القاهرة 05 مارس 2025 الساعة 04:00 م

كتبت: نضال ممدوح
ما بين المجموعات الشعرية والقصصية، والسرد الروائي، طرحت دار "الآن ناشرون وموزعون" أحدث إصداراتها، والتي نستعرضها لكم في هذا التقرير..
* ديوان “الملائكة لا تحيا طويلاً”:
يتناول ديوان "الملائكة لا تحيا طويلاً" للشاعرة المغربية الراحلة هند البكاي لهبيل، الحب والحرب والنضال، وتدعو قصائده إلى التفاؤل رغم الواقع المرير.
يأتي الكتاب في 110 صفحات من القطع المتوسط، ويضم أكثر من ثلاثين قصيدة حول الأوطان والأزمات التي تتعرض لها المنطقة العربية، لا سيما العراق وفلسطين.
وجاء الديوان بمقدمة للباحثة والإعلامية هدى البكاي لهبيل، شقيقة الشاعرة الراحلة التي جمعت القصائد وأعدتها للنشر، تقول فيها: "لم أكن أدرك أن الكتابة تصير مستعصية إلى هذا الحد عندما يتعلَّق الأمر بمن نحبُّهم وباغتنا الموت وسرقهم سريعاً. كتبت كثيراً -بحكم اشتغالي كإعلامية بالإذاعة الوطنية للمملكة المغربية- عن شخصيّات من مجالات متنوعة غادرتنا إلى دار البقاء وتمكَّنت من إنجاز بورتريهات إذاعية عديدة عن مسار تلك الشخصيات".
وتتابع هدى البكاي لهبيل في المقدمة: "لكنني كنت كلما رفعت القلم لأكتب عنها تتراءى لي قسمات وجهها البسَّام كإشراقة صبح بهي وجميل، فأتوقَّف عن الكتابة. هذا الفعل لم تفارقه هي لحظة واحدة إلى حين رحيلها في مارس 2015، بل ظلَّ يلازمها ويسكنها حتى وهي تتلقى العلاج في مستشفى سان لويس بباريس. واصلت حربها ضد السرطان بمواصلتها كتابة الشعر الذي أدمنته منذ طفولتها، فكتبت للوطن وللإنسان والعدالة، ومن أجل الحب على هذه الأرض، فكانت قصيدتا (يوم يبعثون) و(حكمة الأقدار) آخر ما جادت به قريحتها من شعر وهي في فترة العلاج بباريس".
وتحكي هدى البكاي لهبيل عن حالتها حينما ودَّعت شقيقتها هند، وقرارها بأن تطبع ديوان الراحلة بالعنوان الذي وضعته قبل رحيلها "الملائكة لا تحيا طويلاً"، عسى أن يكون هذا الديوان "تخليداً لروحها، ومحبة خالصة في الوطن".
* "إلى شغف".. رسائل من أمّ إلى ابنتها بلغة أدبية:
عبر أكثر من عشرين رسالة، تضيء مي بنات في كتابها "إلى شغف"، محطات إنسانية تهم كل فتاة مقبلة على الحياة، وتبني جسراً من التفاهم بين الابنة وأمها التي تمتلك من التجربة والخبرة؛ ما يجعلها حريصة على إيصال ما اكتسبته من التجارب لطفلتها المقبلة على الدنيا، وكأنما تخط لها الطريق التي تفضي بها إلى التمتع بالسعادة والتحلي بالرضا.
وهذا ما تكشف عنه أولى رسائل الكتاب الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون" (2025)، حيث تقول الكاتبة: "طفلتي شغف.. إنّك يا طفلتي البهيّة لم تختبري من الحياة إلّا قشورها، لكنّها البدايات، ترتبطين بحاجاتك من النّوم، والطّعام، والشّراب، ارتباط أيّ كائنٍ بنعمة الحياة؛ فاذكري يا صغيرتي أنّ هذه الحياة نعمةٌ وُهبناها كي نحفظها بالحمد، وتلمّس مواطن الفرح". مؤكدة في هذا السياق: "معنى أن تجدي لذاتك مكانًا في الحياة، يعني أن تكوني على ضمن الأحياء. لا زلتِ تكتشفين العالم الصّغير من حولك، تجدّين في لمس كلّ ما يحيط بك، وتختبرينه بحوّاسك، إنّما يغدق علينا الإله بمتعة الاكتشاف لنعرف ونتعلّم، وخير معلّمٍ للإنسان ذاته! وها أنتِ تكبرين وتتعلّمين بدءًا من اللّهو بشيءٍ جديدٍ قد تجدين فيه مسرّةً، أو آخر قد يؤلمك، أو غيره قد يصدمك.. وكذلك ستكون حياتك".
