القاهرة 11 فبراير 2025 الساعة 10:16 ص

بقلم: د. حسين عبد البصير
الطائفة النزارية هي إحدى الفرق الشيعية الإسماعيلية، التي نشأت بعد انقسام الإسماعيلية إلى فروع عدة بعد وفاة الإمام الفاطمي المستنصر بالله في القرن الحادي عشر الميلادي. تميزت الطائفة النزارية بتمسكها بالإمام نزار بن المستنصر، الذي نازع أخاه المستعلي في حق الخلافة، مما أدى إلى ظهور انقسام في الحركة الإسماعيلية بين النزاريين والمستعلية. ونتيجة لهذا الانقسام، كان للطائفة النزارية علاقة مع مصر تطورت عبر التاريخ ومرت بتغيرات كبيرة. في هذا المقال، سنتناول تاريخ الطائفة النزارية وعلاقتها بمصر، من خلال دراسة العوامل السياسية والدينية والثقافية التي شكلت هذه العلاقة.
-
خلفية تاريخية: النشأة والانقسام
تعود أصول الطائفة النزارية إلى الخلاف الذي نشأ بين الإسماعيليين بعد وفاة الإمام المستنصر بالله (1036-1094م). كان المستنصر قد حكم الدولة الفاطمية في مصر، وقد خلف وراءه مشكلة الخلافة بين ابنه نزار (الذي كان يعتبر الأحق بالخلافة في نظر النزارية) وأخيه الأصغر المستعلي (الذي تبنته الطبقة الحاكمة بقيادة الوزير الفاطمي الأفضل شاهنشاه). نتيجة لهذا الصراع، تم عزل نزار وقتله في عام 1095م، بينما استمرت الخلافة الفاطمية في مصر تحت حكم المستعلي.
لكن النزارية لم يعترفوا بالتحولات السياسية في مصر، بل تبنوا موقفًا معاديًا للفاطميين وحافظوا على إيمانهم بأن نزار هو الإمام الشرعي. هذه النزعة الفكرية أدت إلى نشوء دولة الحشاشين في قلعة آلموت بفارس تحت قيادة حسن الصباح، الذي تمكن من إنشاء إمارة نزارية مستقلة عن الدولة الفاطمية.
-
النزارية في مصر: خصوم سياسيون ومفاهيم دينية
لم يكن للنزارية وجود قوي في مصر بعد انهيار الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين الأيوبي في نهاية القرن الثاني عشر الميلادي. ومع ذلك، ظل تأثيرهم الفكري والديني قائمًا. كان النزاريون في الشام وفارس يعدون الفاطميين في مصر خصومًا لهم، وكان هناك تنافس سياسي وديني بين الفصيلين. ففي عام 1176م، تعرض صلاح الدين الأيوبي لمحاولة اغتيال على يد الحشاشين في حلب، مما دفعه لتكثيف الجهود ضدهم.
على الرغم من اختفاء الطائفة النزارية من المشهد السياسي المصري بعد انهيار الفاطميين، إلا أن الفكر الإسماعيلي النزارية كان له تأثير على العديد من الحركات الفكرية التي نشأت في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي. فالفكر النزارية كان يقوم على مبدأ الإيمان بالإمام المُنتظر الذي يحمل المعرفة الخاصة، وهو ما يعكس جوهر عقيدتهم في التفرد والإخفاء.
-
الطائفة النزارية والوجود في مصر ما بعد الفاطميين
بعد سقوط الدولة الفاطمية في مصر، انتقل العديد من المفكرين والمثقفين الإسماعيليين إلى مناطق أخرى من العالم الإسلامي، مثل الشام وفارس. لكن الطائفة النزارية لم تختفِ تمامًا من مصر، فقد بقي بعض أتباعها في المنطقة، وواصلوا التأثير على الفكر الديني والفلسفي.
البهرة، التي تمثل أحد الأفرع الإسماعيلية، تمثل أحد الأمثلة على استمرار تأثير الفكر الإسماعيلي في مصر بعد سقوط الفاطميين. وعلى الرغم من أن البهرة لا تتبع النزارية بشكل مباشر، فإنهم يحتفظون بجزء من التراث الفكري الإسماعيلي الذي نشأ في فترة الفاطميين.
-
التأثير الفكري للطائفة النزارية
على الرغم من أن الطائفة النزارية لم تكن لها سلطة سياسية في مصر بعد انهيار الفاطميين، فإنها تركت أثرًا كبيرًا على الفكر الديني في العالم الإسلامي. فقد أثر المفكرون النزارية في تطور الفلسفة الإسلامية، لا سيما في مجال اللاهوت والفكر الصوفي. كما ساهموا في الحفاظ على التراث العلمي في مجال الرياضيات والفلك والطب من خلال مدارسهم التي تأسست في مناطق مثل الشام وفارس.
كما أن فكر الحشاشين كان له تأثير على الأدب والفن في تلك الفترة. فقد تناول الكتاب والمؤرخون العديد من القصص والأساطير المتعلقة بالحشاشين، ما جعل هذه الطائفة جزءًا من المخيلة الشعبية في العالم الإسلامي.
تعد الطائفة النزارية جزءًا مهمًا من تاريخ الإسلام الشيعي، وقد تميزت بعلاقتها المتوترة مع الدولة الفاطمية في مصر. وعلى الرغم من انهيار الدولة الفاطمية، إلا أن الفكر النزارية أثر على العديد من الحركات الفكرية والدينية التي نشأت في العالم الإسلامي، واحتفظت الطائفة النزارية بوجودها في مناطق مثل الشام وفارس. ورغم أن تأثيرها السياسي في مصر تراجع بشكل كبير، إلا أن تأثيرها الفكري والثقافي لا يزال قائمًا إلى يومنا هذا.
|