|
القاهرة 05 اغسطس 2025 الساعة 10:43 ص

بقلم: أمل زيادة
سكان كوكبنا الأعزاء..
ها نحن نلتقي من جديد.. بعيدا عن الأوضاع المضطربة، وحالة العبث التي تسود العالم، واختلاط الأوراق والمواقف، أحرص على الكتابة ربما نجد فيها ما يعيد لإنسانيتنا بوصلتها الضائعة.
خاصة في ظل هذا الكم من الزيف والمؤامرات التي تحاك ضد مصرنا العزيزة وضد وطننا العربي المُخترق.
شاهدت بارقة أمل رغم كل هذا السواد الذي يتصدر المشهد.
قام اتحاد الجامعات بتنظيم مسابقة عرفت أنها تنظم بشكل ثانوي، نشاط مختلف لم يكن معتادا على أيامنا نحن جيل التسعينيات!
يعتمد هذا النشاط على قيام اتحاد كل جامعة بالعمل على فكرة مبتكرة لخدمة البيئة أو الإنسانية، المدهش أن الأفكار المطروحة ضمن هذه المشاريع الطلابية جميعها مبتكرة وحديثة وإذا تم الالتفات إليها وتبناها أحد رجال الأعمال أو إحدى الوزارات سوف تدر على الجهة المعنية دخلا وفيرا خاصة أن جميع الخامات المعتمدة هي خامات تم إعادة تدويرها!
للشباب طاقة وحماس ونبل ما زالوا يحتفظون بالبراءة رغم رتم الحياة السريع الذي يحاول ابتلاعهم رغما عنهم، لكن يظل للسن جماله وبراءته وحماسه وطموحه.
من ضمن هذه المشاريع المقدمة والتي لم تفز بكل أسف مشروع قائم على إعادة تدوير الملابس القديمة ثم القيام بتصميم ملابس سهلة الارتداء "لذوي الهمم".
هؤلاء بإعاقاتهم كافة يحتاجون لعناية بوجه خاص، لذا صمم طلابنا العباقرة ملابس سهلة الفتح والارتداء لكل صاحب إعاقة بدنية ومصابي الحروق .
عندما سمعت عن الفكرة راقني أن في قلوبهم رحمة، أن شعروا بمأساة كل أسرة داخلها احد ممن هؤلاء ممن اختصه الله بإعاقة ما.
للأسف لم يفز هذا المشروع في المسابقة رغم أن الفائزين قد تتشابه مشاريعهم .. لو كان بيدي كنت كرمت أصحاب هذا المشروع الإنساني.
للأسف معايير الاختيار تختلف عن معايير الإنسانية، ربما يحكمها لغة السوق والربح والخسارة..!
لكني أنظر للأمر من منظور إنساني بحت.. وهذا سر تفرد مشروع هؤلاء الأبطال ال 55
حزنوا كثيرا وبكوا لخسارتهم كونهم بذلوا أقصى ما في استطاعتهم وبالمجهود الشخصي دون الاعتماد على علاقات أو دعم جهات ما.
لكني أوقن أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا وهم أحسنوا عملهم بل أتقنوه أيضا لذا قررت أن أوجه إليهم هذا المقال.. عسى أن يخفف من وطأة الحزن وخيبة الأمل التي طالتهم.. تذكروا أعزائي أن من التوفيق أن لا تُوفَّقَ كلَّ مرة!
إن من عجائب الحياة، بل من حكمتها العميقة، أن الإنسان لا يُوفَّق دائمًا، ولا يُعطى كل ما يرجوه، ففي ظاهر المنع خيبة، وفي باطنه لطفٌ خفيٌّ لا يُدركه إلا من تأمّل بصدق، وسكن قلبه للحظة وسأل: لماذا لم يحدث ما أردت؟
حين تخذلنا الأقدار، ونخسر ما ظنناه لنا، نشعر أولًا بالأسى، ونظن أن الحظ عاند، وأن السماء أغلقت أبوابها في وجوهنا، ولكن كم من منعٍ كان هو عين الرحمة؟ وكم من تأخيرٍ كان فيه إعدادٌ لما هو أعظم؟ أليست محطات السيرة البشرية تتناوب فيها العطايا والمنع؟ يُفتح لك باب فتفرح، ويُغلق آخر فتحزن، لكنك لا تدري أن الباب المغلق ربما كان يحوي ما لا تحتمله روحك، أو ما يكسرك دون أن يُصلحك.
