القاهرة 06 مايو 2025 الساعة 10:55 ص

عاطف محمد عبد المجيد
يسعى د. محمد السيد إسماعيل في كتابه "الخروج من الظل..قراءة في القصة النسائية القصيرة في مصر" الصادر حديثًا عن الهيئة العامة للكتاب، إلى مقاربة القصة القصيرة النسائية في مصر في عقودها الأخيرة، مُرجعًا أسباب اختيار هذا الموضوع إلى ما شهدته القصة القصيرة عمومًا من تطور على مستوى تقنياتها الفنية، وما شهدته القصة القصيرة النسائية تحديدًا من طفرة واضحة تمثلت في وفرة مادتها وتنوع اتجاهاتها الفنية وطرائقها التقنّية، مشيرًا إلى تخصيصه لهذه الدراسة للقصة النسائية اعترافًا ما بانفصالها عن الحركة الأدبية العامة، إذ إن اعترافًا كهذا سوف يكرس الادعاء باختلاف المرأة عن الرجل على مستويات أخرى يؤكدها الخطاب الرجعي السائد والنظرة المجتمعية العامة، التي لا ترى المرأة أكثر من تابعة لا تملك من أمرها شيئًا إلا الإخلاص لهذه التبعية بوصفها اعترافًا صريحًا أو ضمنيًّا بهيمنة الآخر، ذاكرًا أنه مما لا شك فيه أن تلك الثنائية العتيقة التي تقابل بين المرأة والرجل لا تخرج عن كونها إحدى الثنائيات المتداولة والخاطئة.
هنا يؤكد الكاتب أنه لا انفصال بين وضعية المرأة وإبداعها دون أن يعني ذلك فصل هذا الإبداع أو عزله عن سياق الكتابة الأدبية العامة، مشيرًا إلى أن ثمة ثلاث وجهات نظر متباينة حول ما يسمى بالأدب النسائي أو الكتابة النسوية، تتبنى الأولى منها تأكيد وجود سمات فارقة لهذه الكتابة تميزها عن كتابة الرجل أو الكتابة المجتمعية بصفة عامة، أما وجهة النظر الثانية فترفض مناقشة الأدب النسائي بمعزل عن الحركة الإبداعية العامة، ذاكرًا ما قالته راوية راشد من أن التركيز على تحليل كتابات المرأة بمعزل عن التيار العام لحركة الإبداع إنما يؤثر على الأنا الإبداعية لديها ويدفعها أحيانًا إلى التشدد في تناولها للموضوعات الحياتية الأخرى.
محمد السيد إسماعيل يكتب هنا قائلًا إن القصة القصيرة والأعمال السردية عمومًا تقوم على عدة عناصر بنائية متداخلة تتمثل في الشخصية والمكان والزمان، وبديهي أن نذكر أن هذه العناصر يقدمها راوٍ ذو وضعية محددة، سواء أكان داخل السرد أم خارجه، مؤكدًا أن اللغة في الأصل إبداع إنساني يأخذ مع الوقت، شأن كل إبداع، شكل التقاليد الراسخة، ويبقى الأمر منوطًا بقدرة المبدع على توظيف هذه التقاليد وتأكيد إبداعيته إزاءها، وفرق كبير بين الإبداع الذي يعنيه والخروج المجاني القائم على الجهل باللغة أو العجز عن ممارستها ممارسة إبداعية، مؤكدًا ثراء عالم القصة النسائية وصلاحيتها وجدارتها بقراءات أخرى عديدة تستظهر جوانب إبداعها المختلفة، مشيرًا إلى وجود نصوص أخرى لا تقل أهمية عن النصوص التي تعرض لها هنا وقدمها، ذاكرًا أن ما يشفع لدراسته هذه أنها لم تجعل الاستقصاء إحدى غاياتها.
تناول السيد إسماعيل بالدراسة هنا الشخصية السلطوية، المقهورة، المتمردة، المغتربة، متخذًا من كتابات سلوى بكر، ابتهال سالم، نورا أمين، آمال كمال، مي التلمساني، مني حلمي، رانية خلاف، هالة البدري، رضى عاشور، نعمات البحيري وغيرهن مادة لدراسته هذه، ذاكرًا أن الكاتبات لم يتعاملن مع الشخصية السلطوية في بعدها السياسي فحسب، بل ربما كان هذا البعد أقل أبعادها ترددًا، وقد نتج ذلك عن رؤيتهن الشاملة لمعنى السلطة التي لم تعد مقصورة على البعد السياسي، لافتًا النظر إلى أنه لا يوجد شيء اعتباطي في الفن، فالأسلوب الفني ليس محايدًا ولا يقتصر على دلالته القريبة، متحدثًا عن الشخصية المتمردة قائلًا إن ارتباط الفن بالتمرد لا يحتاج إلى دليل، وهو تمرد لا يتوقف عند حدود رفض المعايير الواقعية السائدة في جوانبها المتخلفة فحسب، بل تمرد على الذائقة الفنية التقليدية.
|