|
القاهرة 10 يونيو 2025 الساعة 12:55 م

بقلم: د. حسن العاصي
تخلى العديد من العرب ـ لأسباب مختلفة ـ عن إيمانهم بالأمة العربية، وأصبحوا يشككون علناً في وجود قومية عربية جماعية. وأخذ البعض يُفضّل اعتبار أنفسهم مسلمين في المقام الأول، وأنهم ينتمون إلى الأمة الإسلامية. وقد تحوّل مصطلح "العرب" في قاموسهم إلى تسمية مهينة ـ في بعض الأحيان ـ توحي بالإسراف، والسطحية، وعدم الكفاءة، والتبعية. فيما يُفضّل عرب آخرون أن يُعرفوا بوضوح بأنهم مصريون، أو سوريون، أو أردنيون، أو عراقيون. مواطنون في أكثر من إحدى وعشرين دولة مستقلة ـ باستثناء فلسطين المحتلة ـ لكل منها علمها ومصالحها الخاصة. حتى أن بعضهم لجأ إلى وصف أنفسهم بالشرق أوسطيين، تحسباً لسلام عربي إسرائيلي ونظام تعاون إقليمي جديد على غرار أوروبا. ويتمسك قلة من المثقفين على شعلة الحماس العربي والقومية متقدة. وهم غالباً ما يكونون في الخارج، في لندن أو باريس، أو في عواصم غربية أخرى حيث يتشاجرون حول ما إذا كانت العروبة والقومية العربية في حالة ركود، أم أنها في مرحلة التعافي.
كان الشعور بـ"العروبة" قائماً منذ أن وطأت أقدام العرب مسرح التاريخ، وظلت محل تفاوض من قِبَل كل جيل لما يقرب من ألف عام ونصف. في هذا الجيل، يجب أن يتكيف هذا الشعور "العروبي" مع ازدياد الولاء للدولة العربية القطرية، ??وتنامي التيارات الإسلامية، والانتصار العالمي للديمقراطية الليبرالية، وصعود رأسمالية السوق، والاختراقات التي حققتها إسرائيل في عدد من الدول العربية، واحتمال السلام معها. كانت جميعها عوامل أثرت سلباً على القومية العربية في تطورها على مدار معظم القرن الماضي ولغاية اليوم.
لا شك أن "العروبة" قادرة على استيعاب التحديات الجديدة، كما فعلت دائماً. فالقومية العربية ـ وهي إبداع حديث لهذا القرن ـ قد تتلاشى تماماً تحت وطأتها. ولكن مهما كانت آفاق القومية العربية، فإن تاريخها حتى هذه اللحظة يمثل أحد أبرز الأمثلة على سرعة نشوء أي قومية حديثة وصعودها وتراجعها. هذا التاريخ يستحق رواية جديدة، لأنه لم يُستدعَ في النقاش الأوسع حول تنامي عدم الاستقرار.
لقد كان هناك وقتٌ حظيت فيه القومية العربية بمكانةٍ بارزةٍ في الدراسات المقارنة للقومية، لكنها أصبحت لاحقاً حكراً على المتخصصين. حاول المؤرخان البريطاني "أرنولد توينبي" Arnold Toynbee والمؤرخ الأمريكي "هانز كون" Hans Kohnدمج القومية العربية في إطارٍ مقارن أوسع، أصبحا مناصريها الفعليين بين الحربين العالميتين، على الرغم من تحفظاتهما على القومية في كتابهما "القومية العربية: هوية خاطئة" Arab Nationalism: Mistaken Identity. لقد قبل ـ توينبي للسياسة البريطانية، وكوهن للصهيونية - أكثر شعارات القومية العربية تطرفاً باعتبارها بيانات عن حقائق اجتماعية أو ادعاءات أخلاقية لا تقبل الجدل، ولم يروا أياً من التناقضات الكامنة وراءها.
