القاهرة 11 فبراير 2025 الساعة 10:21 ص

ملف من إعداد: مصطفى علي عمار
رحل عن عالمنا، صباح يوم الأحد التاسع من فبراير،الشاعر عماد علي قطري، الأمين العام المؤسس لمركز عماد قطري للإبداع والتنمية الثقافية، بعد صراع مع المرض.
عماد قطري هو شاعر وكاتب مسرحي، عضو اتحاد كتاب مصر، عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية، المؤسس والمشرف العام على سلسلة الفوارس الثقافية، صدرت له عدد من الأعمال الأدبية ومنها: ديوان عذرا سراييفو، ديوان يانيل، المحاكمة مسرحية شعرية، ديوان ما بيننا سلسلة أصوات معاصرة، 2003، ديوان العصافير سلسلة الفوارس، عشر نساء يجئن خلف العاصفة مركز المحروسة 2008.
كما أصدر مسرحية "وجع المنافي"، وديوان "بعض ما قالت العارية، تلك الدار"، ترانيم عشق، لعينيك، ثورة التحرير أول ديوان عن ثورة 25 يناير، ديوان سيدة المواسم والأبجدية، ديوان أحبك عن دار وعد.
عاش الشاعر عماد علي قطري في المملكة السعودية يعمل مهندسا في إحدى شركات البترول هناك، ومن الحين للحين يقضي إجازته في مسقط رأسه مصر ومنذ فترة قصيرة قرر العودة لمصر وكأنه على موعد مع الموت أو يشعر به فمنذ أيام فقط أصيب بجلطة في المخ دخل على أثرها المستشفى في غيبوبة تامة لنزيف بالمخ حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، بعد أسبوع من المرض ويوارى الثرى جسمانه في قريته شبراويش بمركز أجا التابع لمحافظة المنصورة، ليسطر برحيلة أخر سطر الختام في قصة شاعر معطاء يشهد له الجميع بعطاءه ومساندته للأدباء ودعمه للثقافة عبر مركز عماد علي قطري الذي أسسه لخدمة الثقافة...
وعند نشر خبر وفاته كان أثره كالصاعقة على كل من عرف عماد قطري... ومن جانبنا في مجلة مصر المحروسة حاولنا رثاءه وتكريم اسمه، فكان هذا الملف الذي تناولنا فيه عماد قطري الإنسان والشاعر وداعم الثقافة وصانع الفرح كما كان يطلق عليه.. والتقينا مع عدد من الكتاب والشعراء العرب، وكانت هذه شهاداتهم:
-
استهل الاديب والأكاديمي د. نادر عبد الخالق الحديث عنه مع رثاءه، فقال:
رحل الصديق العزيز الشاعر العربي الكبير الشاعر عماد قطري، رحل في هدوء ودون وداع.. !
رحل صانع الفرح وأول مؤرخ لبهجة الأدب والأدباء
رحل صانع التجديد والبحث عن المواهب وصانع الحراك الثقافي الحقيقي في جيل افتقد للقيادة في مرحلة مهمة من تاريخ مصر الحديث.. رحل الشاعر عماد على قطري ..!
كنت شريكا له في مناسباته الأولى ورئيسا محكما في الدورات الأولى لمسابقات مركز عماد قطري للإبداع والتنمية، واشهد أنها كانت انطلاقة كبرى في زمن عز فيه دعم النشاط الثقافي في المجتمع المدني، فلم تكن تلك الانطلاقة الحقيقية الزاهرة مسبوقة في مجال الإبداع ولازالت تجربته فريدة أظن أنها ستبقى فترة طويلة هكذا!
ومن الإنصاف أن يقف التاريخ الأدبي المعاصر محللا لهذه الظاهرة الإبداعية الإيجابية الواعية والتي أعقبت ثورة يناير مباشرة ولم يكن لها ما يدعمها غير رعاية عماد قطري بمفرده وبجهود المخلصين معه، فقدمت الكثير والكثير للأدب والأدباء والفن والثقافة.
وحتى الآن ومنذ أن بزغ نجم عماد قطري شاعرا وراعيا تنويريا للفكر والثقافة مازال صدى هذه الحركة الثقافية الكبيرة يشع في حياتنا كمؤسسة تنويرية ثقافية مكتملة الأركان والأهداف.