قال السابقون "المنع عطاء لو فطنت". نعم، حين تُمنع من علاقة، من وظيفة، من سفر، من حلم..
تأمل لحظةً: هل كنتَ ناضجًا لتلك التجربة؟ هل كنتَ أهلًا لتلك الخطوة؟ أم أن العطاء لو جاءك وقتها لكان عبئًا لا نعمة؟
الذين يظنون أن التوفيق الحقيقي هو أن تُفتح لهم الدنيا دائمًا، يخدعون أنفسهم، فالتوفيق الأعظم أن تُمنع حين يجب أن تُمنع، وأن تُؤخر حين يحسن التأخير، وهنا تتجلى عناية الله الخفية، التي لا تُقاس بما تراه عيناك، بل بما ينمو في داخلك من حكمة وصبر وتسليم.
ففي كل فشلٍ نعيشه درس، وفي كل منعٍ لحظة كشف، المهم ألا تمرَّ المحنة دون أن نستخرج منها ما يُثمر، فالسيرة التي تتخللها المنع هي سيرة حيّة، نضجت بالتجربة، وتشكلت بالحكمة، ولم تُسق فقط بماء التوفيق الظاهري، بل بعمق الاختيار الإلهي الذي يوجّهنا لما هو أصلح، وإن لم نكن نراه وقتها.
فلنثق، إذًا، أن من التوفيق أن لا نُوفَّق كل مرة.
ففي رحلة الحياة، لا أحد يسير على أرض ممهدة دائمًا، ولا أحد ينجو من السقوط، كلنا نسقط، بعضنا مرة، وبعضنا مرارًا، نسقط في قرارات، في علاقات، في أحلام لم تنبت، وفي ثقة لم تكن في محلها، لكن الحقيقة التي يجب ألا تغيب عنا أبدًا هي أن السقوط ليس النهاية، بل محطة مؤقتة تسبق النهوض.
من يسقط ويظل على الأرض، اختار العجز، لا العثرة، أما من ينتفض، ويزيل الغبار عن قلبه وروحه، فقد انتصر فعلًا، حتى وإن لم يصل بعد.
لأن الانتصار الحقيقي ليس ألا تسقط، بل أن تنهض كلما سقطت، أكثر عزيمة، وأشد وعيًا، وأصفى رؤية.
النهوض بعد السقوط لا يعني فقط استكمال الطريق، بل يعني أنك تعلمت، أنك عرفت أين الخطأ، ومن أين يأتي الوجع، وأنك لن تكرر ذات الخطوة بذات الغفلة، النهوض هو فعل مقاومة، ضد الإحباط، ضد اليأس، ضد الأصوات الداخلية التي تهمس لك "لن تستطيع".
ولعل أجمل ما في النهوض أنه يكشف لك قواك الخفية، تلك التي ما كنت لتعرفها لولا السقوط أحيانًا لا نكتشف قدرتنا الحقيقية إلا عندما ننكسر، ونضطر أن نلملم شظايانا بأنفسنا، دون مساعدة، دون تصفيق، في الظل.
السقوط قد يعرّفك بنفسك أكثر مما يفعل النجاح، لأنه يجرّدك من الزهو، ويجعلك ترى داخلك بوضوح، والنهوض بعده هو شهادة بأنك لا تزال قادرًا على الحلم، وعلى المواصلة، حتى لو تغيّر الطريق أو تغيرت ملامحك على مرآته.
لذلك، لا تخجل من السقوط، ولا تأنف من العثرات، فكل سير العظماء امتلأت بالعثرات!!
سكان كوكبنا الأعزاء..
اطمئنوا أينما كنتم، فهناك شباب واعد مخلص لديه حس إنساني عال، يعيش بيننا، ويعمل في صمت، هو فقط بانتظار فرصة حقيقة لإثبات قدراته..
|