وعندما نالت الدول العربية استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية، برزت هذه التناقضات بكل تعقيداتها، وأبقت المنظرين اللاحقين على مسافة. كتب المحاضر والفيلسوف الأمريكي "روبرت إيمرسون" Robert Emerson بانزعاجٍ لا يخفيه: "لا يُمكن لأيّ ملخصٍ موجزٍ للتاريخ الطويل والمعقد للعالم العربي أن يُفكّك القوى التي شكّلت دوله وشعوبه". وأضاف: "لإجراء تحليلٍ شامل، من الضروري تقييم السجلّ الكامل للتجربة العربية، بما في ذلك مسائل مثل الانقسامات القبلية والطائفية وغيرها، وآثار الحكم العثماني، ومكائد القوى الأوروبية، ودور الإسلام واللغة والثقافة العربية". باختصار، كانت هذه مهمةً لشخصٍ آخر يعرفها بشكلٍ أفضل. لكن حتى أولئك المقارنون الذين يعرفون القومية العربية جيداً اختاروا عدم جعلها محور مقارناتهم، ربما خوفاً من إدخال القارئ العام في متاهة.
تظل الحالة العربية حالة معقدة للغاية وفقاً للمعايير الأوروبية. يبلغ عدد الناطقين بالعربية اليوم أكثر من أربعمائة وثلاثة وعشرين مليون نسمة، في منطقة تمتد من شواطئ المحيط الأطلسي في المغرب إلى بحر العرب - وهي منطقة تمتد موازية لجميع أنحاء أوروبا من ساحل المحيط الأطلسي في شبه جزيرة أيبيريا إلى جبال الأورال.
لم تدّع أي قومية أوروبية وجود جمهور محتمل بهذا الحجم، أو الاتساع، أو التشرذم. لم يكن من السهل أبداً توثيق التطور التاريخي للوعي السياسي في هذه المنطقة، ولا يزال هناك قصور في دراسته. ولم تنشأ القومية العربية كرد فعل مباشر على الحكم الإمبراطوري الغربي، مثل الأنواع المألوفة في أماكن أخرى في آسيا وأفريقيا. فقد شهدت بعض الشعوب العربية أكثر من قرن من الحكم الغربي المباشر، بينما لم تشهد شعوب أخرى أي حكم غربي على الإطلاق. نتيجةً لذلك، سلكت القومية العربية مساراتٍ تطوريةً متمايزةً في الهلال الخصيب، وشبه الجزيرة العربية، ووادي النيل، وساحل شمال أفريقيا. لقد واجهت كلٌّ من هذه المناطق الغربَ ??بشروطٍ مختلفة، وفي أوقاتٍ مختلفة. تكاثرت أشكال القومية العربية، بل وألهمت أحياناً تصنيفاتٍ منفصلة، ??مثل الناصرية، والبعثية، وتصنيفاتٍ فرعيةً أكثر غموضاً مثل البعثية الجديدة. وأصبح العديد من هذه التيارات متنافسةً، حتى وصل الأمر إلى إراقة الدماء. هذا جعل من الصعب التعميم بشأن القومية العربية، ومن عدم الأمانة نشر مثل هذه التعميمات في النقاش الأوسع حول القومية.
إن تتبع المسار السياسي للقومية العربية الذي رسمه الشعراء عبر مراحلها التاريخية، وتوصيف علاقتها بتلك الأفكار والهويات الأخرى التي جذبت "ناطقي الضاد" قضية صعبة وشائكة. إنها قصة قومية نشأت بشكل متقطع، وانتشرت بشكل دراماتيكي، ثم تعثرت وفشلت. إنها سردية عشرات الملايين من الناس الذين آمن كثير منهم بالعروبة، ثم زعموا أنهم يحملون هوية خاطئة، وأنهم كانوا أشخاصاً آخرين طوال الوقت.
ظهور العروبة
ظهرت العروبة للمرة الأولى
في القرن التاسع عشر، ليس كرد فعل مباشر على الحكم الغربي، بل كنقدٍ لحالة الإمبراطورية العثمانية، التي امتد نفوذها ليشمل معظم الشعوب الناطقة بالعربية منذ أوائل القرن السادس عشر. ولما يقرب من أربعمائة عام، كان هؤلاء الناطقون بالعربية متصالحين تماماً مع دورهم في الإمبراطورية.