ومن الجدير أن الرجل رحمه الله تعالى برحمته الواسعة لم يكن يتدخل في قرارات اللجان ولم يكن له توجهات غريبة، بقدر ما كان مهموما بالنجاح وتقديم الوعى الفكري والأدبي من خلال التجارب التي يسعى لتقديمها.
وأذكر أن أخر لقاء جمع بيننا كان عبر الهاتف نهاية ديسمبر الماضي .. وكعادته كان بشوشا ودودا طيب القلب رقيق المشاعر شغوفا بالشعر والشعراء ..أخبرنى أنه حل ضيفا على إحدى البرامج الثقافية وحرص على ذكر مقطع من دراستي عنه في تواضع لا يكون إلا من النبلاء ..!
-
وتضيف الكاتبة والشاعرة همت مصطفى في رثائه :
الشاعر الكبير عماد علي قطري لم يكن مجرد اسم في عالم الأدب، بل كان قلبًا نابضًا بالحب، ويدًا ممدودةً بالعطاء، وصوتًا صادقًا يحمل رسائل الأمل والوطن والإنسانية. كل من عرفه، شعر بدفء روحه قبل أن يستمع إلى كلماته، فكان صديقًا وأخًا ومُعينًا لكل محتاج.
رحيله خسارة فادحة، لكنه ترك لنا إرثًا لا يموت، قصائد تحلّق في سماء الإبداع، ومواقف تشهد على نقاء معدنه، وذكريات لا تمحوها الأيام. سنظل نذكره بابتسامته الصافية، ونستحضر كلماته التي كانت دائمًا بلسمًا للروح.
-
وبمداد من الكلمات الحزينة تقول الشاعرة عزة راجح العضو باتحاد كتاب مصر:
خفافا خفافا تنتقل أرواح الصالحين الطيبين الصادقين المخلصين النبلاء وأبدانهم إلى عالم لا يضيق بهم كعالمنا وتبقى أعمالهم الصالحة الصادقة وسيرتهم الطيبة وذكراهم العطرة، تشهد لهم وتتنقل من جيل إلى جيل فلا تفنى ولا تموت..
لم ألتقيه.. لكنه في بداياتي مع الشعر، وبداياتي على فيس بوك، قرأ لي وتابع كتاباتي وعلق على إحدى قصائدي قائلا "إذا أكرمني الله وصارت لدي دار نشر، سأنشر لك".
علمت أنه شاعر، وقرأت له شعرا مميزا أُصنفه من الأدب النظيف الذي يرتقي بالفكر والإحساس ولا يشبه إلا نفسه الطيبة الذكية الزكية النبيلة ك ديوانه "التغريبة السيناوية" الذي يشهد عنوانه على شهامة ونبل وصدق كاتبه كما تحمل التغريبة في كل حرف من حروفها ما يؤكد تلك الصفات فيه كشاعر إنسان دمث الخلق صادق مخلص لنفسه ولوطنه ولأمته ولقضاياها، أدركت من خلال منشوراته على فيس بوك وتعليقاته واهتماماته، أنه عاشق للحرف والكَلِم، للشعر والأدب ولديه أحلامه الخاصة التي يسعى لتحقيقها كفارس نبيل لا يسعى إلى التربح، وإنما ليعين ويدعم المبدعين على مواصلة الإبداع والارتقاء بالأعمال الأدبية ومن ثم الارتقاء بالمجتمع، وإنه سيعمل جاهدا لتحقيق الحلم
وبالفعل حقق "قطري" أحلامه وأسس مركز عماد قطري للإبداع، مركزا غير ربحي، لم يسع للتربح قط من خلاله، بل كرس وقته وماله وجهده له، وتحمل الصعاب وهجوم الحاقدين والنفعيين و.. و.. وحملاتهم التي لم تنقطع بل تُشنُ عليه بين الحين والآخر، فلا يزيده عشقه للأدب إلا قوة وصلابة أمامها، ويدفعه دفعا للاستمرار والإصرار ومقاومة كل الصعاب في سبيل دعم المبدعين والإبداع بصفة عامة.
مرت الأعوام..
أنقطعُ أنا عن فيس بوك، وأعود، ونسيت وعده في التعليق تماما، إلَى أن قرأت مصادفة عن مسابقة ل "مركز عماد علي قطري للإبداع" فأرسلت مسرحيتي "محكمة الغابة" شعر فصحى للطلائع، وإذا بالمركز يراسلني لمراجعة العمل مع دار النشر ..
