكيلى، ليواكب روح العصر وارتباطه بطبيعة المكان وذات الفنان، فاستطاع الفنان أن يحلق بعناصره لآفاق من التعبير المفعم بالفكر والمتشابك مع طبيعة عبقرية المكان والنسيج الحضاري للمدينة المنورة بكل معانيها الإنسانية الشاملة وقضاياها ليجسد تطلعاته وتصوراته لعناصره الناطقة النابضة، ويؤطر عوالمه والتي تعج بطاقة شعرية نابضة تتألق في بساطة التقنية وقوتها في الوقت نفسه متحررا من أسر المألوف في جرأة وخروج عن المغلق، إلى رحابه فضائيات مستحدثة استلهمها الفنان من فرادة أطهر بقاع الأرض.حيث عمد الفنان لتصدير الأحاسيس قبيل الموضوع، فلم يركز على محاكاة الأشكال والأشياء كما هي في الواقع، وإنما حرص على تكثيف المعنى وطرح الصور المحتشدة بفيض التعبير، بما يدشن مزيجًا مفعمًا بين العضوي والهندسي متأرجحا في ذلك بوعي وفطنة وقدره نحو استثمار وتوظيف كثافة الخطوط والتوسع فى سرد التفصيليات، والاعتماد على مركز بؤرى لجذب الانتباه.
ودأب الخزاف "عمار سعيد" على التنقيب في خامة الطين والأحجار لتشكيل أفكاره البصرية في مزاوجة بين (رؤيته السعودية والمعاصرة المواكبة للاتجاهات الإقليمية والعالمية)، حيث مرّ في تجربته الفنية بمراحل وتحولات وتباديل ابتكارية عديدة في صياغة الشكل ومعالجة الخامات وتوظيف الطلاءات الزجاجية والأكاسيد والصبغات الملونة، لتنبري في أعماله خصوصية المكان وتشخيص روح البيئة الممتزجة بروحه ومشاعره لاستحضار التراث مع مستحدثات العصر وأدواته. ليحلق الفنان بفن الخزف والتشكيل المجسم متجاوزا الجماليات التقليدية نحو آفاق رحبة من التعبير الإنساني المفعم بالمشاعر والفكر معًا والجرأة في تجريب تقنيات وخامات الخزاف بصورة جادة، كإضافة وحالة بصرية وذهنية جديدة تساعد على الكشف عن الطاقة الكامنة في الشكل الخزفي، وتأثير توليف الخامات المتنوعة على بنائية الشكل كوسيلة مثالية تعج بنقل الأفكار وتصورات الفنان وتشخيص موضوعاته في حوارية تجتذب ذهنية وعين المتلقي.
وحملت أعمال الفنان "رجاء الذبياني" حضورًا استثنائيًا يتعاظم في وجدانية وعقلية المشاهد من خلال موضوعاته الشرقية العربية التي تتمتع بسحر الشرق والهوية الوطنية الخاصة، والتي تكشف عن روح باحث وفيلسوف ومنقب وغواص في مجال الفنون البصرية، يرتكل دومًا إلى تجسيد أشكاله خلال عدد محسوب من الخطوط والمساحات التي تخلو من الصخب والزائد غير المطلوب بما يدعم أفكاره المستحدثة وفعل التعبير النابض في أعماله.
وأطرت أعمال الفنان "محمد بوقس" المستويات العظمى من القيم الجمالية والتعبيرية والإفصاح بنقائية غير معقدة وتفرد عن موضوعات ذات هوية تعبر عن خصوصية الفنان وذاته وتدلل على إمكانياته وقدراته للربط بين الحسي والموضوعي وتجسيد المكتنز الجواني الذي يشخص أفكاره وتصوراته، وحرية التعبير ومعاصرته داخل أعماله بتمكن فلسفي داعم لتسطير حداثة المشهد وتعزيز التكامل الراديكالي.
وسطرت الفنانة "زويا الكاف" من خلال جماليات الطبيعة الصامتة وعناصر الألعاب الرياضية، مفردات للصياغة والاستلهام فوجدت في قواعد لعبة الشطرنج (الملاذ) لطرح حلول بصرية فنية تشق لها آفاقا رحبة بين أقرانها من فناني المدينة المنورة. حيث الشخوص والقطع فوق مساحات الشطرنج بالأبيض والأسود ورمزية المشهد الذي يجتر المشاهد للتأمل والتحليل والانخراط مع عناصره وفكرته الرئيسية.