كان مقر الإمبراطورية في إسطنبول، وكانت أراضيها الشاسعة تُدار باللغة التركية العثمانية. لكن العثمانيين كانوا قد اعتنقوا الإسلام، كما فعلت الغالبية العظمى من رعاياهم الناطقين بالعربية. وتطورت دولتهم كخلافة إسلامية تضم جميع رعايا السلطان العثماني المسلمين، أياً كانت لغتهم. واحتفظ المسلمون الناطقون بالعربية باعتزازهم بلغتهم. فقد نُزِّل القرآن الكريم بالعربية إلى نبي عربي في القرن السابع. كما احتفوا بتاريخ الفتوحات العربية المبكرة، التي حملت الإسلام من نهر "جيحون" ـ الذي عرف قديما باسم "أوكسوس" ولدى العرب باسم جيحون، يتكون من التقاء نهري "فخش" و"باندج" الذين ينبعان من جبال "بامير" في آسيا الوسطى، والذي عبره الفاتح "قتيبة بن مسلم" بجيشه إبان الفتوحات الإسلامية ـ إلى جبال "البرانس" وهي سلسلة جبلية تقع جنوب غرب أوروبا، بين فرنسا وإسبانيا وتمثل الحدود الطبيعية بينهما، تمتد لمسافة قدرها 430 كلم من خليج "بسكاي" بالمحيط الأطلسي في الغرب إلى البحر المتوسط في الشرق. وافتخروا بأنسابهم التي ربطتهم بشبه الجزيرة العربية في فجر الإسلام.
إخلاص العرب للإسلام ربطهم بمسلمين يتحدثون لغات أخرى ويفخرون بأنساب أخرى، والذين أضفوا حيوية جديدة على الدفاع عن الإسلام وانتشاره. فمنذ القرن الخامس عشر، أظهر العثمانيون هذه الحيوية بحماسة أوصلت الإسلام إلى أبواب فيينا. ورأى جميع المسلمين التابعين للخلافة العثمانية أنفسهم مشاركين ومستفيدين من هذا المشروع الإسلامي، ولم يُميّزوا بين العرب والترك. ولكن مع التراجع النسبي للقوة العثمانية، وخاصة في القرن التاسع عشر، بدأت أسس هذا التكافل تضعف. كان البساط العثماني العظيم يُطوى من طرفيه: من قِبَل القوى العظمى الأوروبية، المنخرطة في تنافس إمبريالي، ومن قِبَل الرعايا المسيحيين الساخطين من الحكم العثماني في أوروبا، الذين اتخذ نضالهم من أجل الاستقلال طابعاً قومياً.
شرع العثمانيون في سلسلة من الإصلاحات الغربية، لكنهم فقدوا في النهاية موطئ قدمهم في البلقان، والقوقاز، وشمال إفريقيا، ومصر. مع تضاؤل ??الإمبراطورية، تضاءلت ثقة رعاياها المتبقين، بل وظهر بعض السخط في الأقاليم الناطقة بالعربية المتبقية من الإمبراطورية، في شبه الجزيرة العربية والهلال الخصيب. وهو السخط الذي عُرف لاحقًا باسم "الصحوة" العربية. ولا تزال العديد من الخلافات تدور حول طبيعة ومدى هذا السخط، ولكن من المتفق عليه عموماً أنه استُند إلى مصدرين. أولًا: كانت هناك مجتمعات الأقليات المسيحية الناطقة بالعربية، المتأثرة كثيراً بالتيارات الأوروبية، والتي عملت على تحويل اللغة العربية إلى وسيلة للعمل التبشيري والتعلم الحديث. فمنذ منتصف القرن التاسع عشر تقريباً، ساهمت جهودهم بشكل كبير في إثارة الاهتمام بالأدب العربي العلماني، من خلال تكييف اللغة العربية مع الأعراف الحديثة للصحافة والرواية والمسرح. ولم يُترجم الإحياء الأدبي العربي، الذي تمركز في بيروت، إلى قومية عربية فوراً، لكنه دافع عن وجود ثقافة عربية علمانية، يُفترض أن المسيحيين والمسلمين ساهموا فيها على قدم المساواة. ومن خلال التركيز على هذا الإرث العربي المشترك، سعت الأقلية المسيحية إلى تقليص تحيز الأغلبية المسلمة ومنح المسيحيين المساواة الكاملة كمواطنين عرب.
