|
القاهرة 29 يوليو 2025 الساعة 10:46 ص

بقلم: أمل زيادة
سكان كوكبنا الأعزاء..
ها نحن نلتقي من جديد وسط أجواء حارة حارقة، يبدو أن الشمس تنتقم منا لأننا من عاشقي فصل الشتاء!
نعاني هذه الأيام من أجواء حارة غير مسبوقة، نحمد الله بالطبع أن هناك وطنًا يضمنا وأن هناك ما يعيننا على تحمل هذه الأجواء المتطرفة وسط من نحب ومع من نعيش لأجلهم.
سكان كوكبنا الأعزاء..
احترت عما أكتب هذا الأسبوع؟!
هل أكتب عن مهرجان المسرح القومي؟
هذا الكرنفال السنوي الذي يعقد في الموعد نفسه كل عام، عيد المسرحيين وعشاق المسرح، "المهرجان القومي للمسرح المصري".. هو وعدٌ متجدد بأن مصر، مهما ضاقت بها الأيام، ستبقى وفية لفنها الأصيل، للفن الذي لا يساوم، للفن الذي يعلّمنا أن نرى العالم من زوايا أعمق، وأن نؤمن دومًا بأن الحياة، مثل المسرح، لا تكتمل إلا حين يُضاء الستار، ويعلو التصفيق.
هل أكتب عن" الإنسانية" ومحاولات إنقاذ الآخر، ممن يحاصرهم الموت من جانب والجوع من جانب!
يكفي أن تكون إنسانا، وهذا لا يعني أن تكون عظيمًا في أعين العالم، بل أن تكون رحيمًا في اللحظة التي لا يراك فيها أحد، الإنسانية هي أن تزرع شجرة وأنت تعلم أنك لن تجني ثمارها، أن تمسح دمعة لفقير، أن تُضيء مصباحًا في عتمة أحدهم دون أن تنتظر مقابلًا!
هل أكتب عن ورقة الفن الراقية التي فقدها العالم اليوم، برحيل ابن جارة القمر "زياد الرحباني"..
ولأني أعلم أنكم مثلي من عاشقي فن وموسيقى هذا العبقري، فضلت أن أتحدث عنه لا بصفته الفنية ولكن بصفته شريك ليالي الحيرة والدهشة والترقب والحب!
في صباح يوم السبت 26 يوليو 2025، توقّف قلب الفنان المثقف زياد الرحباني عن النبض، واتجهت الأنفاس الأخيرة إلى السماء، مغلقة صفحة حوادث ومسار طويل من الصوت والموقف والإبداع .
لم يكن زياد مجرد ملحن أو كاتب مسرحي، بل كان "ضميرًا حيًّا"، ممتزجًا بالموقف والتساؤل والرفض للظلم، كما وصفه الرئيس جوزيف عون: "صوت متمرد على الظلم، ومرآة صادقة للمهمّشين".
فنان يملك الرؤية والجرأة، لم يكن دهشة فنية فحسب؛ بل كان نهجًا لإعادة تشكيل الموسيقى العربية بتوليفات موسيقية خاصة، منحها ألحانًا مغايرة لأغاني والدته فيروز مثل "كيفك إنت"، "بلا ولا شي" و"سألوني الناس"، فأضفى على صوتها عمقًا سياسيًّا وصوتًا فلسطينيًّا متجددًا.
قد يكون سر تعلق الناس به كونه عبّر عن صوتهم وآلامهم.. حين قدم العديد من الأغاني والأعمال الفنية المتنوعة، متحدثا عن السلطة والطائفية والفساد بجرأة..
ليترك لنا ذكرى لا تموت!
في ذكراه، لا نتذكّره فقط كفنان، بل كـ"ظاهرة ثقافية فكرية متكاملة"، كما وصفه كثيرٌ من السياسيين والفنانين .
أعماله مستمرة في الذائقة الجمعيّة، تتردد مشاهدها على ألسنة الناس ودراما البث المباشر، استُعيدت، وأُعيد اكتشافها فتلحن وترنّم بها جيل يُطالب بالكرامة والحرية .
حتى وهو بعيد عن الأضواء، ظل تأثيره حيًّا، وحين غاب كان الصمت مسرحه الأخير، لكن صدى كلماته وألحانه لا يشيخ.
زياد الرحباني غادرنا يوم 26 يوليو 2025، عن 69 عامًا تحملت نبضه الوجع اللبناني. لكنه يظل خالدًا، في نصوصه، في ألحانه، في الضحكة الساخرة، وفي كل صوت محتجّ.
رحل الجسد، لكن الفن لا يموت، نبكيه ونحن نردّد أغانيه وكلماته، لأن الأشياء الجميلة، كما قالت السيدة، لا تموت.
أعتبره شريك لحظات الصفا والهدوء النفسي عندما نرغب في تنظيف أرواحنا نفر لألحانه لتشدو والدته بصوت ملائكي ليأخذنا بألحانه الراقية لعالم من الخيال.. من منّا لم يتأثر بأغنية كيفك أنت أو البوسطة وشرد في حكايات عاليا ومن معها في الحافلة!
من منا لم تأسره الموسيقى ولجمالها الذي يذيب الأفئدة حفظنا الكلمات عن ظهر قلب مع الجمل اللحنية والوقفات الموسيقية.. أليس ذلك لعبقرية الملحن!
كلما رحل مبدعٌ ممن نحب حمدت الله أنه ترك وراءه إرثا يذكرنا به وبإبداعه لهذا أود أن يتعلم كل شخص أي فن حتى لا يصبح مجرد رقم في تعداد العالم يختفي بمجرد الرحيل.
كونوا أصحاب كلمة ونغمة ولحن تعيشوا للأبد
سكان كوبنا الأعزاء.. كونوا بالقرب وللحديث بقية..
|