واستثمر الفنان الدكتور "خالد السريحي" عناصر وعلاقات تتحرك فوق أبدان المجسمات مؤسسة على الشحذ الذهني، وتعزيز الفكرة الملائمة لتكوين المنجز لتوليد معاني مستحدثة بسمات دلالية. ليسعي الفنان لإضفاء الموروث المحلي، واستعراض قدراته الفنية والتقنية عبر تمكن في دمج مجموعاته اللونية، في سيمفونية بصرية، عبر مجال ثري لاستلهام الأفكار وإبداع أعمال فنية تكون البيئة هي المصدر الخصب لتصدير رؤى وأطروحات فنية ملهمة، بما يعزز طرق عرض المفهوم، واختزال الخصائص المادية للأشياء وصلابتها، من خلال ألوان تتمايز بحركة ديمومية تعزز دينامية الشكل، ليمثل تناول العمل بتلك الكيفية الخاصة والعاطفية من قبل فنان تمتع بقدر من الطلاقة.
وكان لامتلاك الفنان لتعاليم التصوير الزيتي وأصوله المنهجية والقاعدية، قد ساعد على تدشين قاعدية الخزف، وإرساء توجهاته، ورسم ملامحه المميزة الموحية وصياغة أبجدية على المستوى المحلى، لينتقل تعبيره من العالم الخارجي إلى ذلك العالم الداخلي بكل إمكاناته الروحية والخيالية.
ومثل الفنان "عادل حسينون" نموذجًا لجيل واعٍ مثقف يمتلك أشروحات فنية تمثل نفسه وذاته، من خلال تجربة ثرية تنزاح لبلاغة التعبير وتكثيف المعاني والنحو عن الأساليب المسطحة أو المعقدة، معتمدا على درجات لونية استلهمها من طبيعته وتفصح عن حسه الرهيف لتأطير دراما العمل، والارتكال لموضوعات محددة تمتلئ بالرموز ذات الخصوصية العربية، ولتأكيد ذلك المناخ والدعوة للقبض على الجذور والهوية، استردف الفنان عناصر ومفردات من مصادر تراثية في إرهاصات إحياء الذاكرة وإبراز أهمية الموروث في مواجهة تيارات العولمة العاصفة فجاءت عناصره لتمثل (الخيول والأشخاص والنخيل والبيئات المعمارية بتفصيلياتها الخاصة والشموس التي تضيء جوانب أعماله) من خلال رؤى ذات أبعاد ودلالات صبغت بحالة روحانية وقيمة إنسانية معبأه بلتصالية مرئية تغذي منافذ الإدراك لدى عقل ووجدانية المتلقي.
وعمد الفنان إلى تحليل العنصر الآدمى والأشكال الثانوية بأسلوب هندسي يتناسب مع تحليل مساحات الأرضية، وتحريك العناصر الآدمية في محور واحد في اتجاه أفقي للإيحاء بالحركة. وعلى الرغم من تعدد سطوح العمل وتراكب جزئياته إلا أن الفنان استطاع أن يبقى على التكوين متماسكاً بصورة مقنعة للمشاهد، حيث حقق نوعًا من توازن العلاقات بشكل غير نمطى وبصورة دالة إيقاعية فريدة من خلال تخفيف حدة تلك التقسيمات في مناطق محددة داخل التصميم، وتجميع المجموعات اللونية القوية الساخنة في قلب التصميم، والمجموعات الداكنة على جوانب التصميم بغرض إغلاقه وتحقيق وحدة الخطوط والأشكال.

وأسس الفنان "أيمن سعود حافظ" لفن يعتمد على تجسيم المطلق الذي يؤطر(الفكري- الروحي- الجغرافي المكاني- الحقيقة) للتعبير عن ذاته الحسية والفكرة التي تنافس الطبيعة في سمو على الواقع، والارتقاء بالجمال الفني على الجمال الطبيعي داخل منظومة فنية ذات معنى تدلل لفلسفة وأيديولوجيا خاصة، والتلوين الذي يربط ويؤكد ويدعم ويختزل ويفسر ويفصح. فابتدع الفنان حيوية بصرية وطاقات روحية تثري الصورة لديه وتمدها بفاعلية متجددة، فاتسمت أطروحاته الفنية بانبثاقها من مكانة المدينة المنورة ومعالمها وحضورها واستلهام عناصرها الدالة، في عزف جديد يلخص رؤاه وأفكاره ويرسخ تصوراته من خلال حسن الدفقة التعبيرية، واسترداف الأفكار من بنك التلقائية التي تستجيب لتداعيات الذاكرة البصرية لديه، وذكريات المدينة المنورة وأحوالها وموروثها الشعبي.
