|
القاهرة 07 اغسطس 2025 الساعة 01:33 م

كتب: عصام محمد حسين
الحسد شعور باطني بكراهية النعم والخيرات وتمني زوالها من الشخص المحسود، والإيمان بالحسد وعين الحسود يعتبر من أقوى المعتقدات الشعبية في كثير من الثقافات ومنها المجتمع الشعبي المصري إذ تمتد جذور هذا المعتقد في ثقافة المصري القديم الذي أعد للأذى الذي تسببه عين الحاسد تمائم وحاربها بعين حورس الحامية (اوجات) التي تحمي من الحسد والمرض وتطرد الأرواح الشريرة، والكف الشهيرة بـ"خمسة وخميسة" ترتبط بالمصريين منذ أقدم العصور، إذ ترمز الكف إلى (الكا) وهي الروح أو النفس، وظهرت في عديد من الآثار المصرية القديمة، والأمثال الشعبية المصرية يكاد يكون للحسد وعين الحسود النصيب الأكبر منها مثل: "عين الحسود فيها عود" و" عضة أسد ولا نظرة حسد".
إن هذا الإيمان بقدرة عين الحاسد على إصابة الإنسان بالمرض أو تعطيل رزقه وغيرها من الشرور له أسباب كثيرة منها الاجتماعية والدينية ففي الدين الإسلامي كثير من الأحاديث في السنة النبوية عن ذم الحسد وعن طرق الوقاية منه بل وجاء ذكره في القرآن الكريم كإثبات لا نفي له:
"قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ" [سورة الفلق].
قال الحسين بن الفضل: (إنَّ الله جمع الشرور في هذه الآية وختمها بالحسد ليعلم أنه أخسُّ الطبائع).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ? قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: "إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ".
ومما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الْعَيْنُ حَقٌّ، ولو كانَ شيءٌ سابَقَ القَدَرَ سَبَقَتْهُ العَيْنُ، وإذا اسْتُغْسِلْتُمْ فاغْسِلُوا"، وعلق النووي على الحديث في شرحه قائلًا أن معنى الحديث أن كل الأشياء بقدر الله تعالى ولا تقع إلا حسب ما قدرها وسبق بها علمه، فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله.
ارتبطت العديد من الطقوس الشعبية برد عين الحاسد، منها إشعال البخور خصوصًا يوم الجمعة ورش الملح في كثير من المناسبات كاحتفالات الزواج، ومن أشهر هذه الطقوس:
* ارتداء الخرزة الزرقاء أو العين الزرقاء: عين حورس الزرقاء الشهيرة التي ترتبط بأسطورة إيزيس وأوزوريس، فبعد أن قتل ست أخاه أوزوريس ومزق جثمانه استطاعت إيزيس إعادة جمع أشلائه لتنجب بعدها ابنها حورس الذي استطاع الانتصار على ست ولكنه فقد عينه اليسرى، لتستبدل بعين زرقاء لها قوة خارقة استخدمها المصريون منذ أقدم العصور للحماية من الشر والحسد، وفي الوقت ذاته فإن حورس يصور على هيئة الصقر، ومن المعروف أن عين الصقر تفوق عين الإنسان بمرات في قوة إبصارها.
* عروسة الحسد: عبارة عن ورقة يتم قصها على هيئة عروسة بوجه وذراعين وساقين تُتخذ كرمز للحاسد، ويمسك شخص بإبرة خياطة ويبدأ تخريم العروسة، ويعتبر أن كل ثقب هو "خزق" لعين الحسود، فيقول مع كل "خرم": من عين فلان ويذكر اسم من يظن أنه الحاسد، وهكذا حتى تمتلئ العروس الورقية تمامًا بالثقوب، فيختم بالقول: "ومن عين اللي شافوك ولا صلوا على النبي".. ثم يتم حرق العروسة بعد "تخزيق" العيون.
* الرقية أو الرقوة: في الأسطورة المصرية "جاءت إيزيس يوما إلى ولدها حورس وهو في مخبئه فوجدته ميتًا وقد لدغته عقرب وأشفق عليه رع إله الشمس فبعث إليها توت ليعلمها رقية ترد بها الطفل إلى الحياة، وما كادت إيزيس تنطق بالكلمات التي علمها إيها حتى خرج السم من جسم حورس ورُدّت إليه الحياة".
والرقوة الشعبية لها نصوص بعضها يستلهم من بعض الأحاديث النبوية أو العبارات المتوارثة عبر الأجيال: "باسم الله أرقيك والله يشفيك"، "النبي رقى ناقته من عينه وعين رفاقته".
|