نعم وَعدَ "قطري" وأوفى ونُشر العمل وأرسل لي خمسين نسخة منه من دون أن أدفع مليما واحدا..
مَن كعماد على قطري ؟!
هو فارس صادق مخلص نبيل قلّ أن يوجد مثله في زمننا هذا، ولقد خسر الأدب والأدباء ومصرنا الغالية بفقدانه داعما شهما نبيلا، لكن..، ستبقى أعماله والذكرى الطيبة وحروفه المبدعة الصادقة ويبقى بها وفيها حيا مادامت الحياة ...
-
ويضيف الشاعر عبد الله الهوارى سكرتير نادى أدب قصر ثقافة قوص محافظة قنا:
رحل عن دنيانا الشاعر الكبير عماد على قطري صاحب المسابقات ذات الجوائز التي كان يبغى منها إثراء الحياة الأدبية والثقافة في ربوع الوطن العربي، وكان يقول لي دائما حين نتحادث إن ذلك واجبا عليه وليس منة، لو نظرنا إلى تلك المسابقات ذات الجوائز فسوف نجد أنها داعم حقيقي للأديب وحافز معنوي إلى جانب إنها حافزماديّ أيضا، وكل ذلك يحدث له نوع مختلف من الغبطة إلى جانب أن ذلك كان يشيع البهجة في الأوساط الأدبية
من هنا أطلقنا عليه منذ عقود لقب صانع الفرح وكان يسر بذلك ويشعر أنه يؤدى رسالته كاملة
عرفته متواضعا إنسانا على خلقكما ينبغي أن يكون الأديب، لم يكن أبدا مزايدا بما يصنع من فرح أو ناشدا لمجدأدبى فهو شاعر وأديب كبير ويملك دارا للنشر من أشهر دور النشر في الوطن العربي وأعرقها، إنما كان يصبو لإدخال السرور لقلب كل الأدباء خاصة وأنه كان صديقا لغالبيتهم، كان الراحل أيضا شريكا فعالا في أرقى الندوات والمؤتمرات الأدبية التي تهدف لنشر الوعي والثقافة بين الجماهير.
-
ويضيف الأديب والشاعر الأقصري احمد جاد المولى:
منذ عامين سألته عن موعد مسابقة النشر التي يدعمها من جيبه الخاص لأشارك فيها فقال لي - مسابقة ايه يا مولانا اللي تشارك فيها ابعت ديوانك على دار النشر - ثم أرسل لي رابط صفحة صاحب الدار وما هي إلا أيام قلائل حتى وجدت ديواني بين يدي؛ وبينما كنت طوال الوقت أحاول إيجاد فرصة لدعوته للأقصر والاحتفاء به وإقامة ليلة خاصة به تحت عنوان مبدع وشهادة إذا به يهاتفني ليخبرني باختياري للتكريم في حفل سوف يقيمه في دار الأوبرا المصرية بالقاهرة بمجرد أن يتعافى، غير أني لم أحاول سؤاله عن سبب تعبه خشية أن يؤلمه ذلك ؛ حتى رأيته أخيرا هنا في الأقصر منذ أسابيع حيث جاء متحديا متاعبه لحضور مهرجان الشعر العربي واتصل بي والتقينا ومجرد أن جلس أخرج زجاجة عطر وأهدانيها ..
قضينا معا وقتا طويلا في الظهيرة ثم دعوته وبعض الأصدقاء على سهرة بالكافيه المجاور للفندق، وأخبرته بأنها فرصة لإقامة الليلة الخاصة به بمقر اتحاد الكتاب بالأقصر فطلب تأجيلها لأنه سيعود بعد أيام لعمل رحلة وجولة حرة في معالم الأقصر وأنه حريص على أن تكون معه زوجته لتشاركه هذا الاحتفاء؛ وانتظرت مكالمة من عماد قطري يخبرني فيها بحضوره حتى أخبرني الصديق أشرف البولاقي بأن عماد دخل العناية المركزة، فدخلت بلا إرادة فيما يشبه فقدان التركيز وفي حالة من انكسار الروح نادرا ما تسيطر علي، ولكن لم أكن أملك غير الدعاء والتوسل إلى الله أن يشفي صديقي عماد؛ حتى هاتفني الآن أحد الأصدقاء ليعزيني في رحيله..
