القاهرة 18 فبراير 2025 الساعة 10:41 ص

كتبت: هبة أحمد معوض
لا أعلم يقينًا ما إذا كان فنانو مصر كلهم مرآة عكست ملامح عصرهم أم لا، لكن الأمر المفروغ منه إن منهم من كان عصره ملخصًا في المشاعر التي نسجها، ولقد انطبق ذلك تمامًا على أم كلثوم، بفنها وعطائها الذين جاءا كرد فعل لواقعها بإشراقه وسوداويته.
ولأجل الإلمام بسيرتها تعددت الكتابات عنها ومن حولها وكثرت، ويفاجَأ الباحث في أصداء حياتها بقلة الرصد أو الجمع المتعمق والمتأني في ثنايا عوالمها الخفية، حتى أتى مؤخرًا كتاب "أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي" الذي دحض هذه الفكرة ونفاها، فنجده مختلفًا في فكرته، ثريًا في مضمونه.
ففي كتابه هذا لم يخط كريم جمال قلمه لمجرد الكتابة عن أم كلثوم، الفلاحة الصاعدة من ريف السنبلاوين بل وثّق جزءًا من حياتها أثبتت فيه نفسها كقوى ناعمة عظمى، وحاول أن يجلو الصفحات المطوية من سيرة الست، أو كما ذكر: حاول البحث عن وجه آخر لها من خلال تتبع سيرتها ومسيرة مجهودها الوطني عقب النكسة.
فيرصد بدقة تواريخ وأماكن حملتها العظمى التي ولتها جل اهتمامها المادي والمعنوي عقب هزيمة 1967، لمساندة جيش مصر في تحرير أرضه ودعمه لتجاوز الهزيمة، من خلال أغنياتها التي تعمّدت أن تلمس الوجدان لا العقل، وحفلاتها التي وجهت إيرادها للمجهود الحربي.
إن المختلف والمميز في هذا الكتاب، ليس ما ولاه صاحبه من اهتمام حول رصد تواريخ وأماكن لحفلات أم كلثوم، بل جهوده في بحث أعداد الحضور للحفلات، وتقصّي إيرادات كل حفل.
تلك التفاصيل الاستثنائية التي ظلت موجودة معنا أيضًا في سرده تفاصيل زيارتها باريس، وإقامة حفليها بها، في وقتٍ عصيب تهددت فيه حياتها بالخطر، تناولها الكاتب منذ بداية الاتفاق بين أم كلثوم ومدير المسرح الذي سيقام عليه الحفل، مرورًا بأزمة التنافس على شراء تذكرة الحفل، وصولًا لما تناولته الصحف الفرنسية عن الحفل.
إن التفصيلة الأكثر مثالية في هذا المؤلَف أنه إلى جانب رصد سيرة أم كلثوم، استطاع أن يرسم الصورة المادية، القاتمة، لهذه السنوات بشكل غير مباشر، وكيف كانت مخيبة لكل آمال الإنسان، وكيف أيضًا تم السعي لتبديد ظلمتها.
رغم احتواء الكتاب على تفاصيل مكررة بشكل ما، لكن هذا التكرار لم يضف مللًا، وفي الواقع إذا كان الكتاب مهمًا للقارئ العادي فإنه أكثر أهمية لمحرري وصحفيي الفن، إذ إن أثره عليهم سيكون أعظم فيما سوف يتعلمونه منه طرق البحث عن المعلومات وتقصيها حول أي شخصية فنية يضعونها في "بورتريه".
في النهاية، لا يسعني القول إلا إن أم كلثوم بإنسانيتها وضعتنا أمام السؤال المربك "لماذا نجد من يملكون القدرة على تحقيق فكرة أو التعبير عن خبرة إنسانية بصورة أفضل وأعمق من غيرهم، رغم اشتراك الناس في أوتار النفس الحساسة التي تحركها الأحداث"؟
|