|
القاهرة 06 اغسطس 2025 الساعة 12:27 م

بقلم: د. حسين عبد البصير
تُعدُّ مقابر الأشراف في غرب طيبة (التي تقع بالقرب من مدينة الأقصر الحديثة في مصر) من أبرز المعالم الأثرية التي تقدم لنا صورة حية عن حياة النبلاء والمجتمع المصري القديم، حيث تحتوي هذه المقابر على العديد من اللوحات الجدارية المدهشة التي تعرض مشاهد مختلفة من الحياة اليومية، بما في ذلك مشاهد الموسيقى والرقص والولائم، ولا تقتصر هذه الصور الفنية على كونها مجرد زينة للمقابر، بل تعكس أيضًا أهمية هذه الأنشطة في الحضارة المصرية القديمة وفي مفهومهم عن الحياة الآخرة.
كانت الموسيقى والرقص جزءًا لا يتجزأ من الحياة المصرية القديمة، حيث كان لهما دور كبير في الاحتفالات الدينية والدنيوية على حد سواء. كانت الموسيقى تُستخدم في الطقوس الدينية وفي المناسبات الاجتماعية، وكان لها تأثير كبير في جو الاحتفالات التي تقام لتكريم الآلهة أو للاحتفال بالانتصارات والإنجازات. تُظهر النقوش في العديد من مقابر الأشراف مشاهد موسيقية حية، حيث يظهر العازفون وهم يعزفون على آلات موسيقية مثل الهارب والقيثارة والطبول والفلوت، بينما تُعرض الراقصات في وضعيات مختلفة من الرقصات التي كانت تُؤدى احتفالًا أو كجزء من طقوس جنائزية.
من بين أروع المشاهد التي تظهر في هذه المقابر، نجد الرقصات النسائية التي تتم على أنغام الموسيقى، حيث يتم تصوير الراقصات في أوضاع مرنة وأنيقة، يعبرن عن الفرح والطرب من خلال حركاتهن المتناغمة. كانت هذه المشاهد تُظهر النساء يرتدين الملابس المزخرفة ويتنقلن بين الحضور، ويعد ذلك التفاعل بين الموسيقى والرقص أحد أوجه التعبير الثقافي عن الجمال والنعمة في الحضارة المصرية.
تُعدُّ مشاهد الولائم واحدة من أروع اللوحات التي تزين جدران المقابر في غرب طيبة. كانت تلك المشاهد تمثل أفراح الحياة اليومية، حيث يظهر النبلاء في حضور ضيوفهم، وهم يتناولون الطعام والشراب وسط أجواء من الفخامة والرفاهية. كان المصريون القدماء يؤمنون بأن الحياة الآخرة سوف تكون مشابهة للحياة الدنيا، لذلك كان يتم تصوير مشاهد الولائم بشكل يُظهر تناول الطعام الوفير والشراب الطيب في جو من الاحتفالات.
تتضمن مشاهد الولائم عادةً طاولات مليئة بالطعام مثل الخبز واللحوم والفواكه والنبيذ. وكان يتم تصوير الخدم والموسيقيين والراقصين وهم يقدمون الطعام والشراب، في دلالة على الروابط الاجتماعية والمكانة العالية التي يتمتع بها أصحاب المقابر. يُظهر بعض النقوش أيضًا المشهد الذي يجلس فيه المتوفى أو أفراد عائلته وهم يتناولون الطعام وسط الأجواء الاحتفالية، بينما يعزف الموسيقيون ويرقص الحضور.
تعد مقبرة نخت (TT52) واحدة من أشهر المقابر التي تحتوي على مشاهد موسيقية وراقصة، حيث تبرز الراقصات والعازفين في مشهد مفعم بالحيوية. هذه المقبرة تعود إلى فترة الدولة الحديثة، وتُظهر نقوشها حضور مجموعة من الموسيقيين وهم يعزفون على آلات مختلفة، بينما تُصور النساء في حركات رقص راقية.
أيضًا، تُعتبر مقبرة رخميرع(TT100) من أبرز المقابر التي تحتوي على مشاهد الولائم والموسيقى. وتظهر هذه المقبرة مشاهد احتفالية حيث يتم تقديم الطعام والشراب في جو من الفخامة والبهجة، مع مشاهد للموسيقيين الذين يعزفون على الآلات، وتظهر الراقصات بشكل لافت.
تُعدُّ مشاهد الموسيقى والرقص والولائم في مقابر الأشراف في غرب طيبة بمثابة انعكاس لعلاقة المصريين القدماء مع الجمال والحياة. كانت هذه الأنشطة تُعدُّ جزءًا من الاحتفالات الدينية والاجتماعية، وكان لها دور مهم في حياة المصريين اليومية وفي طقوس الجنائز التي كانت تهدف إلى تأمين حياة سعيدة للمتوفى في العالم الآخر. كما أن هذه المشاهد تُظهر أيضًا إيمان المصريين بأن الحياة لا تنتهي بالموت، بل تستمر في حياة آخرة مماثلة للحياة الدنيوية.
بالإضافة إلى ذلك، تعكس هذه المشاهد الطبقات الاجتماعية المختلفة في المجتمع المصري، حيث يظهر النبلاء والطبقات العليا وهم يعيشون في رفاهية وفخامة، بينما يقوم الخدم والموسيقيون والراقصون بخدمتهم، مما يبرز الفوارق الاجتماعية التي كانت قائمة في مصر القديمة.
تُعدُّ مقابر الأشراف في غرب طيبة واحدة من أهم الشواهد على حياة النبلاء والمجتمع المصري القديم. وتقدم لنا هذه المقابر لمحات رائعة من الموسيقى والرقص والولائم التي كانت تمثل جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية، وخاصة في الاحتفالات والطقوس الجنائزية. من خلال هذه المشاهد، يمكننا فهم المزيد عن المعتقدات الدينية والاجتماعية للمصريين القدماء، وكيفية احتفالهم بالحياة والآخرة في تناغم فني يعكس ثقافتهم الغنية والمعقدة.


|