هل هكذا يغادر الحقيقيون يا عماد؟! هل هكذا يباغتوننا بعدما ظننا أنهم بيننا وحولنا سندا ومثالا وبرهانا على أن الصدق والنقاء والوفاء والمحبة حاضرون؟؟ هي عشرات من السنوات عرفتك فيها صديقا وأخا وخلا وفيا ترى كيف يمكن أنا أواجهها وحدي؛ ربما سبقتني بقليل يا صديقي وفي هذا القليل، سأظل أدعو لك وأذكرك وأشكرك حتى ألتقيك.
-
ويستطرد الكاتب والأديب بهاء الدين حسن من قنا:
كان الشاعر عماد قطري يمثل حالة خاصة، فلم يكن مجرد شاعر يكتب قصيدته ويتوارى ليكتب أخرى، فلم ينشغل بنفسه قدر انشغاله بغيره، فقد كان يمثل مؤسسة ثقافية مستقلة بذاتها، ساهم فى دعم ونشر العديد من الإبداعات عن طريق مسابقة مؤسسة عماد قطري الثقافية، التي كان يدعمها من ماله الخاص.
لم يكتف الشاعر عماد قطري بهذا الدور، بل على المستوى الإنساني قام بإصدار أعمال الشاعر الراحل محمود مغربي على نفقته الخاصة، وكذلك قام بعمل مسابقة باسم الشاعر الراحل عبدالناصر علام، هذه عينة من لمسات الشاعر الراحل عماد قطري الإنسانية، جعلته (رحمة الله عليه) يستحق لقب صانع الفرح.
-
ويكتب عن عماد قطري الناقد السيناوي حاتم عبد الهادي السيد ويخصص الحديث عن:
قراءة في «التَّغْرِيْبَةِ السِّيْنَاوِيَّةْ» للشاعر المصري «عماد قطري»..
إذا كان المؤرخ الكبير جمال حمدان قد كتب عن «جغرافية سيناء وتاريخها»، وكتب عنها «كزانتزاكيس» الكاتب والفيلسوف اليوناني، وسار بأرضها «المتنبي» وكتب قصيدته عن كافور الإخشيدى عبر صحرائها، فإن عماد قطري قد سار على رمالها، وهام في حبها، ووقف متأملاً وقت الغروب بين البحر والصحراء، يلقي زورقه فيسير مع شمس الغروب إلى بوابات الجمال، فنراه يكتب عنها كراهب في محراب، هذا هو عماد الإنسان، إبن الشعر والنور والخلود، وثيقة حب نُدَبِّقَها لمحبته.
التغريبة السيناوية تسجل رحلة شاعر إلى أرض سيناء:
وإذا كان «نعوم بك شقير» قد جمع «تاريخ سيناء» وكتب عنها كزانتزاكيس نثراً، فإن الشاعر عماد قطري فاقهم بحبه، وكتب تاريخها شعراً، عبر «التغريبة السيناوية» التي جاءت في ثلاثة أجزاء: (بعض ما قالت العارِيَّةْ) – العاريّة المستعارة – بتشديد الياء – وليست العارية من العري، و (تلك الدار)، و (مدن البعاد)، وعبر هذه الرحلة الطويلة في الدواوين الثلاثة يسجل شاعرنا الباذخ عماد قطري مشاهداته، وذكرياته، تاريخ المكان عبر الأزمنة، وكأنه يعيد استلهام التاريخ القديم والحديث والمعاصر.
يُعَرِّجْ بنا الشاعر إلى ربوع سيناء، بداية من «رفح» البواية الشرقية لمصر، ثم «العريش»، «نِخِلْ»، «الحسنة»، «بئر العبد»، وهى مراكز سيناء الرئيسة، وتلك لعُمْر رحلة امتدت إلى سنوات قضاها على أرض الله المقدسة هناك، حيث التين والزيتون، يضيء طور سينين، ولا يفصل هنا الشاعر بين شمال وجنوب ووسط سيناء، كما في التقسيم الإداري الحالي وكأنه يعيد كتابة «تاريخ سيناء المعاصر»، شعراً، وذلك جهد كان قد بدأه الرحالة كزانتزاكيس نثراً، ثم أكمله عماد قطرى عبر التغريبة السيناوية، فهي تغريبة الذات، وتغريبة المثيولوجيا، وكأنه يحيلنا إلى تغريبة بني هلال في سيناء، وصحراء التيه التي تاه عبرها اليهود في رحلتهم مع النبي موسى إلى فلسطين، وما كان من أمر أبوزيد الهلالي سلامة في بحيرة البردويل، وقصصًا أخرى عن السيرة الهلالية لم تُشْتَهَرْ، وقد جمعها مؤخراً الباحث مسعد بدر، لتُكْمِل حلقة مفقودة في السيرة الشعبية هناك كذلك.
