|
القاهرة 06 مايو 2025 الساعة 11:02 ص

بقلم: شيماء عبد الناصر حارس
أقرأ الكثير من المنشورات على السوشيال ميديا، وحتى أسمع من الناس في المواصلات العامة، أو بعض الأصدقاء عن تغير الزمان وانتشار العنف، فهل تغير الناس والزمان وانتشر العنف؟
هنا لا أورد حقائق بل رأياً شخصياً من خلال رؤيتي للعالم من حولي ومن خلال القراءة.
في رأيي أن التغير الذي يشير إليه الناس لم يحدث بالشكل الذي يتصورونه، التغير حدث فقط في نطاق انتشار المعلومات والأحداث وليس في كم الأحداث نفسها.
القتل، الاغتصاب، السرقة وغيرها من الجرائم، كانت ولا زالت وسوف تظل جزءا من المكون البشري.
الحروب والأوبئة والاحتلال، ليس بجديد إطلاقا على كوكب الأرض، الذي تغير هو الهواتف النقالة التي أصبحت في يد كل الناس من صغيرهم إلى كبيرهم، وأنا هنا لا أحكم على تلك الظاهرة بالإيجاب أو السلب أنا فقط أصفها، وأجدها السبب في ما نعيشه الآن، الحادثة العادية أو العنيفة أو الشخصية، كله قابل للتصوير بالصوت والصورة.
فأصبح شخص يجلس على كنبة منزله الهادئ على معرفة بما يحدث في منزل أو في بلدة بعيدة، أصبحنا نعيش حيوات آخرين بشكل مبالغ فيه، هذا الكم من المعلومات ومن الأحداث هو الذي يضعنا في هذه الصورة، يتم تصوير فيديو أو كتابة منشور عن حدث، فيصبح "ترند"، فتغلي الناس وتبدأ الموجات، هذه الظواهر ليست جميعها سيئة بالطبع، لكني في كل مرة يحدث هذا الترند أجدني أحاول جذب نفسي إلى الواقع وأحاول جذب أصدقائي ومن يعنون لي، فصديقة مثلا تعيش في بيت هادئ مع زوجها وأولادها تفتح الترند فتفاجأ بكم عنف أو شر أو مأساة، فتتعجب أن الزمان تغير وتخاف من المستقبل وتعيش في رعب، فيما أن الحقيقة أنها فقط اطّلعت على كم معلومات كبير في وقت قياسي، هذه المعلومات تشبه رصاصة تهدد السلام النفسي للأفراد.
بالطبع لست مع حجب المعلومات أو التقليل حتى منها، لكني فقط أريد توجيه أنظار -الأفراد والمجتمعات- إلى نقطة مهمة وهي كيفية التعامل مع السيل المعلوماتي في العصر الحديث، كأن المعلومة تأخذنا إلى عالمها ونحن من المفترض أن نهبط إلى عالمنا.
أريد فقط أن أذكر مثلا صديقتي المرعوبة من كم العنف، أن هذا موجود منذ الخليقة ولا خوف على المستقبل، المستقبل سيكون متوازنًا مثله مثل الحاضر أو الماضي، وأن عليها أن تعيش يومها لا يوم الأشخاص الذين تعرضوا لحادث أو يعانون المجاعة أو الحروب، الفرق الوحيد أنها حصلت على معلومة، ماذا تستطيع أن تفعل بها؟ يمكن لهذه المعلومة أن تصيبها بالاكتئاب ويمكن أن تكون نقطة انطلاق نحو عالم التعاطف الإنساني والرقي الحضاري، أن تتعاطف مع صاحب الحادثة وتطالب بالقصاص أو بإنهاء الحرب أو التبرع من أجل المجاعة، هذا فقط نطاق الفعل لإنسان طبيعي وعادي، العنف ليس ظاهرة جديدة، لكن المجتمعات انفتحت على بعضها وأصبحت حياتنا كلها على السوشيال ميديا، الصفحات الإخبارية تنشر مئات المنشورات على مدار الساعة والناس يتفاعلون، هل لأن العنف أصبح أكثر؟ لا، لأن المعلومة أصبحت أكثر.
أذكر كان مع جريدة الجمهورية ملحق يومي اسمه دموع الندم، مليء بالحوادث التي قد تكون أعنف مما نراه على السوشيال ميديا، لم يكن في استطاعة الصحفيين أو المحررين أن يحصلوا من أجل الملحق سوى هذا القدر أو الكم من القصص، لم يكن لديهم ما أصبح لدى صحفيي العصر الحالي، الجميع يمتلك كاميرا ويصور فيديو وصورة ويستطيع النشر فورا بدون انتظار عدد أسبوعي، الفرق الوحيد أن الأخبار والمعلومات يتم تغطيتها بشكل أوسع وأكبر.
الحل أن يهدأ الجميع ويفهم، ويتحكم أيضًا فيما يراه أو لا يراه، ألا يشعر بالذنب لأنه أفلت حادثة من هنا أو عنف من هناك، نحن لسنا في منافسة فيمن يستطيع أن يحصل على أكبر قدر من المعلومات أو الأخبار، وحتى من باب العمل، علينا أن نكون أكثر فهما وواقعية.
حينما أجلس في بيتي أمام التلفاز وأشاهد المسلسل الكوميدي، لا يسعني سوى أن أشعر بالسعادة والضحك لأنه في النهاية حياتي هادئة هذه اللحظة، وأعلم أن آخرين يعانون، لكن لا يصح أن أجعل علمي والذي تم بمحض الصدفة لأني قرأت خبرا أو أن لدي هاتفا نقالا، وأن التكنولوجيا تقدمت كثيرًا، كل هذا ليس من المفترض أن يفسد علي حياتي أو لحظاتي، في النهاية أنا بشر وسط المليارات وليس باستطاعتي وحدي تغيير الكون، ومن حقي أن أعيش حياتي أنا وليس حياة شخص في مدينة أو دولة بعيدة عني لمجرد أني عرفت أخباره.
الفصل مهم جدًا، استعمال العلومات بطريقة ذكية لا تشوّه حياة الأفراد هو ضرورة، لأن الحياة ستستمر، رغم الحوادث والمجاعات والحروب، ستنتهي مجاعة هنا وبعد عشرات السنوات ستبدأ أخرى في مكان آخر. ستنتهي حرب هنا وستبدأ أخرى في مكان آخر وزمان آخر، ربما علينا فقط أن نحاول تقليل العنف والمشاركة الفعالة من خلال المطالبة بالتعديلات القانونية، لكن الشر لن ينتهي، بعد سنوات طويلة، سيحدث وباء آخر، وهذا ليس تشاؤمًا لكنها الحياة والكون وطبيعة البشر، التاريخ يقول إن العنف والحروب والمجاعات كانت موجودة والحاضر يقول هذا أيضًا، وبطبيعة الحال سيكون في المستقبل، على إنسان العصر الحالي أن يفهم طبيعة التغير في عالم المعلومات وكيف يدير هذا الكم من البيانات حوله بدون الاستسلام للاكتئاب أو الإحباط، لأن الحياة لا بدَّ أن تستمر.
|