نشأت العروبة من مصدر ثانٍ أيضاً لطالما استحوذت التنافسات على النخبة المسلمة الناطقة بالعربية، لا سيما في ظل التنافس الشديد على التعيينات في المناصب الحكومية العثمانية والوظائف البيروقراطية. وقد تحولت مظالم أولئك الذين غفل عنهم الولاة العثمانيون مقابل هذه الغنائم أحياناً إلى مطالبة إسطنبول بمنح الولايات الناطقة بالعربية مزيداً من الاستقلالية في إدارة شؤونها.
مع بداية القرن العشرين، انتشرت هذه العروبة في جميع المدن الكبرى في الإمبراطورية العثمانية حيث كانت اللغة العربية تُستخدم، لكنها تركزت في دمشق، حيث بدأ أتباعها في تنظيم أنفسهم. وبينما كانت عروبة المسلمين تشبه عروبة المسيحيين في فخرهم باللغة، إلا أنها اختلفت جوهرياً في تعلقها العميق بالإسلام. وقد لاقت استحسان المسلمين من خلال القول بأن عظمة العرب تكمن في فهمهم المتميز للإسلام. لقد أنشأ العرب، باسم الإسلام، إمبراطوريةً وحضارةً عظيمتين، والعرب وحدهم قادرون على إعادة الإسلام إلى عظمته الأصيلة. لم يكن هناك أي طابع علماني في هذا الادعاء بالعبقرية العربية، الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالدفاعيات والإصلاحات الإسلامية. فشلت هذه "الصحوة العربية"، المسيحية والإسلامية، في إنتاج نقد اجتماعي لاذع أو لغة سياسية حديثة بحق. وفي النهاية هزمت نفسها بدفاعها المُبرر عن التقاليد والدين، لكنها ذهبت بعيداً بما يكفي لزعزعة ثقة بعض الناطقين بالعربية في شرعية الحكم العثماني، حتى أن بعض مُوزعي الكتيبات حاولوا إثارة المخاوف العثمانية (والدعم الأجنبي) بنشر منشورات باسم "حركة عربية".
ظهرت معظم هذه المنشورات في أوروبا، وبدأت بعض صحف الرأي في عواصم أوروبا بمناقشة "القضية العربية". كان النقاش سابقاً لأوانه.
في عام 1907 قدمت الرحالة الإنجليزية "جيرترود بيل" Gertrude Bell التي قضت جزءًا كبيراً من حياتها في استكشاف الشرق الأوسط ورسم خرائطه، وأصبحت مؤثرة للغاية في صنع السياسات الإمبراطورية البريطانية بفضل معرفتها ومعارفها التي بنتها من خلال رحلاتها المكثفة. كانت بيل تعتقد أن زخم القومية العربية لا يمكن إيقافه، وأن على الحكومة البريطانية التحالف مع القوميين بدلاً من الوقوف في وجههم. ودافعت عن استقلال الدول العربية في الشرق الأوسط عقب انهيار الإمبراطورية العثمانية، ودعمت تنصيب الممالك الهاشمية فيما يُعرف اليوم بالأردن والعراق.
قدمت بيل تقييماً شائعاً لهذه التحركات: ما قيمة الجمعيات القومية العربية والمنشورات التحريضية التي تصدرها المطابع الأجنبية؟ الإجابة سهلة: إنهم لا يساوون شيئاً على الإطلاق. لا توجد أمة من العرب؛ التاجر السوري منفصل عن البدو بهاوية أوسع من تلك التي يفصله عنها العثمانيون. فالبلاد السورية يسكنها أعراق ناطقة بالعربية، جميعها متلهفة للتناحر، ولا يمنعها من تحقيق رغباتها الطبيعية إلا الجندي المهلهل الذي يتقاضى أجر السلطان بين الحين والآخر.