قصيدة ثلاثية بئر العبد.. استلهام للبداوة وأدب الرحلة:
وفي قصيدته ثلاثية بئر العبد: «على باب خيمة أم معبد»، نراه يعيد استلهام الميثولوجيا الرامزة، البداوة، أدب الرحلة، فهو يبدأ بالسؤال:
– يَا أُمُّ مِنْ أَيْنَ الطَّرِيِقُ إلى رَفَحْ؟
*يَمِّنْ قَلِيلاً ثُمّ يَسِّرْ سَاعَةً
إِنْ ضَلَّ خَطْوُكَ فَاصْطَبِرْ
وَ اسْتَفْتِ نَخلكَ و التُّرَابْ
-يَا أُمُّ وَ الْبِئْرُ الوَجَعْ ..
مِنْ أَيْنَ مُفتتَحُ الخَلاَصْ
وَ أيْنَ .. أَيْنْ؟! .
إنها أسئلة المحب، الرحالة الذي يطلب حق اللجوء العاطفي، في زيارة سيناء، سكناها، والعيش بين صحاريها ووهادها وجبالها، ولنشاهد جمالية الشعرية هنا في تلك المحاورة الباذخة، الدرامية، التي عقدها مع أم معبد، فوجدناها تصف له الطريق، بداية من بئر العبد إلى رفح، بل وتشير إليه بأنه لو ضلَّ الطريق، فعليه أن يستفت قلبه والنخيل، لأن قلبه المحب الواله، الصوفي، سيدلّه إلى الطريق، حيث النيل – قديمًا – فرع النيل البيلوزي في منطقة «بالوظة»، وحيث الرمال الطاهرة المقدسة التي كان النيل يقطعها عابراً سهل الطينة إلى قلب الصحراء الشاسعة هناك،
يقول الشاعر عماد قطري:
*النِّيْلُ والطَّمْيُ الخَصِيبُ و خُطوَتَينْ
– و الرَّمْلُ يا أُمَّاهُ و التيهُ التَّلِيدْ ؟
* النيلُ أقربُ من دبيبِ النَّبْضِ
من حبلِ الورِيدْ
– -يا أُمُّ مَا كذِبَ الفُؤادُ ولا انْحنَى
– فَلِمَ الخطيئةُ لا يُرَاوِدُهَا المَتَابْ ؟
*الرِّيْحُ يا وَلديْ اسْتَوتْ فوقَ النَّخيِلْ
وأعلنَتْ يومَ الحسَابْ ..
إنه يبحث عن «أصل البداوة»، خيمة أم معبد، التي تمثل رمزية التراث، عبق الحكمة، عبر دروب سيناء، حيث مفردات الطبيعة، تحيلنا إلى هوية المكان، والسكان، الشجر والحجر والبشر، وهي ثلاثية مفردات الحياة هناك.
يقول:
-والشَّيْخُ ؟ مَا للشَّيخِ و الرِّيْحُ المُطاَعْ ؟
الشَّيخُ يا أُمَّاهُ ما صَدَّ الرِّعَاعْ
*وجَعُ التَّشَرُّدِ يا صغيرُ و آهَةٌ
مِلْحُ المسافاتِ الشَّرِيْدَةِ
و الخُطَى
صَهْدُ الدُّروبِ وما تَخَلّدَ في الرِّقَاعْ
-يَا أُمُّ مَا للشَّاةِ أرهَقهَا الْهُزَالْ
و ذَا الصَّبِيْ ؟
*عجَباَ لِسُؤلِكَ يا صَغِيْرُ
أمَا دَرِيِتْ …؟
ماتَ النَّبِيْ
-والتِّينِ والزَّيْتُونِ يَا …
*التِّيْنُ أَحْرَقَهُ الغَبِيّْ
-والْحَصْرُمُ المُلْقَى هُنَا
مَاذَا جَرَى …؟
*صَهْ .. (وِشْ تِبِّيْ)* ؟
إنه يستخدم مفردات اللهجة البدوية في سيناء، «وايش تبّى»، أى ماذا تريد؟، وعبر الهيش، وأشجار العادر البدوي، والزيتون المضيء، وساحل المتوسط الساحر، والنخيل الذي يدلل إلى شموخ البادية، وعادات وتقاليد المكان، رأيناه يشير إلى الأحداث التاريخية التي وقعت والحروب، وطمع الغاشم الصهيونى في استعمار الأرض، لكن سيناء فداها المصريون بدماء الشهداء الطاهرة.
