القاهرة 13 مايو 2025 الساعة 11:31 ص

عاطف محمد عبد المجيد
كنت قد تعودت أن أهدي هيكل كتبي، فقد كانت هذه وسيلتي كلما أردت مقابلته، وحكايتي معه تستحق أن تُروى من بدايتها غير المعقولة، فقد أصابتني دهشة وأنا أفتش في أوراقي القديمة، حين عثرت على صورة من خطاب كتبته لمحمد حسنين هيكل وأنا في المرحلة الابتدائية أطلب منه، يا لجرأتي، أن أكتب مقالًا في الأهرام، ولمّا لم أتلقَ ردًّا أرسلت إليه خطابًا آخر، وفي خطابي الثالث والأخير قلت لهيكل إن الأهرام هو الخاسر بعدم استكتابه لي!
هذا ما قاله إبراهيم عبد العزيز في مقدمته لكتابه "هيكل وتوفيق الحكيم..أزمة المثقف المصري" الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، وفيه يحكي عن الصعوبات التي تعرض لها في بداية مشواره الصحفي، ذاكرًا أن الحوار مع الكبار كان منذ البداية هو العنوان الذي خطه طوال رحلته الصحفية، وأن الدرس الذي يريد أن يستخلصه من حكايته مع الأستاذ هيكل، ومع آخرين لم يكن يحلم أن يجلس إليهم ويتحاور معهم، هو أنه على كل شخص في بداية تحقيق طموحه ألا ييأس أبدًا مهما غلقت الأبواب في وجهه وأن يحاول كثيرًا كالنمل لا يعيقه شيء عن الوصول إلى هدفه، وأن يطمح دائمًا إلى المعالي ولا يقنع بالدنية من أمره رافعًا شعار: ليس في الإمكان أبدع مما كان، ولذلك حاول الكاتب أن يبدأ حياته الصحفية بالحديث مع الكبار بدءًا من توفيق الحكيم وحتى الشخصيات التي كان من المستحيل مقابلتها، محاولًا معهم واضعًا نصب عينيه مقولة نابليون: لا يوجد شيء اسمه المستحيل، حتى أنه طلب مقابلة الرئيس الراحل مبارك.
من خلال كتاب عبد العزيز هذا نعرف أن توفيق الحكيم رفض أن يهدي الملك فاروق "شهر زاد" وصوره ك "شهريار" المستهتر، وأنه ليس من الكتاب الذين يرسلون بنسخ من إنتاجهم إلى الملوك والرؤساء لمجرد الإهداء، وأنهم طلبوا منه أن يكتب تقريرًا وهميًّا عن نهضة التعليم في عهد الملك فؤاد، وأن عبد الناصر الذي طرد أحد الوزراء من أجله اعترف له بتأثره ب "عودة الروح" مطالبًا بعودة روح جديدة بعد الثورة، وأنه اعتذر عن تسلم جائزة الدولة التقديرية من عبد الناصر وتهرب من دعوته لتناول فنجان قهوة معه ولم يغضب منه وترك له حرية مقابلته من عدمها، وأن نجيب محفوظ أيده في كتابة عودة الوعي وأعطاه نسخة قبل نشرها، بينما حين يتحدث الكاتب عن هيكل يقول إنه حينما سأله عن السبب الذي يجعله لا يكتب مذكراته، أخبره أنه حين يفكر في فعل هذا فسيحبذ أن يكتبها صحفي من خارج الأهرام، مشيرًا إلى أنه قد عزم على عدم كتابة سيرته بشكل نهائي، كما حرص على منع كل المتصلين به من الحديث عنه في أي مناسبة، ساردًا قصة بداياته التي لا يعرفها أحد.
في هذا الكتاب مثلما نقرأ عن مواقف إنسانية محترمة من بعضهم، نقرأ كذلك عن تجاوزات واستغلال لسلطة المنصب وحرمان البعض من حقوقهم من قبل آخرين، ولي أن أكتب أنه إذا كان متنه مفيدًا للغاية بما يضمه من حوارات وحكايات ومواقف جمعت الكاتب بتوفيق الحكيم، فإن المقدمة التي تجاوزت الستين صفحة تعتبر بمثابة المصباح الذي يمكن له أن يضيء الطريق أمام كثير من شباب الصحفيين والكتاب، شادّة من أزرهم إذا ما تعرضوا لأية عقبات، ودافعة إياهم إلى عشرات المحاولات، حين تغلق أمامهم الأبواب، حتى يتمكنوا من الوصول إلى ما يريدون، ويحققوا حلمهم الذي يسعون إليه، دون أن يوقفهم عائق أو يأس أو إحباط.
|