|
القاهرة 30 ابريل 2025 الساعة 04:41 م

بقلم: أحمد محمد صلاح
انهارت الإمبراطورية الرومانية بطريقة قد نشهد أمثلة منها تحدث الآن، كانت البداية علي رجلين هما ديوقلتيان وقسطنطين، حيث قاما بفصل الامبراطورية الي جزئين، وأقام قسطنطين عاصمة جديدة في النصف الشرقي هي القسطنطينية، كما أدخل الدين المسيحي واتخذه دينا للدولة، أما ديوقلتيان ففعل الكارثة حينما حدد سلطات الجيش، ثم غير من مقوماته بإدخال عناصر خارجية من الألمان داخل قوام الجيش، وفتح امامهم الطريق لتولي المناصب الكبيرة.
وفي القرن الخامس تحول هؤلاء المرتزقة إلى مركز قوى، وحاربوا باسمهم وليس باسم سيدهم الروماني، والكارثة الثانية هي منح حكم ذاتي للمدن، ومنحهم الحق في جمع الضرائب وانشاء الجيش.
ثم انتهت الامبراطورية الشرقية والتي كانت عاصمتها القسطنطينة بعد غزو الأتراك لها، ومن ثم انتشار الإسلام في عدد كبير من المناطق المجاورة لها، والغريب كما يقول برتراند راسل:
"انتشر الإسلام في معظم الأقاليم التي كانت قبل ذلك رومانية، مما يقع في الشرق، بالإضافة إلى أفريقيا وأسبانيا في الغرب، وهنا اختلف العرب عن الجرمان في أنهم رفضوا اعتناق المسيحية، ولو أنهم اصطنعوا مدنية أولئك الذين غزوا بلادهم، وكانت الإمبراطورية الشرقية يونانية لا لاتينية في حضارتها؛ ولذلك كان العرب هم الذين احتفظوا بالأدب اليوناني وكل ما تخلف من تراث اليونان، وذلك في الفترة الواقعة بين القرن السابع والقرن الحادي عشر، حين كانت المدنية اللاتينية تسود الجانب الغربي من الإمبراطورية، ومنذ القرن الحادي عشر فصاعدًا، أخذ الغرب شيئًا فشيئًا -بفضل العرب في الأندلس أول الأمر- ما كان قد أضاعه من تراث اليونان".
أي أن العرب كان لهم الفضل الكبير في عدم ضياع الإرث الثقافي للحضارة الرومانية، ومن ثم كان لنا أن نتحدث عن الأثر المباشر لروما علي الفكر اليوناني والذي كان الفضل فيه لرجلين هما بوليبيوس، والفيلسوف الرواقي بانتيتيوس وكان ذلك في القرن الثاني قبل الميلاد، وشعر اليوناني في تلك الفترة أنه أرقى حضارة من الروماني، وإن كان أضعف سياسيا، وكان يعرف عن اليوناني أنه يتصف بالسعي نحو اللذة، بالإضافة إلى قدرته الفذة على التجارة وأيضا انعدام الضمير!، وهذه الأمور قد جعلت الرواقيين والأبيقوريين ينسحبون من الحياة العامة ويلجأون لحياة خاصة هادئة.
ويقول برتراند راسل: "ألفينا روما على وجه الجملة قد فعلت فعل الآفة الفتَّاكة بجزء الإمبراطورية الذي يتكلم اليونانية؛ فقد تدهور فيها الفكر والفن على السواء، على أن الحياة قد ظلت حتى ختام القرن الثاني بعد الميلاد ممتعة هيِّنة بالنسبة للأثرياء، إذ لم يكن ثَمة ما يحفز على الإجهاد في العمل، ولا كان هناك من الفرص السانحة للعمل العظيم إلا النادر القليل، ولبثت مدارس الفلسفة المعترَف بها -الأكاديمية والمشَّاءون والأبيقوريون والرواقيون- قائمةً حتى جاء جستنيان فأغلقها. وعلى كل حالٍ فلم تُبدِ أية مدرسة منها شيئًا من الحيوية إبان الفترة التي تلت مرقص أورليوس، اللهم إلا المدرسة الأفلاطونية الحديثة في القرن الثالث الميلادي، وسنتناولها بالبحث في الفصل التالي، ولم يكن هؤلاء الرجال الأفذاذ أنفسهم قد تأثروا بروما في شيءٍ على الإطلاق تقريبًا".
وهكذا أخذ شطرا الإمبراطورية اللاتيني واليوناني يبعدان أحدهما عن الآخر شيئًا فشيئًا، فندر العلم اليوناني في الغرب، ولم يكن للاتينية وجود في الشرق -بعد قسطنطين- إلا في القانون والجيش.
|