وعبر التناص الإحالي، يحيلنا إلى قصة استشهاد الحسين عبر الدم المراق، المسفوك، وكأنه يربط التاريخ المعاصر بالماضي، في تناص وتقاطع بديع، تناص إشاري رامز لدمائنا العربية المهدرة في فلسطين، وسوريا، والعراق، وليبيا، واليمن، وغيرها.
إعلاء قيمة الوطن «مصر» بين سطور أبيات شِعره:
كما يُعَلّي الشاعر هنا من قيمة الوطن، مصر عبر الصقر، رمز الشموخ الوطني، الذي يتوسط علم مصر السامق، يقول:
مَا بحرُ العريشِ سوى دمِيْ
ودمِي عريشُ ابْنِ السَّبِيلْ
والنَّخْلُ قالتْ جَدَّتِيْ
كانَ الشَّهيدُ على الشَّهيدْ
سِفْرُ الْجَرِيْدِ مُخَلَّدٌ
كانَ الحُسَيْنُ و مَا ارْتَضَى يوماَ يَزِيِدْ
النَّخْلُ في وادي العريشِ مُخَضَّبٌ
وَدَمُ الحُسَيْنِ مُسافِرٌ نحوَ السَّماءِ ومَا يُريِدْ
الماءُ يا أُمُّ الْوَليِدْ…
*الماءُ أنتِ .. وَ لَا مَزِيِدْ
– دَمُنَا المُرَاقْ ..
*قُلْ يَا يَزيِدُ إلى مًتَى ؟
رَدَّ الْحُسَيْنُ
-
وعن دعمه للثقافة يقول الكاتب والشاعر المصري متولي محمد بصل:
الشاعر عماد علي قطري؛ مؤسس ورئيس تحرير سلسلة الفوارس الثقافية؛ ورئيس تحرير مجلة النورس القاهرية الفترة من 1984 حتى 1999، والمؤسس والأمين العام لمركز عماد علي قطري للإبداع والتنمية الثقافية والمستشار الثقافي لرابطة الأدباء العرب بالقاهرة.
أسس مركز عماد قطري للإبداع والتنمية الثقافية وهو مركز يهتم بالمواهب في كل مجال من مجالات الأدب والثقافة والإبداع؛ وفتح أبوابه لجميع المبدعين في الوطن العربي لإحداث تنمية ثقافية؛ وأدبية تسمو بالفكر، وترتقي بالوعي؛ وتفتح آفاقا جديدة لبناء مجتمع مستنير.
وكما كتب على حائط الموقع الخاص بالمركز(مركز عماد قطري للإبداع والتنمية الثقافية مركز غير ربحي يعني بالإبداع والمبدعين في الوطن العربي ويسعي لإحداث تنمية ثقافية ونهضة حضارية تنير الدرب وتجعل الحياة أكثر إشراقا وجمالا؛ نسعى للاهتمام بالمبدعين والاحتفاء بالمتحقق منهم و البحث عن المواهب الأصيلة في وطننا العربي و تقديمها و رعايتها وفتح باب النشر للمبدعين الشرفاء المنتمين للناس والأرض والحرية).
كما اهتم بتشجيع المواهب عن طريق إقامة مسابقات في فن (القصة القصيرة – القصة القصيرة جدا – القصة الومضة ) وغيرها من مجالات الأدب، وقدَّم مكافآت مادية للفائزين، فضلا عن طباعة كتب تضم جميع المشاركات الفائزة في كافة الفروع المعلن عنها؛ حيث يحصل كل مشارك -سواء فاز أو لم يفز- على عدد من نسخ تلك الكتب.
|