ومع ذلك، مع حلول عشية الحرب العالمية الأولى، بدأت العروبة تتخذ شكلاً أكثر وضوحاً في مواجهة التحديين المتمثلين في التتريك والصهيونية. فقد هدد التتريك الوضع الثقافي الراهن. لقد تعرض الناطقون باللغة التركية في الإمبراطورية العثمانية للقومية على النمط الأوروبي، إلى حد كبير من خلال اختراقها لمنطقة البلقان. ثم بدأ المسلمون الناطقون بالتركية في بناء هوية جديدة لأنفسهم كأتراك، وهو اتجاه عززه علماء اللغة والرومانسيون الغربيون الذين سعوا إلى ترسيخ عظمة الحضارة "الطورانية" القديمة. ومع تعثر الإمبراطورية العثمانية، حاولت السلطات العثمانية منح الإمبراطورية متعددة اللغات طابع الدولة القومية الأوروبية من خلال فرض استخدام اللغة التركية على حساب لغات أخرى، بما في ذلك العربية.
أثارت هذه السياسة التي لم تُنفَّذ بالكامل، بعض المخاوف في الولايات العربية عشية الحرب العالمية الأولى، وربما ساهمت في حشد أنصار العروبة الثقافية لتحقيق هدف سياسي.
كما هدد الاستيطان الصهيوني في فلسطين الوضع السياسي الراهن. تسامحت السلطات العثمانية مع تدفق الهجرة اليهودية، اعتقاداً منها أنها ستصب في مصلحة الإمبراطورية في نهاية المطاف، كما فعلت في موجات متتالية منذ محاكم التفتيش الإسبانية. لكن لم يتفق بذلك جميع رعايا السلطان، إذ رأت هذه الموجة الأخيرة من المهاجرين أن الأرض التي يستقرون عليها ليست مجرد ملجأ، بل دولة في طور الإنشاء. ومع تزايد وتيرة الهجرة والاستيطان الصهيوني، ازداد قلق جيرانهم المباشرين إزاء احتمالية التهجير الوشيكة. ومنذ مطلع القرن العشرين، أصبحت السياسة العثمانية تجاه الصهيونية موضع جدل وانتقادات متزايدة في الصحافة العربية. وهكذا نشأت العروبة من قلق متزايد إزاء وتيرة التغيير واتجاهه.
ومع ذلك، فبينما استمرت الإمبراطورية العثمانية، لم تتطور العروبة إلى قومية مكتملة الأركان. نادى أتباعها باللامركزية الإدارية، وليس بالاستقلال العربي، ولم تكن لديهم رؤية لنظام ما بعد العثمانية. تخيلوا حلاً في شكل حكومة مسؤولة، وأبدوا إعجاباً غامضاً بالديمقراطيات الليبرالية في الغرب، خصوصاً في فرنسا وإنجلترا، على الرغم من أنهم لم يفهموا تماماً معنى شعار "الحرية". وفوق كل ذلك، كانوا عمليين، ولم ينغمسوا في أحلام القوة العربية. كانت مظالمهم، على حد تعبير أحد منتقدي القومية العربية في وقت لاحق، محلية ومحددة؛ كانت تتعلق بجودة الخدمات الحكومية أو بالنطاق المناسب للإدارة المحلية؛ وكان أولئك الذين سعوا إلى الإنصاف من هذه المظالم في الغالب رجالاً معروفين في مجتمعاتهم، قادرين ربما على إجراء معارضة دستورية رصينة، ولكن ليس على الترفيه عن طموحات عظيمة لا حدود لها.
في عشية الحرب العالمية الأولى، كان لا يزال عدد قليل من المسلمين والمسيحيين الناطقين بالعربية لم يكن لديهم أي شك في شرعية الدولة العثمانية.
.. يتبع
|