وينبري الفنان "أحمد عبد الله البار" كموهبة نابهة لها المستقبل، ابتدع تأليفات بصرية فنية وتوازنات موسيقية من درجات الساخن والبارد والضوء الحاد المشبع وكنة اللون والشدات ودرجات التشبع، لتفصح أعماله عن سيمفونيات بصرية ذات أصوات تسمع بالعين، وتعبر عن إحساسه وانفعالاته وعما يدور من حوله، عبر أبجدياته الجمالية المعبأة بزخم من الرسائل والعاطفة في اختزال الواقع المحيط وترجمته لشحنات لونية شاعرية نابضة بموازين تعبيرية تفصح عن قدراته واتساقه مع المحيط المكاني. فالفن لديه فعل إعادة الإنشاء وإعادة التشكل والتكوين الحداثي، وتخطي الاتباعي التقليدي للفصل بين حركة الطبيعة وطبيعة الطبيعة، فهو يعرف (كيف يرى وكيف يفكر وكيف يفهم عناصر الطبيعة وكيف يحللها وكيف يستحضر المعنى وكيف يلون) في تركيبات لونية متوقدة بانورامية تصدر سيمفوني وألحانًا غنائية ملونه تشخص حالات متنوعة مثل (الفرح والحزن والغضب والسعادة والقلق والاندهاش والتفاؤل) بما يعزز جمل السرد الدرامي الشاعري الغنّاء بالعمل، ومحاصرة وجدانية المتلقي وبصيرته فلسفيا ووجدانيا.
واستطاعت الفنانة الواعدة "عالية الحربي" أن تشق لنفسها مسارًا خاصًا بين جيل شباب فناني المدينة، فبفضل ريشتها وألوانها، استطاعت تكوين الأشياء من جديد في نحو يختلف عن مثيله الذي نعتاد على رؤيته في حياتنا اليومية، بما يعزز فرص التأمل والتجاوب واقتناص المتلقي لرؤية وتلمس الماورائيات، واقتحام عوالم الفنانة الخاصة المؤسسة من كتل لونية ومساحات هي تلخيص لتجاربها في قراءة محيطها الطبيعي.
وتناوعت أفكار الفنانة "سهام المغامسي" ما بين الفوتوغرافيا والتصوير التشكيلي والرسم والكولاج التلصيقي والرقمي، في ثراء يعكس تعدد إمكانيات الفنانة وقدراتها في إظهار الفكرة وانتقائها للوسيط والثوب الملائم لإلباس الفكرة ورسالة العمل.
وابتكرت الفنانة "ليلى الكاف" أسلوبية خطية ونمط خط عربي، ظفرته مع عناصر أخرى مثل الأيادي والوجوه والإيقاعات الخطية والأشكال الهندسية مثل الدوائر والمستطيلات والمربعات والمثلثات في حيوية وتناغم وانسجام موسيقى أثراه لغة التباينات اللونية، وترتيبات الغامق والفاتح والساخن والبارد وتمركزات الأشكال الرئيسية في قلب التصميم، وتوزيع الألوان المسطحة مجاورة لتدرجات الألوان التي تجسم الأشكال.
وتمايزت الفنانة "رشا طالب" بخصوصية انطلقت من قدسية المكان وروحانية العناصر، مع التركيز على عناصر محددة كأبطال لأعمالها الفنية، والتباين بين الخطوط الرقيقة والأسطح الملونة في كثافة، واختزال التفاصيل وتجريد الشكل لخطوطه الرئيسية، والتركيز على الرمزية وقوة اللون، مع استخدام الإنحناءات والزوايا المائلة لتأكيد حركية التكوين، واستخدام خطوط التحديد الإفعوانيه ذات السُمك المتنوع.
|