|
القاهرة 22 يوليو 2025 الساعة 09:28 ص

بقلم: أمل زيادة
سكان كوكبنا الأعزاء..
ها نحن نلتقي من جديد، من الجيد وجودنا على ظهر هذا الكوكب حيث الهدوء وراحة البال.
كنت أعتقد أن العالم قد جُن، لكنه بمرور الوقت ازداد جنونا، ما زال الصخب عنوانه وما زالت الأجواء المتوترة تسوده.
أشفق على من لم ينضم لكوكبنا، قطعًا يفتقد الأجواء الحالمة والهدوء واللون الأخضر الذي يكسو كل شيء من حولنا حيث الهدوء والاسترخاء.
مما يساعدنا على الاختلاء بأنفسنا وإتاحة الفرصة للغوص في رحلة داخل الذات، نتساءل دومًا لماذا نحن هنا؟! وما الأثر الذي تركناه في الآخرين وهل لو غبنا سيشعر بغيابنا أحدهم أم أننا سنظل مجرد رقم وحديث لبضع ساعات ثم ينسانا الجميع بحكم الحياة التي لا تهدأ ولا تمل من جرّنا خلفها في دوامات لا تنتهي.
سكان كوكبنا الأعزاء..
أذكر أننا عندما كنا صغارًا كنا لا نملك إلا أحلامنا التي لا حدود لها وكذلك كنا نخطط لتحقيق هذه الأحلام أما الآن أرى أن البعض لا يحلم أحلامًا كبيرة أو ربما حصر أحلامه في شيء مادي، مثل الحصول على هاتف حديث أو أن يصبح صانع محتوى أو أن يصبح حديث السوشيال ميديا وأن يعتلي الترند!
لا وجود لأحلام تخص كوني إنسانًا، أرغب في علاج المرضى، أو مهندسًا أقوم ببناء منازل للفقراء وأطور المدن وأحافظ على التراث، أو أن أؤسس شركة كبيرة أتيح من خلالها فرص عمل للشباب، أو أن أبنى شلتر لإيواء البشر والحيوانات ممن قست عليهم الحياة وتركتهم وحدهم يواجهون المجهول.
أتعجب من اختلاف الأحلام، لم تعد الأحلام بريئة بل طالتها يد التكنولوجيا وهو أمر خطير جدًا.
سكان كوكبنا الأعزاء..
أعتقد أن البقاء تحت مظلة كوكبنا يتيح لنا هذه الفرصة الغوص داخل أنفسنا..
ثمة رحلات لا تحتاج إلى جواز سفر، ولا تعبُر فيها المطارات، ولا تتبع فيها خريطة، لكنها مع ذلك الأعقد والأطول والأكثر إثارة للرعب والدهشة معًا، إنها رحلة إلى الداخل، حيث الذات الحقيقية، العارية من الأقنعة، المحررة من المرايا، المتحررة من أعين الآخرين.
نقضي أعوامًا نركض وراء هوية نُرضي بها المجتمع، نُقنع بها العائلة، نُبهِر بها الأصدقاء، نرتدي وجوهًا لا تشبهنا، ونتحدث بلغات ليست لنا، وننحني لأدوار لم نكتبها، ونظن، في وهمنا الطويل، أننا نحن، لكن يأتي يوم، يحدث فيه شرخ صغير، كصدع في زجاج نافذة، ليتسلل منه ضوء باهت، يسألنا بصوت خافت: من أنت؟ لا من يريدونك أن تكون، بل من أنت فعلاً؟
اكتشاف الذات ليس رفاهية فلسفية، بل ضرورة وجودية، إنه مواجهة مع الظلال، مع الأحلام المؤجلة، مع الجراح التي لم تندمل، ومع تلك الأصوات التي طالما أُسكتت داخلنا، أحيانًا نصل إلى هذه المواجهة بفعل خسارة كبيرة، أو عزلة قسرية، أو انهيار حياة كنا نظنها مستقرة. وأحيانًا، نأتي طوعًا، بحثًا عن معنى في زحام العبث.
في عمق الذات يسكن طفل، قد يكون خائفًا أو غاضبًا أو متعطشًا للحب، نمرعليه في عجلة الحياة ولا نصغي، وحين نجلس أخيرًا، في صمت، ونمنحه يدًا تربت على قلبه، نكتشف كم من الألم كنا نخبئ، وكم من القوة كنا نجهل، نكتشف أننا لسنا مجرد أدوار نؤديها أو نجاحات نحصيها، بل كائنات هشّة، وحالمة، وقادرة على البدء من جديد.
رحلة اكتشاف الذات تعلمنا أن لا خلاص خارجي دون تصالح داخلي، وأننا لن نكون أحرارًا بحق إلا إذا عرفنا من نكون، وماذا نريد، وأين نقف، تعلمنا أن نحب أنفسنا كما نحن، لا كما يريدنا الآخرون، وأن نحتفي بفرديتنا بدل أن نخجل منها.
هذه الرحلة ليست سهلة، لكنها الوحيدة التي تستحق، حين نعرف أنفسنا، نصير أصدق في علاقاتنا، أهدأ في صراعاتنا، أعمق في مشاعرنا، وأكثر رحمة في أحكامنا، نرى الحياة لا كسباق، بل كقصيدة، كل سطر فيها يُكتب بمعرفة الذات وصدقها.
ويا لها من حرية، حين نقول أخيرًا لأنفسنا: "أنا هو أنا، بكلي، بنقائي ونقائصي، لا أعتذر عن وجودي، بل أحتفل به."
سكان كوكبنا الأعزاء..
أخبروني ماذا وجدتم أثناء إبحاركم داخل الذات!
|