القاهرة 14 مايو 2025 الساعة 09:38 م

بقلم: كاري تيريزا ساج
ترجمة: سماح ممدوح حسن
أصدرت الكتابة والأكاديمية الأمريكية "راشيل هانسون" كتاب مذكراتها بعنوان "نهاية تينيسي"، وتروى فى الكتاب ذكريات طفولتها العصيبة، حيث نشأت فى بيئة فقيرة يسيطر عليها العنف. ووفقا للكاتبة فإن كتابة هذه المذكرات كانت محاولة منها للتصالح مع الماضى الذى عاشت فيه حياة قاسية ومليئة بالعنف والفقر.
إن القول المأثور "ليس هناك مكان كالبيت" يحمل معانِ مختلفة عند الكاتبة "راشيل إم هانسون" المعانى التى أوصلتها فى مذكراتها "نهاية تينيسي" والتى تصف فيها طفولة صادمة كان الهروب منها شبه مستحيل فى وقت ومكان كانت فيهما أسيرة تتعرض للإساءة والخداع. وتُعتبر مذكرات راشيل بارقة أمل للمُعنَّفين ووصفة للتعافى والشفاء.
لا تستغرق هانسون وقت فى ترك انطباع قوى على القارئ بقصتها. فى الفصل الأول، تخبرنا بأنها ستهرب من البيت فى سن السابعة عشرة بعد معاناتها من تحرش جار لها، وخداع والدتها، ولا مبالآة وآلدها.
تستخدم هانسون لغة حسية فى سردها لتخلق صورة حية للبيئة التى نشأت فيها، مما يُنبئ بتصاعد التوتر فى القصة. فنجد أنفسنا فورا فى وحل تينيسي، نشم رائحة الأبقار، ونراقب تساقط المطر:
"خلفي، تمتد المراعي بعيدًا، مظلمة فى الأماكن التى تتجمع فيها الأبقار الحلوب طلبًا للدفء تحت رذاذ يناير البطيء"
كانت راشيل تعتبر"الأم" لإخوتها الصغار، والأساس الذى تستند عليه الأسرة بأكملها، وفى النهاية كانت طفلة تلاعبت بها الأم لتحمل مسؤوليات تفوق سنها وقدراتها بكثير:
"ركزتُ على شعرها المتشابك والمتكتل فى بعض الأماكن. بللتُ قطعة قماش دافئة بالماء واستخدمتها لغسل وجهها ويديها، ثم ألبستها ملابس نظيفة، وألقيتُ الفستان المتسخ الذى كانت ترتديه مقلوبًا فى سلة الغسيل"
تفقد هانسون براءتها عندما يعرض عليها أحد الجيران البيانو، وتبقى يديه على شعرها "أستفهام يتجلى فى لمساته". وبعد محاولاته غير المرغوبة منها، تثور هانسون بقص شعرها. كان الجار بمثابة تمهيد لمطالب الآخرين منها. الجميع يتوقع شيئا منها، لا شيء مجانا، والتكاليف باهظة.
سنعرف منذ البداية أن أم هانسون، المتعصبة دينيا، لا ترسل أولادها إلى المدرسة وتقول: "الله لا يرضى عن المدارس". كانت متحفظة، ومتعالية، وغير مؤهلة اطلاقا لتحمل مسؤولية رعاية الأطفال الكثيرين الذين تستمر فى إنجابهم. عندما تمرض هانسون، تُوكل والدتها مسؤولية رعايتها إلى شقيقها الأكبر:
"يعطيني سيث قميصًا متسخًا لأمسح به فمي، ثم يأخذني إلى الطابق العلوي ويبحث عن دواء بيبتو الوردي المفترض أن يعالج الغثيان. كنت مرتاحة جدًا لخروجي من القبو لدرجة أنني لم أقلق لغضب أمي"
في مناسبة أخرى، تغفو هانسون فى حوض الاستحمام، لكن والدتها تأمرها بإطعام شقيقها الأصغر:
"شفتي زرقاوتان وأسنانّي تصطكّ، وفكرة قضاء الأعمال المنزلية تجعلنى أشعر بالتعب أكثر من أى وقت مضى"
غالبًا ما تترك وآلدة راشيل أطفالها يستحمون بالماء القذر الذى سبق واستحمت به. وتقول راشيل عن هذا:
"لا أريد أستعمال هذا الماء لأنه يبدو عكرًا وقذرًا. أحاول أن أتجنب التفكير فى جلد أمى الميت، وشعرها، والأوساخ الطافية فى الماء"
عندما تهرب راشيل من البيت تستصدر الأم أمرا بالقبض عليها.
للأسف، يساعد وآلد هانسون زوجته على سلوكها، ويُسبب ضررا أكبر من والدتها بسبب سلبية تصرفاته. فى إحدى المرات، تحدد هانسون موعدا لتناول الإفطار مع والدها لقضاء وقت بين الأب وأبنته. تطلب من والدتها إيقاظها لتكون جاهزة قبل مغادرة والدها فى صباح اليوم التالى، لكن الأم لا توقظ الأبنة وتتناول الإفطار مع الأب بدلا منها. فلا يسأل والد هانسون عن سبب غياب الأبنة، ولا يتدخل. فى جزء لاحق من الكتاب، تستحضر هانسون ذكريات وعود والدها التى لم يفِ بها.
"لاحقًا، عندما هربت، تسائلت لماذا قطع والدي وعدًا لم يكن ينوي الوفاء به، ووعد بمساعدة لم يكن ليقدمها أبدًا"
هانسون حكّاءة. تسرد تفاصيل خلفيات الجيران، وأرباب العمل، والأصدقاء، ومدرسي الباليه. فبينما تستعيد كل شخص وذكرى، تبدو القراءة وكأننا جالسون على مائدة المطبخ نستمع إلى الحكايات، ونتطلع لمعرفة نهاية كل حكاية. هانسون تتنقل ببراعة بين الأزمنة، مُقدمة للقارئ جدول زمنى لكل شخصية، وهو أمر مهم لفهم ما يحدث. كما تساعد ملاحظاتها التاريخية على فهم العصر والثقافة التى نشأت فيها. نكتشف أن شقيقها الأكبر"سيث" ليس فى الواقع ابن والدها. نعلم أن لوسى، ابنة الفلاح الذى عملت لديه هانسون، قُتلت على يد زوجها عندما حاولت هجره. ونعلم أن مدربة الباليه وضابط الشرطة اليقظ كانا السبب فى حرية هانسون فى النهاية.
"نهاية تينيسي" هو توازن بين الحب، والكراهية، والتعافى. تأخذ هانسون القارئ عبر طفولتها، وكفاحها للهروب من تينيسي، وأخيرا إلى مرحلة شبابها. تترك المذكرات القارئ مع الفكرة التى تكشفها هانسون، وهى أننا بينما نحاول التغلب على حاضرنا، إلا أننا لا نستطيع الهروب من ماضينا. سيظل ماضينا يشكلنا بينما نتعافى ونتحول إلى شيء مختلف تماما.
|