وهكذا، تتنوع موضوعات الرسائل التي تقدمها الكاتبة لابنتها ما بين الصداقة والمحبة والاعتدال والرقة والنضج والغيرة والنعم.. وجميعها تصب في اتجاه النصح والإرشاد المطعم بحس الحرص الأمومي، والرغبة الصادقة في أن تكون تلك الطفلة في المستقبل فتاة قوية ومستقلة وتعرف الطريق الذي عليها أن تسلكه لتحقق التميز والنجاح، ورغم أن هذه الرسائل موجهة من كاتبة لابنتها "شغف" إلى أن بها من الحكمة والتأمل في مجريات الحياة ما يجعلها رسالة إنسانية تهم كل فرد في المجتمع، ليس الأنثى فحسب، وإن كان الخطاب هنا موجه لها، بل تهم كلا الجنسين، إذ هي تتناول في الأصل قضايا إنسانية عامة.
مثال ذلك ما تقدمه الكاتبة بخصوص انتقاء الأصدقاء، وفيه حكمة عامة يستفيد منها الجميع، حيث تقول: "الصّديق الصّدوق كنزٌ لا يُثمّن، فهو الأنيس، والصّاحب، والموجّه، والمساند، فانتقيه بإتقان الحكيم، وتجنّبي من لا يشبهك في باطنه، من لا يقارب خُلقك". ومن ذلك أيضاً رؤيتها لمعنى "الجمال الحقيقي" إذ تؤكد بنات على أن الجمال في الخُلق، والرّوح والعقل، واللّسان أهمّ وأنفس من جمال الوجه، موضحة: "علينا الجدّ في البحث عن جمالنا الخاصّ، وتفرّدنا الّذي لا يشبه أحدًا إلّانا، إن رأينا أفضليّة غيرنا، فلنحبّ لهم ذلك، ونباركه، ونبحث عن مكاننا إلى جانبهم، فالسّماء فيها متّسعٌ لمزيدٍ من النّجوم اللّامعة، والأقمار المستديرة... كلّ يسير في مساره، لتكتمل لوحة الكون بهاءً".
وكشفت الرسائل عن لغة مميزة، فيها دفقات عاطفية تفسر جوانب من تنوع الحياة، وتستثمر الصور البيانية لتجسد المعاني والقيم والأخلاق الإنسانية السامية، وفي كل جملة من هذه الرسائل يتلمس القارئ صدقاً شعورياً ووجدانيا عميقاً، لأن الخطاب في الأصل هنا بين أم وابنتها، وهذه العلاقة راسخة بقوتها عبر الزمان، إلى جانب ذلك فلغة الرسائل تميزت بالقدرة على الإقناع، ومثال ذلك قول الكاتبة في إحدى الرسائل حول "النضج": "إنّ الحياة يا ابنتي سلسلةٌ من المغامرات، والمواقف، والتّجارب، الّتي تتنوّع خبراتنا منها، ونحن على يقينٍ أنّ اختياراتنا مفتوحةٌ فيها بين الخير والشّرّ، والصّحيح والخاطئ، على أنّها أحكامٌ مطلقةٌ مضلِّلةٌ أحيانًا، ولا بدّ من استسلامنا لحقيقة تسييرنا في هذه الدّنيا فيما لا نملك اختياره.. وأثناء خوضنا الحياة؛ فإنّ علينا أن نتعلّم كيف نحياها، ونسقي شغفنا تجاهها، بالتّوازن بين متطلّباتها، ورغباتنا، ومسؤوليّاتنا، وواجباتنا، مميّزين بين ما ينحصر وجوده ونحن فوق الأرض، وما يبقى ونحن نائمين في جوفها".
|